حــــروف مجنـــحة : صورتان لندنيتان


ماذا يقدم الإسلام للغرب؟ بعد جديد من أبعاد وحدة أمتنا

∎ المحجبات يفرضن وجودهن في الغرب وينتزعن الاحترام والاعجاب

∎ منظومة القيم الاسلامية تتجذر وتفرض وجودها في الغرب

∎ الفتنة المذهبية خطر جديد يتهدد أمتنا و الوحدة الاسلامية حاجة انسانية ملحة

 


شاركت مؤخراً في سلسلسة من النشاطات الفكرية التي شهدتها العاصمة البريطانية - لندن. وقد اتاحت لي هذه المشاركة بالاضافة الى الأنشطة التي رافقتها، والزيارات التي قمت بها الى غير مؤسسة عربية واسلامية في لندن، ان أرسم صورتين متناقضتين عن أبناء أمتنا هناك، سبق وان تلمست ملامحهما في لندن وعواصم غربية أخرى. الصورة الأولى صورة مشرقة مشرفة ترسم الأمل بغد أمتنا، لأن الذين يرسمون هذه الصورة يسعون لتحقيق هذا الأمل. أما الصورة الثانية فقاتمة محبطة لان الذين يرسمونها يشكلون عقبةً وعائقاً أمام أصحاب الصورة الأولى بل لعلهم من أسباب مشكلة الأمة وتخلفها وضعفها.

من الذين يرسمون الصورة الأولى والتقيتهم في زيارتي الأخيرة للعاصمة البريطانية، الاستاذ الدكتور كمال الهلباوي. الذي يعد من رموز العمل الاسلامي على امتداد الساحة العالمية. ورغم ان الرجل تجاوز السبعين أمد الله في عمره، لكنه ما زال يحتفظ بحيوية دافقة وعزيمة لا تعرف الكلل والملل. بل إن الايام تزيد هذه العزيمة مضاءً واصراراً، فقد سبق وان تعرفت على الاستاذ الدكتور كمال الهلباوي في مطلع ثمانينيات القرن الماضي. وكان يومذاك في أوائل سن الكهولة، لكنه كان شعلة نشاط زادتها الأيام اتقاداً وزادتها التجربة اصراراً. خاصة وانها تجربة غنية موزعة ما بين العمل الدعوي في البلاد العربية وسجونها ومعتقلاتها. والعمل الجهادي في غير ثغر من ثغور الاسلام. والعمل الفكري والثقافي في غير قارة من قارات العالم. ورغم العقبات والصعوبات التي واجهت مسيرته فإن اليأس والقنوط لم يعرف طريقه الى قلب الدكتور كمال الهلباوي. فهو ينظر الى النصف الممتلئ من الكأس فيزداد اصراراً على مواصلة الطريق ليمتلئ الكأس كله. وهو في ذلك كان وما يزال يشكل جسراً للتواصل بين الاجيال وتلك واحدة من علامات عظمة الدعوة الاسلامية التي يشكل الهلباوي نموذجاً من النماذج المشرقة لرجالها، الذين يستوعبون التجربة ويبتكرون لكل مرحلة ادواتها وقنواتها. ولذلك ليس غريباً ان ينشغل الاستاذ الدكتور كمال الهلباوي في هذه المرحلة من مراحل عمله بوحدة الأمة. وهو هم لم يفارقه في كل مراحل حياته، لكنه الآن يرى خطر فرقتها قد زاد. وهو يرى ويلمس حرص اعدائها على اثارة الفتن المذهبية والعرقية بين ابنائها فيسعى هو واخوانه الى سد الباب أمام هذا الخطر من خلال المزيد من الالحاح على وحدة الأمة مع التأكيد على ان هذه الوحدة حاجة انسانية، لانها ستقدم للبشرية من القيم ما عجزت حضارات أخرى عن تقديمه. لذلك فان الدكتور الهلباوي يضيف الى ضرورات الوحدة الاسلامية بعداً جديداً من خلال الاجابة على سؤال ماذا يقدم الاسلام للغرب؟ وهو سؤال مفصلي يطرحه الدكتور الهلباوي ويسعى للاجابة عليه. ليس من خلال الندوات والمؤتمرات الفكرية المتخصصة فقط. ولكن من خلال اقامة المؤسسات المتخصصة وفي طليعتها «مركز دراسة الحضارات العالمية» الذي يشرف عليه. بالاضافة الى سعيه لاقامة «مؤسسة التفكير في خلق السموات والأرض» ومؤسسة «البحث العلمي والتفكير المستقبلي» ومؤسسة «التفكير الاستراتيجي لتخفيف الازمات وعلاجها» ومؤسسة «تدريب وتأهيل القيادات العالمية في شتى المجالات»، وهذه كلها مؤسسات طموحه تعبر عن طموح الرجل وطبيعة تفكيره. وهو يساهم في رسم الصورة المشرقة لأمتنا في الغرب. من خلال مشروع متكامل يبشر به الدكتور الهلباوي ويسعى جاهداً ومجاهداً لتحقيقه.

غير الاستاذ الدكتور كمال الهلباوي، فان من النماذج التي تسهم في رسم الصورة المشرقة للأمة الدكتور سعيد الشهابي. البحراني الأصل، الذي لا تفارق الابتسامة وجهه. ولا تغيب البساطة عن ادائه. والعفوية عن سلوكه. وهو اعلامي ناشط في الغرب في مجالي الاعلام المكتوب والمرئي، بالاضافة الى عملة الدعوى سواء في منتدى الوحدة الاسلامية او في مؤسسة الابرار او في غيرها من المؤسسات الناشطة في الغرب. وهو في ذلك كله مسكون بهموم الأمة ساعياً الى وحدتها. متعاوناً في سبيل ذلك مع كل من يشاركه هذا الهم من أمثال الشيخ حسن التريكي العراقي الأصل، الكويتي النشأة، البريطاني الجنسية، اسلامي الهوى والمعتقد والذي لا تملك الا ان تحترمه وتحبه، وانت تلمس تواضعه على علم. وتفانيه في الخدمة على مكانة محترمة، يسخرها خدمة لقضايا الأمة فعند هؤلاء الرجال تذوب فوارق الجغرافيا وحواجز الفرقة ويعيشون ويعملون كأبناء أمة واحدة يسعون لاعادة وحدتها ومجدها. ومعهم تحس ان قضايا الامة وحقوقها لن تضيع لا في فلسطين ولا في العراق ولا في لبنان ولا في افغانستان ولا حيثما للأمة قضية او حق يجب ان يسترد. فقد سكنت هذه النوعية من الرجال قضايا الأمة مثلما سكنوها ونذروا حياتهم لها.

ومثلما يعمل هؤلاء الرجال وغيرهم. على ابقاء قضايا الأمة حية يدافعون عنها ويشرحون عدالتها في المجتمعات التي يعيشون فيها. فانهم ايضاً يعملون على بناء وعي الأمة على هذه الحقوق. وعلى غيرها من الحقوق. وفي طليعتها حق ابناء الأمة بان يعيشوا في اجواء الحرية والديموقراطية والعدل والمساواة. وحقهم في ان تشهد بلادهم تنمية حقيقية يوزع مردودها على الجميع بالتساوي، لذلك يتمسك هؤلاء الرجال بابقاء صلاتهم مع بلادهم الاصلية قائمة ومتينة وفاعلة. ويتفاعلون مع كل قضاياها في نفس الوقت الذي يؤدون فيه واجباتهم نحو بلدانهم الجديدة. ويتفاعلون وينفعلون بقضاياها، ويحترمون قوانينها وانظمتها مع حفاظهم على هويتهم الدينية ورموزها وشعائرها. وقد استطاع ابناء وبنات التيارات الاسلامية الذين يعيشون في المجتمعات الغربية. ومنها المجتمع البريطاني على وجه العموم ولندن على وجه الخصوص ان يفرضوا احترامهم. وان يفرضوا قيمهم واحترامها على المجتمعات الغربية. رغم كل الجهود التي يبذلها اعداء الاسلام من خلال نشر «الاسلاموفوبيا» للتخويف من الاسلام والمسلمين. غير ان المرء الذي يحاول ان يجمع جزئيات الوجود الاسلامي في الغرب، يستشعر ان هذا الوجود يتجذر يوماً بعد يوم ويفرض هويته بثبات. ابتداء من النساء المحجبات اللواتي تراهن في شوارع مدن الغرب ومرافقه المختلفة. وهن نساء فوق انهن يثرن الاحترام بمظهرهن المحتشم، فانهن يثرن الاحترام والاعجاب وهن يشاركن في النشاطات العامة، ويفرضن وجودهن باحترام وبحضور فكري راق. يجعل الواحدة منهن تقارع حتى اصحاب العمائم الحجة بالحجة. فيقدمن النموذج للمرأة التي تفرض حضورها واحترامها ووقارها على المكان. فتحرك العقل ولا تثير الغرائز.

غير النساء المحجبات فان انتشار اللغة العربية على واجهات الكثير من المحلات والمرافق والمؤسسات يثير في النفس الاعتزاز حتى وان كانت بعض هذه اللافتات التي كتبت باللغة العربية قد تكون كتبت لدواعٍ تجارية مصلحية، لكنها في صورة من الصور تدل على اضطرار صاحب المصلحة لمسايرة هذه الشريحة من الناس التي تحترم لغتها، وتصر على حضورها. لا كما يفعل بعض الذين يعيشون في هذه المدينة العربية او تلك لكنهم يصرون على التحدث بالانجليزية ظنا منهم ان في ذلك تقدماً ورقياً وما علموا انه ضياع وتعبير عن خواء.

ومثلما اجبر المسلمون الملتزمون المجتمعات التي يعيشون فيها على احترام اللغة العربية وان لدواع مصلحية فقد اجبروها على احترام تقاليد المسلمين ومنها طبيعة الطعام الذي يأكله المسلم وشروط هذا الطعام. لذلك انتشرت المحلات التي ترفع على واجهاتها يافطة «حلال». وصارت الاسواق الكبرى تخصص اجنحة خاصة بطعام المسلمين الحلال. وهو سلوك وان بدى مصلحياً لكنه في الوقت نفسه يدل على ان المسلمين يرفضون الانخلاع من تعاليم دينهم بل انهم ينقلونها معهم ويفرضون احترامها. فاذا اضفنا الى ذلك انتشار المدارس الخاصة بالمسلمين والبنوك التي صارت تعلن عن انها تتعامل وفق الشريعة الاسلامية. وقبل ذلك كله انتشار المساجد، حتى لقد وصل عدد المرخص منها في بريطانيا وحدها الى أكثر من ثلاثة الاف مسجد غير المُصلّيات. فاننا نستطيع القول: ان المسلمين الملتزمين نجحوا في فرض احترامهم وخصوصيتهم وهويتهم ومنظومة قيمهم على المجتمعات التي يعيشون فيها خاصة وإنهم يرفضون ان يعاملو ا فيها على انهم أقليات او جاليات. بل يصرون على انهم مواطنون لهم حقوق المواطنة وعليهم واجباتهم التي يؤدونها عبر احترام القوانين، وعبر تقديم نماذج راقية ومبهرة من الالتزام الاخلاقي والاداء المهني المتميز. وبذلك حققوا حضورهم ليس بالعنف او الارهاب، ولكن بحسن المعاملة وبالالتزام وبالانتاجية. مما يذكرنا بالدور الذي لعبه التجار المسلمون في نشر الاسلام خاصة في مناطق آسيا النائية لم تصلها جيوش المسلمين. مثل ماليزيا واندونيسا وغيرها، فالمسلمون الملتزمون بتعاليم الاسلام يفعلون اليوم ما فعله اسلافهم من التجار الملتزمين بالخلق الاسلامي الرفيع التي فيرسمون الصورة الاولى للوجود الاسلامي في الغرب. وهي الصورة المشرقة التي ستبقى رغم كل هذا الضجيج الذي يثار حول الاسلام والمسلمين في الغرب ومحاولة التضييق عليهم. فهذا كله مؤشر على حضور الاسلام والمسلمين في تلك البلاد. وانه ليس حضوراً هامشياً بل حضورٌ فاعلٌ وجذريٌ، ولذلك فانه يثير حفيظة اعداء الاسلام الذين يخافون من صورته المشرقة التي تجذب الناس هناك اليها شيئاً فشيئاً.

الصورة الثانية وهي الصورة المعتمة التي يرسمها عن أمتنا بعض المحسوبين عليها. لكنهم منخلعون من دينها وثقافتها وتاريخها وتراثها. وهؤلاء هم الذين يذهبون الى الغرب منبهرين به وعلى عيونهم غشاوة لذلك تراهم رجالاً ونساء يترامون على المقاهي القذرة في بعض الشوارع والأحياء التي صارت عنواناً لهم وتعرف بهم ويعرفون بها. فترى الواحد منهم يترنح ذات اليمين وذات الشمال. وترى الواحدة منهن لا تجد في ذهابها الى تلك البلاد الا فرصة للتعري والتحرر من كل الضوابط الاخلاقية. وغير الاخلاقية وهذا الصنف من الناس رجالاً ونساء هم الذين يرسمون الصورة القاتمة عن أمتنا. وهم الذين يقعون فريسة النصابين والمحتالين وتجار الغرائز والرقيق الابيض وسماسرة القمار قاتلهم الله أعني الفريقين الفريسة التي تسيء إلينا والمفترس الذي لا يحبن



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات