بعيدا عن مواقف النائب السياسية, ومواقفه من القضايا الوطنية الشائكة, وبعيدا عن كل هذه الفضاءات الواسعة والمعقدة, وما يدور من وراء الكواليس. وسأحترم نفسي وأقول: رحم الله امرءا عرف قدر نفسه. فلعلهم يعلمون ما لا نعلمه, ويرون ما لا نراه, والأفق عندهم أوسع, والأبعاد لديهم أوضح, كما أني لا أشكك مطلقا بوطنية أي نائب منهم.

وسأنزل إلى ما دون ذلك, وأتحدث عن الأسباب التي تمنع النائب من محاسبة مثل هؤلاء المسؤولين على تجاوزاتهم الواضحة والجلية؛ من فساد مالي وإداري ومحسوبيات وتعيينات, وظلم واضح وجلي لا يختلف فيه اثنان. فلماذا إذن يسكت النائب عن هذه التجاوزات التي تضر بالوطن والمواطن؟ وهو يملك كل الحق, وبقوة الشعب الذي انتخبه في استجواب أي مسؤول كان على تجاوزاته.

فعندما يطلب النائب من المسؤول (تجاوزا) طلبا خاصا له, أو تعين, أو ترفيع, أو ترقية, أو أي طلب غير مشروع لأحد المقربين منه, أو المحسوبين عليه, وممن لا يستحقون ذلك. يستغل المسؤول هذا الأمر ؟! و يقوم بدوره بتمرير وقضاء مصالحه, و مصالح المحسوبين عليه, و بأضعاف العدد الذي مرره ( تجاوزا ) للنائب، فيكون بذلك المسؤول قد حقق مجموعة أهداف, مقابل كل خدمة مشروعة كانت, أو غير مشروعة للنائب، فالهدف الأول : استغلال المسؤول الفرصة في قضاء مصالحه الخاصة, و مصالح المحسوبين عليه. والهدف الثاني : ضمن سكوت هذا النائب عن تجاوزاته. والهدف الثالث : ضمن وجود محامي دفاع عنه داخل القبة وخارجها ؟! يدافع عن نزاهة و أمانة و عدل و إنسانية و كفاءة هذا المسؤول . و لنفترض أن هذا السيناريو قد تكرر مع أكثر من نائب, يعني كل خدمة للنائب يقابلها خمسة تجاوزات لمثل هؤلاء المسؤولين ، فما بالكم لو أن النائب الواحد زار أكثر من مسؤول . و كل مسؤول استغل أضعاف ذلك, فكم ستكون نتائج التجاوزات و المخالفات؟ و هنا أترك لكم عملية الضرب, و الجمع, و التحليل الاحصائي, و استخلاص النتائج و التوصيات ؟

و من هنا فغضب بعض النواب أحيانا من المسؤولين, أو تقديم استجواب لهذا المسؤول أو ذاك ثم ما يلبث أن يقوم النائب بسحبه, كما سمعنا ونسمع في بعض وسائل الأعلام؛ فهذا الغضب هو أشبه بغضبة (( العابد مع إبليس) ) ، و هذا ليس مثلا؛ و إنما حكاية قرأتها أختم مقالتي بها تاركا الحكم للقارئ الكريم :( حيث يحكى أن عابدا كان يعبد الله دهرا طويلا, فجاء بعض الناس إليه: و ذكروا له أن قوما يعبدون شجرة من دون الله، فغضب غضبا شديدا, و أخذ فأسه منطلقا إلى هذه الشجرة يريد قطعها, فوجده إبليس بهيئة شيخ, فسأله عن وجهته: فذكر له الأمر ، فقال له إبليس : مالك و الشجرة ، تركت عبادتك, واشتغالك بنفسك, و تفرغت لغير ذلك ، فقال له العابد : إن هذا من عبادتي . عندها قال له إبليس: لا أتركك تقطعها، فقاتله فأخذه العابد فطرحه إلى الأرض ، و قعد على صدره ، فقال له إبليس: اتركني حتى أكلمك، فتركه فقال له: إن الله قد أسقط عنك هذا, و لم يفرضه عليك، و ما تعبدها أنت, وما عليك من غيرك، لكن العابد أصر على قطعها ، فتقاتلا مرة أخرى, و صرعه العابد ، فقال له إبليس: هل لك في أمر فصل بيني و بينك, و هو خير لك و أنفع؛ فقال له العابد: و ما هو ، قال : ترجع عن هذا الأمر, و لك علي أن أجعل عند رأسك في كل ليلة مبلغا من النقود ، فإذا أصبحت تنفق على نفسك وعيالك, و تتصدق على إخوانك, فيكون ذلك أنفع لك و للمسلمين من قطع هذه الشجرة التي يغرس مكانها . فقبل العابد ذلك و رجع، و كان ينهض في الصباح فيجد المال كل يوم، و ذات صباح نهض ولم يجد شيئا فغضب غضبا شديدا, و أخذ فأسه, و ذهب ليقطع الشجرة, فوجده إبليس بصورة الشيخ, و سأله إلى أين فقال : أقطع هذه الشجرة ، فقال له كذبت و الله ، ما أنت بقادر على ذلك و لا سبيل لك إليها ، فتقاتلا فصرع إبليس العابد, و قعد على صدره ، فنظر العابد فإذا لا طاقة له به ، فقال العابد : غلبتني يا هذا فخلي عني و أخبرني: كيف غلبتك أولا و غلبتني الآن ؟ قال : لأنك غضبت أول مرة لله, فسخرني الله لك ، وأما هذه المرة فغضبت لنفسك و للدنيا فصرعتك ؟.)

و هذا الفرق بين أن يكون غضب النائب من المسؤول غضبة للمصلحة العامة, أو أن تكون غضبة لمصلحته الخاصة ؟!.

 

Rawwad2010@yahoo.com