"المتضررون"من الحوار بين الدولة والإسلاميين


ثمة تيار محدود يسعى، منذ أن تمّ الإعلان عن صفحة جديدة مختلفة في الحوار بين الدولة وحركة حماس الفلسطينية، إلى إفشال الحوار وعرقلته والتقليل من شأنه، بالاستقواء بالمنابر الإعلامية في محاولة للتأثير على أطراف الحوار من جهة والرأي العام من جهة أخرى.

جهد هذا التيار ينصب في المرحلة الحالية على إثارة العراقيل والعقبات في وجه الحوار، والتركيز على محاور الخلاف بين الطرفين، وخلق "بلبلة" إعلامية من خلال التشكيك بنوايا الطرفين أو أحدهما. وكل تلك الحملة الإعلامية تهدف إلى غاية وحيدة هي وضع العصا في الدواليب وفرض أجندة خاصة معادية للحوار لإفشاله بأي صورة كانت.

ليس المقصود هنا الانتقاص ممن لهم موقف رافض أو مغاير لتوجه الدولة في الحوار مع حماس والإسلاميين. فمن حق أي كاتب أو سياسي أن يكون له رأيه في أي قضية كانت وأن يكتبه ويعلن عنه بصراحة، حتى لو جانب الموضوعية فسيبقى هذا موقفه وتلك مسؤوليته.

لكن ما لا يحق للكاتب أو السياسي هو أن يتجاوز إبداء الرأي إلى تضليل الرأي العام بترويج "تسريبات" غير دقيقة ولفلفة معلومات ودبلجة مواقف وإلصاقها بالأطراف المعنية بالحوار وتقديمها للرأي العام وكأنها حقائق ومعلومات مؤكدة من "مطبخ القرار" ومن "طاولة الحوار"، فهذا الأسلوب فضلاً أنه يتجاوز مربع الحرية الإعلامية وحق الكاتب في إبداء الرأي فإنّ فيه استهتارا بالرأي العام من ناحية، و"استقواء على الدولة"، بدعوى تقديم "موقفها" الدقيق للرأي العام والنخبة والسياسيين.

المفارقة تتبدى عند طرح التساؤلات المشروعة حول أسباب "استياء" و"تضرر" بعض الكتاب والسياسيين من الحوار بين الدولة وحماس أو الإخوان فإنّ المبالغة في هذه المخاوف تبرز بوضوح أنّ وراء هذا الموقف ولاء وخدمة لـ"جهات سياسية" معينة لا ترغب بهذا الحوار وترى أنه لا يخدم مصالحها ومواقفها، وهذا حقها في إطار رؤيتها لمصالحها السياسية، لكن ما ليس من حقها، ولا حق هذا التيار، هو القيام بالإملاء على الدولة هنا ما تقوم به وما لا  تقوم، أو أن يتم تفخيخ الحوار بـ"الأحزمة الإعلامية الناسفة" والتلاعب بالرأي العام وموقفه من مخرجات الحوار وصيرورته.

الحوار مع حركة حماس هو قرار سياسي وطني بامتياز من منظور المصالح الأردنية وفقاً للمتغيرات الإقليمية والداخلية الفلسطينية، والدولة هي المعنية بتحديد مخرجاته ومساراته، ومطبخ القرار ليس بحاجة لوصاية من أحد وهو قادر على إدارة العلاقة مع كل من حركة فتح وحماس بما ينسجم مع المصالح الوطنية العليا.

أمّا الحوار مع جماعة الإخوان المسلمين وتحديد السياسة الرسمية تجاهها فهو حوار داخلي وطني أردني، كأي حوار بين المؤسسات المعنية والقوى والمؤسسات السياسية للتأكيد على مضامين سياسية وأمنية، فهو ليس حوارا بين خصوم أو أعداء لتجري عملية تضخيم لدلالاته أو التشكيك بنوايا أحد الطرفين!

 فمهما وصل مستوى "الأزمة" بين الدولة والإسلاميين فإنها لن تتجاوز حدود "المعادلات" التقليدية الأردنية التي تحرّم "تكسير العظم" وتمتاز بالاحتواء وتغليب منطق الحوار والمصلحة العليا للدولة، أما اختلاف القراءات والمنظورات فهو حالة طبيعية بل مطلوبة في إدارة المجال العام وتفاعلاته.

في المقابل؛ هذا لا يعني الارتفاع كثيراً بسقف التوقعات، أو تأكيداً لمقولات خاطئة لتيار "معين" غشيم بالسياسة وتحولاتها بأنّ المراجعات السياسية التي تقوم بها الدولة ناجمة عن "ضعف"، فالمربعات الاستراتيجية للسياسات الأردنية واضحة وتنطلق من قراءة دقيقة وعميقة للمصالح  الحيوية، وتتأسس على قيم الأمن الوطني، أما المواقف السياسية تجاه المتغيرات فتتغير بطبيعة المرحلة ومفرداتها، بما يخدم المصالح الوطنية.

ولعلّ السؤال الملفت لماذا تثار كل هذه "الجلبة" على الحوار مع حماس والإخوان تحديداً، ألا تدير الدولة هنا حوارات منظمة ودورية مع العديد من الأطراف الإقليمية والقوى المحلية؟! إذا كانت هنالك "جهات" تخشى من الحوار أو مخرجاته، فإنّ الجواب بوضوح ومن دون الحاجة إلى "معارك جانبية" بأنّ هذا الحوار لن يتضرر منه أحد، ولا يمثل استدارة ضد مصالح الأصدقاء والحلفاء، وقد يخدم الجميع إذا كانت مخرجاته بمستوى الطموح.

m.aburumman@alghad.jo



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات