ثلاث عبر ديمقراطية


 في أقل من شهر واحد ومن قارات ثلاث مختلفة، وردتنا بالجملة ثلاث عبر ديمقراطية بليغة:

- الأحدث كان من هندوراس حيث أطاح انقلاب عسكري بالرئيس اليساري مانويل زيلايا في أعقاب محاولة هذا الأخير تمديد فترة حكمه لأربع سنوات أخرى على غير ما عرفت به البلاد دائما منذ نهاية الحكم العسكري أوائل ثمانينات القرن الماضي. انتخب زيلايا عام 2006 لولاية من أربع سنوات غير قابلة للتجديد لكنه شرع في الإعداد لاستفتاء يلغي هذا التقييد بما يسمح له بالتجديد في سدة الحكم رغم أن أعلى محكمة في البلاد اعتبرت ذلك غير شرعي وكذلك المعارضة والجيش الذي رفض أصلا المساعدة في تنظيم الاستفتاء.

العبرة مما جرى أن التلاعب بالدستور في هذه الدولة الأمريكية الوسطى فتح الباب أمام خروج الجيش من ثكناته رغم ما كانت تعرف به البلاد من استقرار. ومع أن أي انقلاب على أي شرعية حقيقية لا يمكن إلا أن يدان، وهو ما حصل فعلا دوليا على نطاق واســـع، إلا أن ذلك لا يجب أن يحجب أن إغراء السلطة وشبق التمسك بالرئاسة، حتى بذرائع وأدوات قانونية، يفتح المجال لقلاقل تكون البلاد عادة في غنى عنها.

- موريتانيا من القارة السمراء التي عرفت انقلابا عسكريا الصيف الماضي على رئيس منتخب اضطر حكامها الجدد إلى التنحي عن السلطة وعاد رئيسها الشرعي سيدي ولد الشيخ عبد الله، ولو لوهلة قصيرة وقع فيها مرسوم تشكيل حكومة انتقالية قبل أن يستقيل. وستتجه البلاد في تموز/ يوليو المقبل، بموجب اتفاق داكار بين كل فرقاء الأزمة، إلى انتخابات رئاسية جديدة تعددية تنهي حكم العسكر وتعيد الاعتبار لصناديق الاقتراع الحر في اختيار من يدير دفة الأمور في البلاد.

العبرة مما سبق أن أي حكم أسس على مرتكزات واهية واستحوذ على السلطة بطريقة انقلابية مدانة محكوم عليه بالتسليم بعد فترة بأنه غير قادر على الاستمرار وسط الاستهجان الدولي والمعارضة الداخلية. إذا كان العالم كله احتفظ قبل عشرين عاما بصورة بوريس يلتسين يعتلي دبابة ليخطب في شوارع موسكو ضد الانقلاب القصير الذي أطاح بميخائيل غورباتشوف، فإن عالم اليوم مدعو لتحية كل نساء ورجال موريتانيا الشجعان الذين نزلوا إلى الشارع ساخطين على انقلاب الجنرال محمد ولد عبد العزيز. ومنذ هذا اليوم"لن يجرأ عسكري واحد في موريتانيا على الاستيلاء على السلطة لأنه رأى مآل ذلك أمام عينيه.

- إيران الآسيوية التي شهدت انتخابات رئاسية تعددية مشوقة الشهر الماضي تشهد قلاقل ومظاهرات سقط فيها مواطنون أبرياء لم يكن ذنبهم سوى أنهم خرجوا محتجين على ما اعتبروه تلاعبا وتزييفا للإرادة الشعبية الجامحة في التغيير. اهتزت البلاد ودخلت مؤسسات الحكم في أزمة شرعية ومصداقية. ولا يعرف بالضبط ما إذا كان اعتماد مجلس صيانة الدستور للفوز الرسمي لأحمدي نجاد سيضع حدا لحالة الغليان التي شهدتها البلاد وقمعت بالقوة أم لا.

العبرة هنا أن أي تلاعب، أو حتى شبهة تلاعب، بأصوات أناس تكبدوا عناء الخروج من بيوتهم واصطفوا في طوابير طويلة للإدلاء بأصواتهم عواقبه وخيمة على استقرار البلادوسمعتها الدولية. ورغم أن كثيرين تعاطوا مع الحدث الإيراني بمنطق النكاية والشماتة وتصفية حسابات قديمة جديدة إلا"أن ذلك لا يطمس في شيء أن ما حصل ما كان ليحصل لولا وجود شبهة تزييف إرادة الناخبين وهو ما لم يعد يحتمله أي شعب كريم.

ثلاث عبر بليغة وسريعة لمن شاء الاعتبار!




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات