طرد السفير الاسرائيلي واشياء اخرى


ارتفعت في الآونة الاخيرة في الشارع الاردني وتيرة المطالبة بطرد السفير الاسرائيلي من عمان واعادة السفير الاردني من تل ابيب وذلك في اطار حملة بدأت من مجلس النواب قبل حوالي اسبوعين ، تلاها يوم امس مقتل القاضي الاردني رائد زعيتر على معبر جسر الملك حسين الفاصل بين الاردن والضفة الغربية. الاعمال التي شهدتها منطقة الرابية ليلة امس التي انطلقت بشكل عفوي للتعبير عن غضب الشارع من الحادثة الاليمة مبررة باعتبارها كما هو معروف " فورة دم" ولكن غير المبرر هو محاولات البعض اقتحام السفارة مطالبين بطرد السفير والغاء معاهدة السلام بين المملكة الاردنية الهاشمية واسرائيل ، حالة الغليان والغضب والتنديد كلها مفهومة لدينا لكن غير المفهوم لماذا طرد السفير ولماذا الغاء المعاهدة؟؟ نعترف بان المعتصمين وقعوا تحت تأثير المشاعر والاحاسيس فخرجوا للتعبير عن غضبهم ولكن ان يصل الامر بالبعض ومنهم زملاء من الكتاب الصحفيين باتهام الحكومة بالتخاذل وهدر الكرامة الاردنية وان مقتل القاضي الاردني هو قتل للسيادة الوطنية وغيرها من الاوصاف التي لا تليق في مثل هذه الحالات ، خاصة وان هذه الاحكام صدرت مباشرة وقبل التأني لسماع الموقف الرسمي الاردني والذي جاء على لسان وزير الخارجية ناصر جودة موضحا الموقف وبانتظار التحقيق الاسرائيلي وهو المتبع عالميا في هكذا قضايا .المتظاهرون تم استيعابهم من قبل قوات الامن والدرك الذين تعاملوا مع الموقف بمسؤولية وكفاءة عاليتين وتم احتواء الموقف والسيطرة علية بسرعة ، كل ما جرى مفهوم لدينا ، فمن حق الناس التعبير "السلمي" عن رأيهم ومواقفهم ولكن من غير المفهوم هو سقف بعض الشعارات والمطالبات سواء في المسيرة والاعتصام او من قبل البعض ممن عبروا عن ارائهم في الصحافة الالكترونية ... حقيقة استوقفتني بعض هذه المطالبات والتهم الموجهة للحكومة مرة بالتخاذل واخرى بهدر كرامة المواطن الاردني ورخص دمه وطال بعضها بالقول بان الحادث هو هدر للسيادة الاردنية .. فاين التعرض للسيادة وما هو مفهوم السيادة للدولة برأي زملائي الكتاب؟؟.يبدو ان البعض استغل الحادثة للمضي في تنفيذ قرار مجلس النواب غير الملزم للحكومة بطرد السفير الاسرائيلي ، الى هنا نستطيع ان نفهم الموقف الشعبي العفوي ولكن اعود لاقول بانه من غير المبرر والمفهوم موقف مجلس النواب نفسه من هذا الموضوع ولماذا يطالب بطرد السفير وهو اي المجلس السلطة التشريعية في البلاد ومكون اساسي من مكونات النظام السياسي الاردني ، ولماذا يمارس المجلس ضغوطه بامهال الحكومة اسابيع وايام وساعات للاقدام على خطوة من المفترض ان يكون المجلس اكثر ادراكا ووعيا لللآثار المترتبة على مثل هذا القرار . فاذا كانت غالبية المعتصمين ربما لا تعي حقيقة معاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية ، فالنواب يدركون موادها ونصوصها ويعوا الدستور واتفاقيات فيينا للعلاقات الدبلوماسية والقانون الدولي ، النواب هم اكثر من غيرهم يعلمون الانعكاسات السلبية في حال الغاء المعاهدة والتخلي عنها على الاردن في مختلف المجالات الحيوية الهامة . الا يدرك الاخوة في مجلس النواب حال المنطقة باسرها والاردن بشكل خاص وما نعيشه من عدم الاستقرار ، فخلال السنوات الثلاث الاخيرة عاش ويعيش الاردن حالة من المعاناة الشديدة نتيجة انعدام الامن في دول الجوار المحيط خاصة في سوريا وما يترتب على ذلك من تهجير لمئات الالاف الى الاراضي الاردنية وما يشكله ذلك من ضغوطات اقتصادية ومعيشية كبيرة تتطلب من الجميع التمسك بالامن والاستقرار الذي نعيشه. معاهدة السلام مع اسرائيل كما هو معروف جاءت بعد المفاجآت التي شهدها المسار الفلسطيني الاسرائيلي في اوسلو وباقي المسارات العربية الاخرى مما هدد بتعريض مصالح الوطن والشعب وسلامة المملكة للخطر لذلك رأى المغفور له الحسين بن طلال ان الحفاظ على الوطن هو رأس الاولويات في اطار المصلحة الوطنية وهو الذي ما تزال تحرص عليه القيادة الهاشمية حتى اليوم دون التفريط بحقوق الفلسطينيين . المطلوب اليوم من النواب ومن الاردنيين كافة ان نفهم بان التطورات وتغير الموازين والحسابات والظروف التي طرأت في السنوات الاخيرة تؤثر بصورة جذرية على الخارطة السياسية للمنطقة ككل ، بحيث تأزمت اوضاعنا في الاردن ونواجه تحديات تفرض علينا معاناة كبيرة ، واصبحت الحلقة من حولنا محكمة ..فالبطالة تزداد وجيوب الفقر اتسعت والنمو الاقتصادي تراجع ومصادر المياه لدينا لم تعد تكفي والمساعدات العربية جفت لتصبح بشروط لا نقبل بها ، كما ان هناك اجماع دولي للمرة الاولى في التاريخ على ضرورة حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ونعلم جيدا ان الاردن لاعب رئيسي في اي مفاوضات مقبلة . هذا المنطق الذي يحتم علينا المطالبة بتفهم تلك الظروف وان نتوقف عن الانجرار وراء العواطف والشعارات الحماسية وان نتبع العقلاء ونبتعد عن الجهلاء في مواقفنا خاصة في القضايا الدولية وعلاقاتنا مع دول العالم وتغليب مصالحنا على عواطفنا . فهل يعلم مطلقوا هذه الشعارات في الرابية ان التخلي عن معاهدة السلام وطرد السفير يعني وقبل كل شيء احكام الحصار على الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع ؟؟ وهل يعلموا ان قوافل المساعدات التي تسييرها الهيئة الخيرية الهاشمية الاردنية الى الفلسطينيين ومستشفيات القوات المسلحة في غزة كلها ثمرة لمعاهدة السلام؟ وهل يعلم هؤلاء بان الموقف الاردني الصلب وبسبب علاقته مع اسرائيل يشكل الورقة الضاغطة في اي مفاوضات لتقرير مصير اللاجئين ؟ وهل يستطيع رافعوا اليافطات واصحاب الحناجر والصوت العالي المطالب بطرد السفير تأمين العاصمة عمان ومزارعي الاغوار بالمياه الكافية التي تنص عليها اتفاقية السلام الاردنية الاسرائيلية التي حفظت لنا حصتنا من مياه اليرموك والاردن؟؟ وهل في حال التخلي عن وادي عربة سيتمكن هؤلاء وفي ظل الطروف والواقع الاردني من تأمين الحدود ووقف اسرائيل من التوسع بعد ان استطاع الاردن للمرة الاولى من تحديد ليس فقط حدوده الجغرافية بل عمل على ايقاف حلم " اسرائيل الكبرى"؟الاسئلة كثيرة نطرحها على تلك الاصوات سواء في البرلمان او في الشارع حول الجدوى من الغاء المعاهدة وطرد السفير وكلها تؤكد ان علينا كأردنيين التمسك بالمعاهدة وجني المزيد من ثمارها وان نقف جنبا الى جنب مع حكومتنا من اجل الحفاظ على الامن الداخلي وتأمين حدودنا التي ضمنتها المعاهدة. اما ما جرى من اعتداء على مواطن اردني وقتله على الحدود مع اسرائيل وهو امر مرفوض من الجميع ولكن لا يجب ان يكون ذريعة لكل هذه الهجمة على معاهدة السلام مع اسرائيل وقطع العلاقات معها ، وعلى الجميع ان يلتزم بالاتفاقيات الدولية والاعراف الدبلوماسية في مثل هذه الحالة وان نفسح المجال للحكومة ورأس الدولة وهم اصحاب الولاية والحق في الخوض واجراء الاتصالات للوقوف على تفاصيل الجريمة والتي شجبتها الحكومة الاسرائيلية ، فالاتصالات هي من صلاحيات الحكومة وهو ما تقوم به من خلال وزارة الخارجية وسيتم تزويدها بالتفاصيل الكاملة للحادث . ولا يجب استخدام الحادثة قميص عثمان ليبسط كل طرف اجندته انتقاما من بعض رموز الحكومة التي تحرص كل الحرص على الوقوف على حقيقة الامر ولا ارى من المقبول ان يتحول الحادث الجريمة ذريعة لنسف جهود اردنية ودولية على مدى عقود طويلة وضمانات دولية اثمرت عن انجاز معاهدة سلام تنظم العلاقات الاردنية الاسرائيلية وادعو الجميع الى التهدئة وقليلا من الصبر لتتكشف للجميع حقيقة الجريمة التي اقترفها احد افراد الجيش الاسرائيلي وهي بالطبع لا تمثل موقف الدولة الاسرائيلية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات