هل يفرح المعلمون بنقابة حيّة .. بلا حزبيّة !


بعد أيام قليلة يخوض المعلمون تجربتهم الثانية في اختيار ممثليهم في نقابة بذلوا عظيم الجهود في سبيل وجودها ، وانتعشت نفوسهم – بعد الانتخابات الأولى – بأنْ تثبت قوّتها وجودتَها ، وتُظهِر لهم التزامها وجدّيّتها .. ! .
فكان ماذا ؟
لم تلبث النقابة في عملها إلا قليلاً حتى بدَت في الآفاق علامات التّفسّخ والانقسام ، وقويت أعراض الوهن والضعف على هيكلها ؛ إلى أنْ باتت مثخنةً بمشكلات عصيّة شُغِل بها الأعضاء طويلاً ، وصرفوا لها من وقتهم وقوتهم ما لو سُخِّر لخدمة المعلمين لكان خيراً لهم وأبقى ؛ بل رأينا من الصراعات بين الكُتل والتجمعات في النقابة الذي يندى له الجبين ، وتنازعوا بينهم أمرَهم بطعنٍ وسبّ وهمزٍ ولمزٍ وقفنا معه مصدومين مُتعجّبين ، وتداولوا – بل تبادلوا - على المواقع الإلكترونيّة ما يعجزُ العقلاء عن تبريره أو أنْ يكونوا له مُخفين و حاجبين ! .
كان التفرّق الفكري والتعصّب الحزبي الذي سرى بين أعضاء النقابة واحداً من أكبر العوامل التي ألقت بظلامها وظلمها على الصورة التي رسمها المعلمون لنقابتهم فشوّهتها ، وجَعلت مِن أهلها طوائف متناحرين ، لا يراعون – فيما اشتغلوا به ! – للمعلمين حقّاً ، أو يحققون مما صَبوْا إليه شيئاً ، ولا يستمعون لمن سعى لهم بالنصيحة إخلاصاً وصدقاً .

ولنكن أكثر صراحةً وتصريحاً ..
لقد كان لجماعة الإخوان المسلمين اليد الأطول في عهد النقابة الأول ، قابلهم طيفٌ - لا يستهان به عدداً – ممن يغلط البعض بتسميتهم بـ ( غير الإسلاميين ) ! ؛ وهذا كان – بحدِّ ذاته – كفيلاً بزرعِ آفات النزاع و الشقاق بين أعضاء النقابة ،والذي وصل مراتب التشويه والتشنيع والتجريم ؛ ولو أنهم عرفوا ما ذُكِّروا به من قبْلُ لتفادينا كثيرَ المُشكلات والمُلمّات التي حاقت بنقابة المعلمين في عهدها الأول ؛ فقد قيل لهم – إبّان الانتخابات وتشكيل النقابة - : إنّكم الآن تُمثّلون المُعلمين لا سواهُمْ ،فالذين كانوا مُعينينَ لكم – بعد الله تعالى – هُمْ ؛ فلا بدّ أن يكونوا مَعْنيّينَ بعملكُمْ ، وجُهْدكُمْ ، وأن تُقدّموا لهُمْ ؛ وتتقّدموا بهم ومعهُمْ لا عليهم ، ولا تُقدّموا أحداً – أيّاً كانَ! – عليهم، القوا بعُصيّ أحزابكم وأقلام مذاهبكم وراء ظهوركم خيرٌ لنا و لكم ، وإن لم تفعلوا فلن تجنوا إلا الفشل وذهاب ريحكم ، وربما انفتق ما لا يُرْتَق ،وحصّل المعلمون من نقابتهم ما ليس ينفع أو يُنْفَق .
ولكن قدّر الله وما شاء فعل ..
فأمّا أعضاء النقابة من ( الإخوان ) فكانوا – على ما أبدوه لنا – أداةً طيّعة بأيدي الجماعة التي أقحمتهم في صراعاتها السياسيّة مع الدّولة ، وعملت على جعل النقابة مُحرّكاً للمعلمين في أنشطتهم التظاهريّة ، ومهرجاناتهم الخطابيّة ، فظهر جليّاً خروجُ قراراتٍ سريعة من مجلس النقابة توحي بوجود تنسيق محكم مع أطرافٍ لا علاقة لها بجسم النقابة كذلك القرار المتعلق بإعلان الإضراب عن التدريس والذي اتّخذ في ظروف ملتبسة وفي نفس اليوم الذي أعلنت فيه الحكومة قرار رفع الدعم ودون علم النقيب ؛ مما أثار الشبهات الآلية التي يعمل بها مجلس النقابة ، بل حامت وحميت الاتهامات حول النظام الداخلي الذي يؤسس لعمله ، و وجود جهات خارجية تتحكم بقراراته ، وتوجه سَيرَ النقابة وتعمل على تسييسها ! ، اشتدّ هذا حينها بعد اعتراف نقيب المعلمين - بالتصريح لا التلميح – بوجود مؤشرات على تدخل جبهة العمل الإسلامي في عمل النقابة ! .
لئن كان هذا قد أغرى بعض المعلمين المتحمسين للعمل السياسيّ ، إلا أنه صار فيما بعد محلَّ استياءٍ لدى شريحةٍ عريضة من المعلمين ؛ فإنهم رأوا فيه ضياعاً لآمالهم وأمانيّهم المنشودة ، لا سيما في الجانب المتعلق بتحسين ظروفهم المعيشيّة والمهنيّة ، فلم يلمسوا من النقابة سوى انجازاتٍ متواضعة لا يتعدى بعضٌ منها الحصولَ على ( سلفة مالية صغيرة ) ، ومن بنكٍ تجاري وحيدٍ يُحال إليه ، وبشروطٍ لا تفرّق بينه وبين أيّ عميلٍ آخر !؛ واسألوا من المعلمين مَن سعى لتلك ( السلفة )! .
وأما منافسوهم في الانتخابات وفي مجلس النقابة فلم يكونوا أحسنَ حالاً ومآلاً ؛ ولا خيراً منهم منهجاً وأعمالاً ؛ فقد غرقوا في المساجلات الفارغة مع مخالفيهم من ( الإخوان ) وغيرهم ، وأصبح همهم دفع الاتهامات عن أنفسهم ، وتبرير أفعالهم وأخطائهم وعجزهم ، وتبادل الطعون مع ( الإخوانيين ) وإلقاء اللوم عليهم في الحالة المزرية التي وصلت إليها النقابة ؛ وهكذا جرت الأمور ولا زالت على حالها إلى الآن ، والمعلم هو الخاسر الوحيد ، ناهيك عن مراوحة مشكلات التربية والتعليم مكانها فهي لم تلقَ من النقابة أدنى اهتمام ولا مقدارَ ما يشفع لأعضائها – عند المعلمين – مستقبلاً .
اليومَ المعلمون أمامَ تحدّ جديد لا يقلّ أثراً وتأثراً عن تجربتهم في الانتخابات الأولى ؛ والمؤمّلُ هذه المرّة أنْ يستفيدوا جيداً من الدّرس السابق ، ويعوا تماماً حجمَ مسؤوليتهم المهنيّة والأخلاقيّة في اختيار الأنسب لتمثيلهم والأقدر على خدمتهم ، وعليهم القيام بدورهم الصحيح الذي يحدّد شكلَ النقابة القادمة ويُحسّن صورتها ويقوّيها ، ثم التنبه الشديد لحال المرشحين وواقعهم الشخصيّ والعملي ، دون النظر لانتماءاتهم الحزبيّة وتوجهاتهم الظاهرية ؛ وهذا بُغية عدم الوقوع – مرّة أخرى – في خطر الشعارات الخادعة والتعبيرات المموهة ، وخطأ الأحكام المضطربة والمشوّهة .

ليس من مصلحة المعلمين أو العملية التربوية أنْ يكرّر المجلس السابق لنقابتهم نفسَه ، ولا أنْ يعود الحال إلى ما كان عليه من بعض التخبّط والتنازع ، وظهور التجمعات والتحزب ، أو محاولات التحكم بالقرارات والتعصّب ؛ فإذا كان – لا قدّر الله – هذا فإنّ أمام المعلمين طوْراً آخر من المعاناة ومخيبات الأمل ، والمتوقع أن يكون أشدّ وطئاً عليهم فالضربات إذا تتالت لا بدّ لها من إحداث الأذى والضرر ولو خفّت كلّ واحدة منها .
إذا أنجبت الانتخابات القادمة نقابة حقيقيّة حيّة ، لا تعتريها توجهات حزبيّة أو منهجيات فكرية عصبيّة ، ولا تتطاول إليها أيدٍ خارجيّة أو تجاذبات سياسيّة ؛ فإنها ستكون خيرَ عونٍ وخادمٍ للعملية التربوية والتعليمية برمتها ، وستفتح أبواباً واسعة للعمل المهني القائم على الجدّ والجدّية ، والالتزام الأخلاقي اتجاه مؤسسة التربية والتعليم ورسالتها النبيلة ، وسيحظى المنتسبون لها بما يمكنهم – حتْماً – من القيام بأعبائها الثقيلة ، ويومئذٍ – بإذن الله – يفرحُ المعلمون .
إنّ غداً لناظره لقريب ، { فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات