مصر القوية والعفية هي الحل ومناط الرجاء والامل


وسط اجواء معطرة بذكرى ميلاد جمال عبد الناصر، ومفعمة باسراب الامل والتفاؤل والاستبشار، قال عشرون مليون مصري، في استفتاء ديموقراطي شفاف : نعم للدستور الجديد.. نعم للدولة المدنية.. نعم لثورة 30 يونيو.. نعم للفريق اول عبد الفتاح السيسي الذي اختار لجيش مصر ان يكون في خدمة الوطن وليس الحكام، وعند حسن ظن الشعب وليس ''الاخوان''.

وحدهم زبانية الفعل الماضي، واصحاب دكاكين التمويل الاجنبي، وصبيان المراهقة السياسية وحرق المراحل، قالوا ''لا'' لصوت العقل، ونداء المستقبل، وترتيب اوراق الثورة، وقطع دابر الفوضى، وغذ الخطى بثقة واطمئنان نحو بر الامان.

هؤلاء الظلاميون والمراهقون، والمتمولون الليبراليون لم يظهروا على حقيقتهم العدمية البائسة فحسب، بل ظهروا ايضاً على حجمهم ووزنهم كاقلية هامشية محدودة ومعزولة وممنوعة من الصرف، ومنفصلة عن الواقع ومحرومة من تشوف المتوقع.. فما جرى في مصر منذ ثورة 30 يونيو ليس انقلاباً عسكرياً على حكم الاخوان، وليس تنصلاً شعبياً من بيعة مرسي العياط، بل انتقال من فهم الى فهم مختلف، ومن عصر الى عصر مغاير، ومن مصر الى مصر اخرى، ومن ليل عربي دامٍ ودامس الى فجر قريب ربما يشرق قبل صياح الديك.

مقابل هذه الاقلية المصرية الرافضة والمعترضة، هناك اكثرية مليونية عربية ما بين المحيط والخليج، تقف بقوة الى جانب هذا الدستور الجديد، وتؤيد بحماس شديد ترشيح السيسي لرئاسة الدولة المصرية العتيدة، ولو اتيحت لابناء الشعب العربي فرصة التصويت لهذا القائد الماجد، لما ترددت الملايين عن اداء هذا الواجب القومي العظيم.. ذلك لان مصر لا تخص المصريين وحدهم بل تخص العرب اجمعين، ولا تقصر جهدها على ذاتها وداخل بيتها بل ترسله غزيراً ومتدفقاً ليشمل سائر ارجاء البيت العربي.

في خضم هذه الفوضى المأساوية التي تجتاح ديار العرب بضراوة غير مسبوقة، وتأكل الاخضر قبل اليابس، وتعبث باوثق الثوابت والرواسخ واليقينيات، وتضع الجمع العربي في حالة مزرية من انعدام الوزن والعقل والاتجاه.. لا امل في النجاة والخلاص، ولا سبيل للهداية والرشاد، الا بوقوف مصر مجدداً على قدميها، وعودتها الى حمل رسالتها وممارسة دورها في قيادة امتها، وانطلاق مارد ناصري مقدام يلم شعثها، ويصلح امرها، ويوحد كلمتها، ويستنفر عبقريتها، ويضبط بوصلتها، ويعيد وضعها في المقام الرفيع الذي يليق بها وبتاريخها.

انظروا يميناً وشمالاً، وتفكروا ليلاً ونهاراً، وتحاوروا طولاً وعرضاً، فلن تجدوا سبيلاً لانقاذ هذه الامة من بلاويها الراهنة الا برجوع مصر الى دورها المعهود، ولن تكتشفوا وسيلة لوقف هذه الحمامات الدموية والانهيارات اليومية الا من خلال عزم مصر وعقل مصر، ولن تعثروا على خيمة جامعة وقاعدة راسخة ومرجعية عروبية راشدة ورائدة الا في قاهرة المعز وعاصمة ارض الكنانة.
القاهرة هي الحل.. هي خط البداية ونقطة الانطلاق وبوابة الخروج من هذا النفق المعتم، ومنها - قبل غيرها - يمكن العمل على انتشال امة العرب من عذابها، واعادتها الى صوابها، وتنقية وعيها من سموم المذهبية والشعوبية والفتاوى التكفيرية، وحقن شلالات الدم التي تنزف من شرايينها عبثاً وبلا طائل على ايدي الجماعات الارهابية والوهابية الباغية والهمجية.

كل احرار العرب الغيارى على الصالح القومي العام، يشعرون اليوم باشد الحاجة الى دولة مصرية قوية ومركزية، ويتطلعون الى قائد مصري شجاع وطموح يستأنف مشروع عبد الناصر الذي عطله السادات ومبارك والعياط.. فمصر لا تجد نفسها او تلعب دورها الا اذا كانت قوية ومستقرة وعفية، وهي لا تشكل منارة ثقافية، ورافعة نهضوية، وقلعة عسكرية الا اذا وليها زعيم عظيم يلبي طموحات شعبها واشواق امتها في الوحدة والحرية والعدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية.

بعد ثلاث سنوات من زوابع ''الربيع العربي''، ثبت بملموس التجربة الراهنة ان الثورات الشعبية ليست مجرد انفجارات عنفية عشوائية وارتجالية، بل تحتاج لكي لا تنسرق، الى قيادات قادرة وماهرة، وتحتاج لكي لا تضل الطريق، الى برامج وخرائط وبوصلات وانوار فكرية كاشفة، وتحتاج لكي لا تخلط بين الحرية والفوضى، الى تثقيف وتعقل وترشيد وتدريب على تقبل الرأي الآخر وممارسة الاساليب الديموقراطية.. اذ ليس من السهل والميسور انضباط وانتظام وانسجام حراكات وتوجهات ملايين المواطنين العرب المقموعين الذين خرجوا فجأة من الظلمات الى النور، ومن تحت نير الفساد والاستبداد الى فضاء الحرية والانعتاق، ومن سراديب التهميش والاقصاء والالغاء الى ميادين التمرد والاندفاع والحضور القوي والقبض على زمام الامور.

من هنا تأتي اهمية وصول الفريق السيسي الى رئاسة الدولة المصرية، وفق اختيار شعبي حر، وعلى قاعدة الالتزام التام بارادة الاغلبية الشعبية المصرية وقناعاتها وتطلعاتها، ودون ادنى اجحاف بحقوق ومصالح وحريات الاقلية التي لا يجوز مصادرتها او التنكر لها او الافتئات عليها، ما دامت متمسكة بقواعد واحكام وشروط العمل السياسي واللعبة الديمقراطية والمظلة الدستورية.

ليس في مصر وحدها، بل في الوطن العربي كله، نحن اليوم بامس الحاجة الى بناء كتلة شعبية تاريخية تضم كل الوان الطيف السياسي، وتتوافق على برنامج عمل وطني وقومي مؤسس على قواسم مشتركة وتنازلات متبادلة ومبادرات تسامحية وتصالحية من شأنها - بمجموعها- التمكين لهذه الامة العاثرة والمتدابرة والمقتولة بالخلافات والصراعات والازمات، من تجاوز محنتها، وتخطي عثرتها، والشروع في تحقيق نهضتها، واللحاق بركب العالم المتقدم والمستقر.

ليت تنظيمات الاسلام السياسي، وفي مقدمتها جماعة الاخوان، تستجيب لصوت العقل ونداء الضرورة، فتبادر الى الانخراط في بناء هذه الكتلة الشعبية التاريخية.. ليتها تنبذ العنف والانغلاق والاستكبار والذهنية المليشياوية، ثم تتجه نحو التقارب والتفاهم والتحالف مع باقي القوى والفصائل والاحزاب الوطنية والقومية والتقدمية.. ليتها تراجع تجاربها واجنداتها وحساباتها ورهاناتها الكثيرة، لتدرك ان العمل السياسي يتطلب وسائل وقواعد ومراجع سياسية لا سماوية، وان دولة الخلافة التي قامت ضمن سياقها التاريخي قابلة للاستلهام وليس الاسترجاع، وان الدولة المدنية - وليس الدينية - هي الضامنة لحقوق المواطنة، والمؤهلة لاشاعة الاستقرار والازدهار، ولا يشذ عن هذه القاعدة الذهبية سوى المستر نتنياهو الذي يطالب بيهودية دولة الاغتصاب.

اكثر من هذا، ليت جماعة الاخوان في مصر تعرف وتعترف بشجاعة ان احتكارها للحكم، واستئثارها بمقاليد الثورة، وانهماكها في اخونة الدولة، ومغازلتها ''للصديق الوفي'' شمعون بيرس، قد عجّل بفشلها، وتدهور شعبيتها، وانطفاء شعلتها، وانقلاب الرأي والمجتمع المدني عليها قبل رجال الامن والقوات المسلحة.. فضلاً عن ان انتهاجها سبيل العنف والتطرف، بعدما سقط حكمها، سوف يضاعف من ازمتها، ويعمي ما تبقى من بصيرتها.

مؤكد ان السيسي لم يتبوأ سدة الزعامة العربية بعد، ولكن ما بدر من اعماله واقواله وطموحاته وتوجهاته يشي بانه مشروع زعيم عظيم مؤهل لخوض معارك حاسمة، وتحقيق انجازات كثيرة وكبيرة.. وكما تشكلت كاريزما عبد الناصر وشعبيته العارمة في لهيب المعارك الوطنية والقومية، وعبر اوسع عملية تفاعل والهام واستلهام بينه وبين ملايين الشعب المصري والعربي، يمكن ان تتشكل، ضمن قياسات عصرية ومواصفات ديموقراطية، كاريزما السيسي وشعبيته واقتداره القيادي المأمول.

ولعل من المهم والجدير بالتنويه في هذا المقام، ان مفهوم الزعامة وفلسفتها وغايتها ومرتكزاتها تختلف في المجتمعات الحرة والانظمة الديموقراطية، عنها في الاوساط المكبوتة والانظمة الفردية والفوقية.. فالزعيم في الدول الديموقراطية - شأن نهرو وايزنهاور وكيندي وتشيرشل وديجول ومانديلا - يكتسب زعامته عبر الاقتناع الشعبي والاقتراع الحر والتراضي العام، وليس عبر اغتصاب السلطة ومصادرة الحكم.. ويعتبر نفسه ممثلاً للشعب وحاكماً بأمر الشعب، وليس وصياً عليه او ولياً لامره.. ويمتثل للقوانين والدساتير والاحكام المرعية، ولا يعلو فوقها ويستهين بها ويحتكم بالتالي للنزوات والرغبات والعنتريات الشخصية.. علاوة على انه يسخّر اجهزة السلطة ومؤسسات الدولة لخدمة كل المواطنين ورعايتهم والسهر على راحتهم، ولا يسخّرها لخدمة مطامحه ومصالحه ومصالح طبقته وبطانته وازلامه.

باختصار.. الزعيم الفردي يحكم بمباركة الناس وليس مشاركتهم، بينما الزعيم الديموقراطي يحكم بمباركة الناس ومشاركتهم ايضاً !!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات