ارحموا الطفولة


الرحمة مطلوبة للصغار والكبار ، وحتى للحيوان . ولكنها للأطفال أكثر . وكلما كان الإنسان أشد ضعفاً كانت الرحمة بحقه أكثر وجوباً . ككبار السن والمرضى وأصحاب الإعاقات وكذلك الأطفال . ذلك أنّ هؤلاء فقدوا واحدة أو أكثر من صفات القوة ، والتي تجعل الفرد بحاجة للآخرين ومضطرا للاستعانة بهم .

وقد أثار استيائي وغضبي ، كما الكثيرين ممن رأوا المشهد ، منظرا تناقلته وسائل الإعلام المختلفة ، لأطفال في الغالب دون العشر سنوات ، وقد وضعوا أحذية عسكرية فوق رؤوسهم ( بسطار ) يُطلقون عليه في مصر " البيادة " . بالتّأكيد أنَّ من قام بهذا الفعل هم الكبار سواء أكان الأب أو سواه . المهم أنّ الطفل كان وسيلة لإرسال رسالة لا يُدرك معناها وليس له دخل فيها . فالأطفال بهذا السن لا يفهمون المواقف السياسية ، بل لا يُدركوا بعقولهم الصغيرة معنى السياسة ودهاليزها وتقلباتها .

ناهيك عن معنى الذّل والمهانة والخضوع والذي يُراد للأطفال أن يشربوه بالملعقة ويتربوْا عليه منذ الصغر . ما طبيعة الحيل الذي سينشأ بهكذا أجواء من القهر والذل والانبطاح ، ونحن ندّعي أنهم جيل المستقبل وقادته . فأيّ جيلٍ نُعد وماذا يُرتجى من قادةٍ تربوْا في صغرهم على معاني العبودية والذل .


ومنظر آخر يُبكي القلوب قبل العيون ، لأيتام في حضانات دور الرعاية ، تم حشدهم في إحدى ليالي كانون والبرد على أشده بملابس شفافة صيفية تُظهر أغلب جسم الطفل وهم يحتفلون ويُغنون ويهتفون بكلمات وأسماء لا يعرفون أو يفهمون منها شيئاً . وعندما سٌئِل مسؤول الدار لماذا فعل بالأطفال ذلك بعز البرد ، أجاب ، إنّما فعل ذلك حبّا للمسؤول ( وأسماه ) .فهل لو لم يكن هؤلاء الأطفال أيتاماً ، أو كانوا أبناء لهذا المدير ، أكان يقبل أن يُفعل بهم ولهم ذلك ، إنّها الرحمة التي إن فُقدت من القلوب فُقد معها كل شيء .

إنَّ استغلال الأطفال في التجاذبات السياسية ، أمرٌ في غاية الخطورة ، واعتداء على الطفولة البريئة ، التي ليس لهم فيها لا ناقة ولا جمل . فإدخال الأطفال بهذه المعارك سيصيبهم من أثارها وحرائقها وعداواتها دون أن يعووا ما يدور حولهم ، ودون أن يُدركوا لماذا نؤيد ولماذا نعادي ولماذا اخترنا .
وحتى تكتمل الصورة فلقد أساءني أيضا المنظر الذي ظهر فيه أطفال يلبسون أكفاناً أثناء اعتصام رابعة ، وهذا يشي باستعداد هؤلاء الأطفال للموت . بالتأكيد كان هذا المعنى غائباً عن أذهان هؤلاء الأطفال ، فالطفل بطبيعته يحب الأمل والحياة والفرح واللعب . فكان هذا اعتداء على طفولة هؤلاء وبراءتهم .

ولا ننسى أنّ معظم ضحايا الحروب هم من الأطفال ، سواء بالقتل أو بحرمانهم من الحصول على أساسيات الحياة ، من مأكل وملبس وتعليم ومكان آمن مناسب للعيش . أو بحرمانهم من الحضن الدافئ بقتل الأب أو الأم أو كليهما ، فيعيشوا حياة قاسية عالة على الغير ، وقد يكبروا وتكبر فيهم النّقمة والغضب .

يا قوم ، دعوا الأطفال ينعمون بطفولتهم ويعيشونها كما أراد الله لهم أن يعيشوها . ألا يكفي ما يلاقوه من مشاكل الحضانات وما يجدوه من إهمال العاملات والمربيات التي يقضي فيها الأطفال معظم نهارهم بسبب غياب الأم في العمل سعيا لتحسين دخل الأسرة لتتمكن من توفير متطلبات الحياة المتزايدة . أو تركهم بين أيدي الخادمات الأجنبيات بينما الأمهات مشغولات بالصديقات والندوات والزيارات .

ارحموا طفولة الأطفال ولا تكونوا سببا في زيادة شقاءهم أو حرمانهم من ضحكة بريئة نابعة من القلب تساوي كل كنوز الأرض ، وارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء . فالمستقبل يحدده أطفال اليوم .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات