في مضامين الاصلاح السياسي المنشود


لا شك ان العملية الديمقراطية عملية تراكمية، ولكن من المهم ان يبقى خط سير التحول الديمقراطي صاعدا، حتى وان كان تدريجيا وطويل المدى، اما التذبذبات في المسيرة الديمقراطية، فإنها تلحق افدح الاضرار بالوطن والشعب.

ان الديمقراطية الحقيقية هي وحدها الكفيلة بانتقال الاردن الى عصر جديد، ويتأكد اهمية ذلك في ضوء ما جرى ويجري في المنطقة والعالم، فمن الواضح ان خريطة المنطقة والعالم السياسية ستتغير بشكل جذري، وسيكون لذلك انعكاسات مهمة على الوضع الداخلي، وبالذات في الموضوع الديمقراطي، وبشكل اوسع في موضوع اجراء التغيير والاصلاح في الدولة، فالمسارات الداخلية للإصلاح مترابطة، ولا يمكن اصلاح الوضع الاقتصادي دون اصلاح سياسي واجتماعي وتعليمي وثقافي. والتحديات القادمة سواء على صعيد السياسة الاقليمية، وارتباط الوضع الاردني بالوضع الفلسطيني، ستشكل عوامل ضغط قوية جدا، وعلى الاردن ان يتعامل معها بسرعة وبنظرة مستقبلية، ولذلك فان مفتاح التعامل مع هذه المتغيرات هو التحول الديمقراطي الحقيقي حتى يتمكن من الامساك بزمام أموره الداخلية.

ان نجاح الديمقراطية يعتمد بشكل اساسي في الوقت الراهن على شروط متعددة من بينها عامل نعتقد أنه في غاية الاهمية، وهو وحدة المجتمع الداخلي ذاته، وسوف تبقى الديمقراطية ناقصة ما لم يتم استقطاب كافة فئات الشعب للتعبير عن رأيه، وبدون المشاركة الكاملة فان أي جهد للتنمية سيبقى قاصرا.

وحتى يمكن للحكم الديمقراطي أن يكون سليما معافى لا بد أن يشعر المواطن من خلاله أن القانون يطبّق على الجميع بلا استثناء، وان الدستور يضمن له الحرية التي لا تضر بغيره من المواطنين، خاصة في مجال المراقبة والمحاسبة ومنع التلاعب والفساد.
والمشاركة الشعبية الواسعة والحقيقية ستتيح للقيادة الاطلاع على الوضع الطبيعي، ومجريات الامور الشعبية، وأمور الدولة بشكل حقيقي بعيدا عن اللجوء الى التقارير الشفوية والمكتوبة المضللة في كثير من الاحيان.

إن الاصلاح السياسي الذي نحتاج اليه هو الذي يفضي الى انفراج سياسي كامل، وكفالة حقوق الانسان واحترامها، والى الفصل بين السلطات، واقرار قانون انتخابي عادل ونزيه، وتحقيق المشاركة السياسية وصولا الى التداول الكامل والحقيقي للسلطة، وهو الاصلاح الذي يستأصل الفساد المالي والاداري، ويرشّد الانفاق، ويضع التنمية في خدمة الحاجات الاجتماعية، ويجتث أسباب الفقر والتهميش، ويعيد النظر في هيكل توزيع الثروة، بما يسد الفجوة بين الطبقات والفئات والمناطق.
وحتى تتقدم العملية الديمقراطية في الاردن بالمقارنة مع الملكيات الدستورية التي تدرجت في مسارها الديمقراطي، فان عملية الاصلاح الشامل تعني الحاجة الى:
1- أن تغدو مهمة اختيار رئيس الوزراء من مهام مجلس النواب المنتخب وحده، وذلك بإسناد الامر الى حزب الاغلبية البرلمانية.
2- إنّ المسار التنموي المغلوط، وهيمنة الهاجس الامني، واسقاط حقوق المواطن وتهميشه، أسباب رئيسة لفشل الخطط التنموية؛ اذ أن المرتكز المحوري للتنمية الفعلية يقتضي أن يكون التوجه التنموي منطلقا من بداية صحيحة، ولا يمكن تحقيق ذلك الا بدور فعال للقاعدة المجتمعية العريضة.

3- لا بد من تطوير عمل الاحزاب، وأن تشجع الحكومة وتحسن نظرة الناس للأحزاب السياسية، على أساس انها مؤسسات وطنية، وهي أساس عملية البناء الديمقراطي. وهذا يقتضي اصدار قانون احزاب يجذّر للممارسة الحزبية على أساس برامجي، ويلغي كافة القيود التي تعيق عملها.
4- تجديد النخبة السياسية؛ لتكون أكثر انفتاحا وتعبيرا عن المتغيرات الجديدة، وأن تتسع قاعدتها لتخرج من اسر التقيد بالاعتبارات الامنية أو الادارية البيروقراطية في الجنيد لها، وفي تولي المسؤوليات العامة، وهي السمة التي سادت حتى الان، وكانت مسؤولة عن استبعاد الكثير من الكفاءات في مختلف القطاعات.
5- تشريع قانون جديد للمطبوعات والنشر يرفع من سقف الحرية المسؤولة، وييسّر للإعلاميين سبل الوصول الى المعلومات، والتأكيد على أن الاعلام حر، وانه إعلام دولة، وتوسيع برامج الثقافة الوطنية، وفسح المجال للأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية في الاعلام الرسمي.

6- والديمقراطية لا يمكن ان تنجح الا اذا نشا جيل اردني تلقن الديمقراطية منذ الصغر، في البيت والمدرسة والجامعة، وتربى على أساليب الحوار، والابداع في التفكير، واستنباط النتائج، وهذا لا يتم الا في اطار تعليم عصري منهجي.

7- يعتبر قانون الانتخاب المدخل الحقيقي للإصلاح السياسي، وقانون الانتخاب ينبغي أن يوصلنا الى مستوى متقدم من التمثيل والحيوية السياسية، بحيث يحقق الاندماج الوطني، ، ويؤسس لكل المصالح والنزعات الاجتماعية، ويضمن الانصهار الوطني الشامل، وتذويب كل النزعات المناطقية والجهوية والعشائرية والطائفية، واستبدال الانقسامات الحالية القائمة الى خلافات حول برامج سياسية توحد المجتمع، ويساهم في نشوء احزاب سياسية مؤثرة تمثل جميع فئات المجتمع الاردني.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات