على مكتب رئيس الجامعة الأردنية


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم:

(سيأتي على الناس سنوات خدّعات، يُصَدق فيها الكاذب ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة) ، قيل وما الرويبضة يا رسول الله ؟ .. قال: (الرجل التافه يتكلم في أمر العامة) صححه الألباني.

البعض نسي سياق الحديث، وركز على عبارة "الرجل التافه"، وهذا بسبب احتقار الناس وآرائهم، وإلا فإن الحديث يتعلق بالشخص الذي توكل إليه مسؤولية أو أمر ما، فيخون الأمانة ولا يصدق مع الناس ويعمل في الظلام وبلا شفافية فهذا هو الرويبضة، وليس من يبدي رأياً أو ينتقد أمراً ما، فهذا حق من حقوق الإنسان الطبيعية التي أقرها الإسلام، مهما كانت مكانة الإنسان الاجتماعية أو الوظيفية، فسيرة رسول الله، عليه الصلاة والسلام، تعلمنا حق النقد وإبداء الآراء، والقصص في هذا المجال كثيرة لا يسع المجال لذكرها هنا.

وبناء على ما سبق، فإن كلمة "رويبضة" في الحقيقة تنطبق على ذلك المسئول الإداري الفاسد والخائن للأمانة، وغير الملم بمتطلبات وواجبات ومسؤوليات منصبه، والمتسلط على موظفيه، الذي يسعى دائماً إلى تحقيق مصالحه الشخصية على حساب الموظفين وعلى حساب المصلحة العامة، وترى المسئولين عنه يطبلون ويزمرون له لأنه يساعدهم على ترهيب العاملين وتخويفهم .

نعاني وللأسف الشديد جداً، من هذه الظاهرة التي قد تفشت كثيراً حتى وصلت إلى حد الخروج عن الصمت، والمتمثلة بذلك الشخص الذي يولى على أمور الموظفين ونجد من يشد على يده في كل حين من النُخب والمدراء إن كان خاطئ أم مصيب ، مما يترك الأثر السلبي في نفسية العاملين بالمكتبة أو غيرها وبمختلف الوحدات والدوائر والشعب .

ونجد في حقيقة الأمر بأن هذا الشخص الذي ولي رئيساً لشعبة أو شعبتين، ولم يولى أصلاً حسب التسلسل الإداري المتعارف عليه في العمل الإداري الناجح الصحيح ، بل وصلها من خلال مهارته في التلون وفنون ملكة التعبير في كتابة التقارير المسيئة إلى زملائه العاملين، (وهز الذنب) (وأعتذر عن هذه العبارة لكنني أجدها أقل ما يقال لمثل هذه الأشخاص) ومنها تقديم الهدايا على مبدأ (أطعم الثم بتستحي العين) من خلف الكواليس لمرؤوسيه ، بالتالي فإن الحوافز والترقيات الوظيفية تكون على حساب المصالح الشخصية أي بالمفهوم العامي مبنية على أسس غير صحيحة بالبته، وما بني على باطل فهو باطل ، وسيتمخض عنه فرز واقع مر في أحد أهم الصروح العلمية المصدرة للحضارة والعلم والفكر، وتحديداً في مهوى أفئدة العلماء والكتاب والأدباء .... والتي قد لا تسيء لشخص بمفرده، بل تسيء للمؤسسة بشكل أو بأخر وتساعد على الانهيار الداخلي للمبادئ والقيم الأصيلة والتي رضعنها مُنذ الصغر، مما ستنعكس سلباً على العمل المؤسسي ، وتسيء إليه لدى الطلبة والباحثين والمراجعين.

إن جُل وأهم ما يهم المسئولين من مدراء للوحدات الإدارية، الضبط والربط والنظام بصرف النظر عن الآليات والأساليب المستخدمة لتحقيق هذه الأهداف النبيلة التي نُجلها ونحترمها جميعاً على أن لا تتعدى الانتقاص من كرامة الموظف ، أو المساس بحق من حقوقه المهنية أو كرامته الإنسانية في الواجبات المتعلقة بشؤون العمل الرسمي ، أما من يخالف التعليمات المرعية فتوجه له أياً من العقوبات حسب الأنظمة ...والتعليمات خطياً، دون المساس بهيبة الموظف وتجريحه أمام الجمهور فلقد تعود الموظف في الماضي إذا دخل على رئيسه أو مديره، دخل مطأطأ الرأس ترتعد فرائصه ويتعثر بأذياله خشية أن يأمر المدير أو الرئيس بفصله أو الحسم من راتبه ، فهو السيد المطاع، وهو الحاكم والجلاد!.

أما اليوم، فقد تغيرت المفاهيم الإدارية للعمل وربما ما يحدث في العالم العربي من رفض لسياسات الذُل والخنوع قد أثرت داخل نفوسنا ،وبعد ما دُرست مبادئ الإدارة والقانون وعرفت حق إبداء الرأي والنقد، فبدأت تضع الكثير من علامات التعجب والاستفهام على أي قرار يصدره المدير، تناقشه وتنقده وربما ترفض تنفيذه، وتنظر إلى المدير على أنه موظف مثله مثلهم، له حقوق وعليه واجبات.

ولكننا وللأسف الشديد نعيش اليوم في عصر الجاهلية الحديثة، بعد ما وصل العالم إلى القمر وغاص في أعماق البحار ، بل وصل إلى ما هو أبعد من ذلك ولم يصلها لولا العلم ومن أهم شروط العلم الخُلق ..فلولا الخُلق لما وصلنا إلى العلم، وكما قال سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق .

إن مثل هذه الظواهر السلبية في حقيقة الأمر لا تسئ إلى شخص معين بحد ذاته، إنما تسئ إلى المؤسسة بكاملها ، ويجب على أصحاب الخطوط العريضة والفكر النير ، التدخل سريعاً لحل مثل هذه الظواهر السلبية وبشكل ميداني ، وليس من خلال التعاميم التي سرعان ما تلقى.... وتنسى، كونها ذات حساسية خطيرة، خصوصاً عندما يضيق العاملين ذرعاً، ولا يجدون من يتلمس مشاكلهم وهمومهم ليشعرون بأنهم يعيشون في عالم يخلو من العدالة والأنصاف وبأن حقوقهم في الحياة الكريمة باتت مسفوحة ومهدورة في ظل مزاجية ونرجسية مدراء الوحدات والدوائر بتقديم الضوء الأخضر لذالك الصنف، الذي ذكره رسولنا الكريم في بداية المقالة .

لا أود الخوض في تفاصيل أكثر من ذلك، ولن أحمل المقالة ما لا تحتمل فلقد يأسنا ، وآن لنا الأوان أن نعبر عن لاعج القلب في الكتابة أو بالقول أو بالفعل علها تصل وقد لا تصل، أما دوري ككاتب يخاف الله ويعلم بأنه ما يلفظ من قول إلا ولديه رقيب عتيد، أن يقوم ينشر كل ما هو منافي للأخلاق والمنطق والقيم التي جُبلنا عليها وأن لا يخشى في الحق لوم لائم ، في ظل الظروف السوداوية التي يعيشها العاملين وترك الحبل على الغارب لحفنة من المتجبرين والمتسلطين في أهم مراكز العلم والفكر الأردني.

راجياً أن تكون رسالتي هذه قد وصلت وو جدت آذناً صاغية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات