خطة كيري وانعكاساتها على الاردن


تتركز انظار السياسيين والمحللين في الاردن والمنطقة اليوم على ما تم الاتفاق على تسميته خطة وزير الخارجية الامريكي جون كيري حول الحل النهائي للصراع الاسرائيلي الفلسطيني وما عرضه كيري على الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي ومن ثم على الاردن للتوصل الى الحل النهائي بصيغة ما تزال غير واضحة المعالم.

ولكن وحسب المعلومات المتسربه من بعض المسؤولين الفلسطينيين فان الخطة التي لا زالت طي الكتمان وحبيسة الادراج الرسمية العليا في الاردن تستبعد بشكل قاطع فكرة عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا قسرا عن اراضيهم خلال الحربين 1948 و1967 الى الاردن وبعض الدول العربية ،و تشير المعلومات ايضا الى ان حق العودة لم يكن ضمن الخيارات الاربعة التي طرحها كيري على الاطراف كافة واقتصرت على تخيير الفلسطينين بالعيش والبقاء في البلدان التي يقيمون فيها الان وعلى راسها بالطبع الاردن الذي يضم اكبر نسبة من اللاجئين على اراضيه ويتمتع غالبيتهم بالجنسية الاردنية مقابل تعويضات مادية وربما ان تكون سخية، او الانتقال للعيش في كندا بعد سماح السلطات الكندية بذلك او العيش في الدولة الفلسطينية المستقبلية والتي لا تزال حبرا على ورق والخيار الرابع الطلب من السلطات الاسرائيلية العيش في اسرائيل والذي سيتم النظر به اي الطلب من قبل سلطات الاحتلال ويدرس باستفاضة نعرف جميعا نتائجها .هذا ما رشح حتى اليوم من معلومات حول خطة كيري التي جاءت بعد جولاته المكوكية بين عمان ورام الله والقدس .

ما يعنينا هنا كاردنيين وفلسطينيين هو ما يتعلق بالجانب او الشق الاردني والاردن الوطن والهوية والدولة ومستقبلها ومستقبل العلاقة بين الاردن وفلسطين وما يترتب عن هذه الخطة في حال تطبيقها ؟؟؟.

تصريحات الرئيس الفلسطيني محمود عباس حول الموضوع غامضة وغير واضحة حتى في لقاءه مع جلالة الملك عبدالله الثاني في عمان مؤخرا بعد زيارة كيري للاردن وعرضه بنود خطته ، المواقف الفلسطينية الرسمية غير واضحة ومثيرة للجدل والاستفزاز في آن واحد فيما يتعلق بموضوع اللاجئين وحق العودة ، اذ صرح عباس بان حق العودة امر شخضي كالزواج لمن اراده ، واضاف بان هناك تعويضات واشياء اخرى وقبل عامين صرح بانه ليس بالضرورة له العودة الى مكان سكناه في فلسطين المحتلة .

ان مثل هذه التصريحات العلنية تؤشر بشكل واضح على تخلي الرجل عن اهم موضوع في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي والمتمثل بحق العودة ، وتنذر بخطر داهم ربما سيكون اكبر من انفجار اوسلو الذي كان عباس منسقا رئيسيا له وخروجه عن الوفد المشترك في مفاوضات السلام حينها ليخرج على العالم باتفاق مرتب له مسبقا ، والخشية ان يكون هناك تفاهمات سرية بين الجانبين الاسرائلي والفلسطيني تفأجئنا في الاردن وتفأجأ العالم ايضا وهو ما يدفعنا في الاردن من مختلف المشارب والاتجاهات السياسية الى القلق الكبير خاصة بعد تصريحات جلالة الملك عبدالله الثاني حول المصالح القومية الاردنية العليا دونما تفسير او ايضاحات لماهية هذه المصالح لتبقى في دائرة الغموض وهو ما يبرر هذا القلق الشعبي والسياسي الاردني من الخطة ومضامينها والتخوف من تفاهمات بين عباس ونتنياهو وكيري على حساب الاردن وشعبه.

على الصعيد الداخلي الاردني تكثر اليوم التساؤلات من الاحزاب والتيارات السياسية والشعبية فيما يتعلق بالهوية والمواطنة والاندماج الفيدرالي او الكونفدرالي ، التوطين والتجنيس والوطن البديل الذي يتضح بشكل لا مجال فيه للشك في خطة كيري ، وهي قضايا خطيرة وتثير مخاوف الاردنيين من كافة الاصول والمستويات الشعبية .

والخوف في الداخل الاردني من احتمالية اتخاذ موقف اردني رسمي بضغوط امريكية يحبذ السير والدخول في دائرة الخطة ، ولو حدث ذلك سيقود بالتأكيد الى توطين الفلسطينيين واقامة الوطن البديل حسب خيارات خطة كيري بالابقاء على الفلسطينيين حيثما هم .

ويبدو ان هذا الخيار مطروح بشكل جدي على طاولة المفاوضات القادمة حول الحل النهائي والذي تسعى الولايات المتحدة الى فرضه على الاردن والفلسطينيين حتى لو كان على حساب الهوية الاردنية ونسيان الهوية والقضية الفلسطينية والتي اساسها قضية اللاجئين ومصيرهم.

حتى الآن ليس هناك وضوح ويسيطر الغموض على المواقف الاردنية والفلسطينية من الخطة المطروحة والمستقبل ضبابي وغامض ولا يوجد رؤيا حول امكانية دخول الاردن الرسمي نفق الترتيبات للحل النهائي على امل تحقيق بعض المكاسب ، متناسيا المتاعب التي سيخلفها مثل هذا الموقف على المدى الطويل خاصة في ارتفاع حدة ووتيرة المعارضة السياسية والشعبية للحكومة والحكم في الاردن والدخول في دوامة الصراعات الداخلية سواء سياسية او شعبية ، فالذي ينتظرنا في حال المشاركة في الحل النهائي خطير وفي غاية الاهمية يستوجب التفكير به والوقوف عنده لان الاردنيين لن يقبلوا بتاتا المساومة على هويتهم ووطنهم وبيوتهم واراضيهم كما الفلسطينيين الذين يرفضون اي وطن غير وطنهم فلسطين وسيقف الاردنيون كما كانوا دائما الى جانب الفلسطينيين في الدفاع عن حقوقهم المشروعة وفي مقدمتها حق العودة الى ديارهم واقامة دولتهم المستقلة على التراب الفلسطيني ، فالاردن لم ولن يكون يوما برسم البيع او التأجير وسيظل ملاذا لكل العرب حتى تتحقق لهم الظروف الملائمة للعيش الكريم ولن نتفاوض نحن الاردنيون على دماء شهدائنا الذين سقطوا دفاعا عن فلسطين مقابل ضمانات على ورق ، كما لن يقبل الفلسطينيون في المخيمات بالتنازل عن حقهم مقابل حفنة من الدولارات حتى لو بلغت المليارات. ان دخول الاردن نفق المفاوضات على اساس المقايضة وطن بديل مقابل دعم مادي سيؤدي ذلك الى نتائج وخيمة قد تؤدي الى انهيار الدولة الاردنية وطمس هويتها اذ لا نعرف حتى اليوم من هو الاردني من غير الاردني بعد تداخل البشر والاسر بعضها ببعض .

لا اجد من المناسب التعرض هنا الى وحدة الضفتين وانعكاساتها السلبية على الصراع العربي الاسرائيلي ولا موضوع فك الارتباط ودستوريته واثاره على القضية بشكل عام لانهما بحاجة الى نقاشات مستفيضة وتعليقات طويلة ربما نعود اليهما فيما بعد واكتفي هنا بالقول بان ما يطرحه جون كيري على الفلسطينيين والاردن واسرائيل بنظر الغالبية السياسية والشعبية الاردنية سيشكل قنبلة موقوتة في الحضن الاردني تهدد الوطن والهوية وتقوض الامن والاستقرار الذي ننعم به وسنبقى طويلا كمن يرقص على الجمر.



تعليقات القراء

جاسر
لا يوجد تعليقات نظرا لعدم اهمية الموضوع , فلا هيفاء وهبي ولا سجال مع السفير السوري !!
16-01-2014 09:44 PM
طوالبه سحم كفارات
يعطيك العافيه يا قرابه. مقالك رائع ما قصرت بتحليلك وكتاباتك لكن ما حدا بهتم
17-01-2014 12:06 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات