حوارات القاهرة .. «تهدئة» و«كونفيدرالية» على الأكثر


بانتهاء المشاروات المصرية - الفلسطينية (الفصائلية) تكون صورة المشهد الفلسطيني على المدى القصير قد ارتسمت معالمها ما لم يحدث ما ليس في الحسبان ، وتنقلب الطاولة على رؤوس الجميع ، والصورة كما ترسمها مختلف المصادر ، تشتمل على معالم "تهدئة" فلسطينية - فلسطينية ، ولا تنطوي على أسس ومعالم حل جذري متماسك لأزمة الانقسام الفلسطيني الداخلي ، ومن الواضح تماما أن الوسيط المصري وفريقي الصراع الفلسطيني أدركا تمام الإدراك صعوبة اجتراح معالجة جذرية للداء الفلسطيني ، فاكتفيا ببعض المسكنات والجراحات التجميلية.

بدل حكومة "التكنوقراط" التي تطالب بها فتح ، و"الوحدة الوطنية" التي تطالب بها حماس ، سنكون أمام حكومة "توافق وطني" مطعمة بسياسيين فصائليين ومستقلين وتكنوقراط ، وستستند الحكومة إلى ركام الوثائق والبيانات الوزارية وكتب التكليف والمبادرات السابقة ، من وثيقة الأسرى إلى اتفاق مكة إلى بيان حكومة الوحدة وكتاب التكليف الرئاسي فضلا بالطبع عمّا يمكن أن ينجم عن حوارات القاهرة المقبلة من تفاهمات وأوراق وملخصات.

لن تذهب حماس بعيدا في "تنازلاتها السياسية" لصالح فتح ، خصوصا وأن فتح ليس لديها ما "تحرج" به قيادة حماس وتضعها في الزاوية الضيقة ، فالمفاوضات العبثية لم تصل إلى مكان ، وأركان السلطة يتبارون في توصيف حالة الفشل التي أنتهت إليها عملية أنابوليس ، ومناخات التشاؤم والتشدد (وإن كان استعراضيا) تخيم على خطابات أكثر المسؤولين والمفاوضين الفلسطينيين اعتدالا.

تنظيميا وأمنيا وماليا ، ليس لدى الأطراف النيّة لتقديم تنازلات جوهرية لبعضها البعض ، فتح لن تتخلى عن أجهزتها الأمنية وكذا الأمر بالنسبة لحماس...فتح ليست في وارد فتح أبواب الضفة لحماس وكتائبها ولجانها وجمعياتها ، وكذا الأمر بالنسبة لحماس في قطاع غزة...فتح ليست لديها النية لفتح ملف إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية المغلق منذ أن سيطرت فتح على المنظمة قبل أربعة عقود ، وحماس لن تتخلى عن "عصفورها" الذي في القطاع ، لصالح عشرات العصافير التي تغرد خارج سربها وتتقافز فوق أشجار منتشرة في أماكن لا سيطرة لحماس عليها.

وفوق هذا وذاك ، فإن ملف الأجهزة الأمنية لم يعد حكرا على فتح وحماس ، لاسيما مع دخول الجنرالات دايتون وفيريز وجونز على خط الأجهزة الأمنية الفلسطينية الجديدة ولعبتها ، وبعد نجاحهم في انتقاء وتسليح وتدريب وحدات خاصة منها على اقتحام المخيمات وليس على درء أذى المستوطنات والمستوطنين على سبيل المثال ، وهذا لاعب جديد على المسرح الفلسطيني لا أدري كيف سيكون موقفه في الحوار و"التوافق الوطني" ولا أين سيتموضع في مرحلة الانقسام وما بعده.

أما ماليا ، فإن من الحمق تصور أن يتخلى أي من الفريقين عن مصادره الخاصة لصالح "المؤسسة" الوطنية الفلسطينية ، والأرجح أنهما سيمضيان إلى أبعد حد في بناء عوامل القوة والاقتدار الذاتية ، بصورة متوازية وتحت ظلال التهدئة التي يمكن لحوارات القاهرة أن تسفر عنها ، بانتظار جولات قادمة من الحسم السياسي (الانتخابي) أو حتى العسكري.

سيكون هناك في أحسن الحالات ووفقا لأكثر السيناريوهات تفاؤلا ، تهدئة بين فتح وحماس ومن ائتلف معهما ، ستسمح حماس لفتح ببعض مظاهر الوجود في القطاع شريطة عدم الإخلال بتوازن القوى هناك ، وستفعل فتح في الضفة الغربية شيئا مماثلا ، وستشكل حكومة توافق بمشاركة وزراء من الجانبين وربما برئاسة مستقلة ، وسيمدد لعباس بالتوافق وستعقد الانتخابات المبكرة تشريعيا والمتأخرة رئاسيا بالتوافق أيضا ، أما إعادة بناء الأجهزة الأمنية والأذرع والكتائب فتلك مسألة أخرى ، دونها خرط القتاد.

المرتجفون من إمكانية استعادة الوحدة الوطنية حتى وإن اتخذت شكل "توافق وطني" ، فقد بدأوا هجوما استباقيا ، شنوه عل جبهة المنظمة حيث استبق هؤلاء التطورات بإدلائهم بتصريحات تتعهد باغلاق المنظمة في وجه حماس ، وهي تصريحات تعكس الجو الداخلي لفتح والسلطة والمنظمة على أية حال (حتى وإن كان مطلقوها من خارج فتح) ، لأن هذا الملف إن فتح ، فسيطاح بالكثير من الرموز والفصائل وأمناء السر ورؤساء الدوائر ، الذين هرموا على رأس عملهم وفقد الكثيرون منهم صفته التمثيلية ، ولم يعد لهم من مطرح خارج الأطر البالية لمنظمة التحرير.

والخلاصة أن حوارات القاهرة ستنتهي في أحسن الحالات إلى "تهدئة" و"كونفديرالية"..."التهدئة بين فتح وحماس بعد التهدئة بين حماس وإسرائيل ، و"الكونفيدرالية" بين الضفة والقطاع وليس بين الأردن وفلسطين كما ظل يتردد حتى الآن ، وبحكم طبيعتيهما ، فإن "التهدئة" كما "الكونفيدرالية" ، مؤقتة وغير ملزمة ولا تلغي الكيان الخاص بالأطراف المتعاقدة السامية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات