مشعل .. مات ولم ينطفئ


لا اعرف ماذا كان يمكن ان اسميه ، ولم يهتم احد بموضوع التسمية ، هل هو حفل استقبال ام حفل وداع ، ام لقاء وفاء وتقدير.. أم.. أم.. أم.. كان الأمر جديدا ولم يحصل من قبل ، لكأنه قصة حصلت في اجواء اسطورية لجورج امادو.

الرجل مصاب بسرطانات منتشرة في انحاء جسمه ، وكان يعرف كما يعرف الأصدقاء بأنه سوف يغادر الدنيا قريبا.. فقرر الأصدقاء والرفاق التشارك في هذا اللقاء - الوداع - التشريف - التكريم ، الذي حصل قبل حوالي الشهر في محترف الرمال ، وجمع الرفيق مشعل (شربل) هلسه بعدد كبير من اصدقائه ورفاقه .

لم يكن اللقاء حزينا ، لكنه كان مؤثرا ، بالطبع كنت احد المشاركين ، وجلست اراقب الناس في هذا الموقف الفريد الذي من النادر ان يتكرر.. رجل سوف يموت قريبا لا محالة ، وهو يعرف ذلك تماما ، يجتمع مع الاصدقاء في حفل مؤثر ليودعهم ويودعوه ، يعني ان يحضر الرجل حفل تأبينه شخصيا ، يستمع الى جميع الكلمات ، لا بل يلقي كلمة في هذا الحفل ، ويأكل ويشرب ويغني مع المؤبنين ، ويودعهم واحدا واحدا كما استقلبهم واحدا واحدا بالأحضان.

كان الاجتماع يحتاج الى حجم كبير من الشجاعة ، وهذا ما امتاز به مشعل هلسة طوال حياته ، سواء كان مناضلا في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، او مقاتلا في بيروت ، او معتقلا في معسكر انصار ، حيث كان من اوائل المؤسسين لحركات التمرد ومحاولات الهروب من داخل المعتقل.

من خلال الكلمات في ذلك اليوم ، ادركت كم يكون حجم الفرد مؤثرا وكبيرا حينما يخلص لقضيته ويكرس نفسه لها بكل جوارحه ، متعاليا على الفوارق الأقليمية او الطائفية.. لا بل كافة انواع العصبويات ، عدا عصبوية الانتماء للثورة والقتال من اجل بقائها ، ومن اجل تحقيق اهدافها في التحرير.

لم يكن مشعل غريبا او بعيدا عن الموت طوال حياته ، مذ ترك قريته النائية في اقاصي الجنوب حول مدينة الكرك ، لينضم الى الثورة الفلسطينية كما فعل اخوته من قبله ومن بعده ، وكما فعل ويفعل ابناء اخوته وبعض اقاربه ، ضاربين الحدود الاقليمية والنزعات التفريقية بالصرماية.

لا انوي الحديث عن مشعل ، فالكثيرون يعرفونه ويعرفون اعماله اكثر مني ، وما انا الا صديق عارض ، لكني اعزيكم وأعزينا جميعا ، وأعزي شقيقه ضرغام وصديقه الدائم يونس زهران وجميع اقاربه ورفاقه.. عزاؤنا انه عمل وانجز اكثر مما ينجز فيلق من الرجال والنساء معا ، وأنه عاش شجاعا.. ومات شجاعا.

ghishan@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات