بُخطيء من يظن أنّ الغش ظاهرة تتعلّق بامتحان التوجيهي فقط ، فهي سابقة ولاحقة وتشمل قطاعات أُخرى . ولكن درجت العادة أن تُسلّط الأضواء على هذا الامتحان ويوضع تحت مجاهر وعدسات مكبرة ، وتتناوله وسائل الأعلام المختلفة ، فهو حديث الساعة ومحور الاهتمام في البرامج واللقاءات . كيف لا والامتحان نفسه يحظى باهتمام كل بيت أردني بشكل مباشر أو غير مباشر . كما أنّ الوزارة قد صنعت حوله هالة وجعلت منه عملاً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .

وكان مسؤولوا الوزارة يحرصون على أن يخرج بأفضل حال ودون أيّ لغط . إلا أنّ التّصريحات والإجراءات غير المسبوقة هذا العام تُثبت أنّ الوضع لم يكن على ما يُرام في السنوات السابقة ، فكان التشديد بالتّعليمات والضوابط والإجراءات ، والذي نأمل بعدها أن يخرج الامتحان بأفضل صورة ونتيجة ممكنة . فالكمال لله .

ومن المعلوم بأنّ الغش في الامتحانات يسبق التوجيهي بسنوات ، فكيف لمن اعتاد الغشّ في سنوات سابقة أن يتوقف عنه فجأةً في التوجيهي ، وهذا ما يزيد العبء على الوزارة بهذا الامتحان .

إن الغش ليس ظاهرة مقتصرة على التوجيهي فحسب ، بل هو منظومة نواجهها في كثيرٍ من تعاملاتنا .

فما هو تفسير حدوت انهيارات وتشققات في شوارع تم تعبيدها وصيانتها قبل فترة وجيزة عند تعرضها لعارض جوي كالأمطار أو الثلوج . بل أحيانا تحدث لها تلك المشاكل بسبب الاستعمال العادي فقط . وكأنها مصممة للفرجة أو التصوير وليس للاستعمال .

ونفس الظاهرة يشكو منها أصحاب الشقق الجديدة ، إذ بعد فترة وجيزة من الاستعمال تبدأ العيوب والمشاكل بالظّهور تباعا ، وما ظاهرة عرض الشقق للبيع بعد شراءها بفترة قصيرة إلا بسبب هذه المشاكل وتفاقمها .

ودع عنك الغش في الخضار والفواكه والمواد الغذائية والتلاعب بفترة صلاحيتها . واللحوم وبيع المستورد على أنه بلدي أو تطريه المجمّد واستعماله في المطاعم ، والألبان والزيوت وقطع الغيار والأجهزة .

والمعلم الذي لا يبذل الجهد المطلوب منه داخل الحصة الصّفيّة ، مدّخراً ذلك للدروس الخصوصية سواءً البيتيّة أو في المراكز التعليمية ، والتي يكون أما مالكاً لها أو مشاركا فيها . فيجد الطالب المعاملة والاهتمام الخاص والأسئلة والحلول والشّرح الذي ضنّ به على طلابه في المدرسة وأظهر كفاءته ومهارته خارجها . مما جعل المدراء يشكون من عدم التزام الطلاب بالدوام المدرسي خاصة مع قرب الأمتحانات . أليس هذا نوع من الغش والذي بات الطلاّب وأولياء أمورهم يشكون منه .

وبعد ، فانّ الغش منظومة ، هذه نماذج منها ، يجب محاربتها والتّخلّص منها بالتربية أولا وبغرس القيم والأخلاق ثانيا وبالقوانين والإجراءات الصارمة بحق المخالفين أخيرا .