النفاق الاجتماعي .. مرض من أمراض العصر


من التحديات التي باتت تقلقنا في هذه الأيام ، أمراض كثيرة ومتعددة ، فهي أمراض قد تفاجئ الكائن البشري بشكل مباغت وبدون سابق إنذار ، ومن هذه الأمراض، الأمراض الجسدية، والعقلية وهذه هي أمراض عضوية تصيب جوانب الإنسان الجسدية والعقلية بعطب إما مستعصيا لا يستجيب للعلاج أو خفيفا يمكن علاجه، ولكن هناك مرض آخر خارج هذه الزمرة هو مرض ليس عضوي بالمعنى الحقيقي لهذا المفهوم، بل هو مرض من نوع آخر يصاب به بعض البشر، فيفسد عليهم حياتهم ، ويصبح من حيث خطورته أمر وأقسى من الأمراض العضوية المعروفة.

المرض الذي أعني بحق، هو مرض النفاق الاجتماعي الذي يصاب به البعض من أبناء المجتمع ، وهو مرض خطير للغاية ، يمكن أن يودي بصاحبه إلى الهلاك والضياع والسقوط إلى الهاوية .. ذلك أن النفاق الاجتماعي يشمل كثيرا من السلوكيات الخاطئة .. وعلى رأسها الكذب ، وكذلك التلفظ بكلمات بها من المدح والثناء الذي لا يمت إلى الحقيقة بصلة ، لشخصيات أوصلتهم الظروف إلى مناصب أو مراكز لا يستحقونها ، وبحكم تلك المناصب استحوذوا على عقليات بعض النفوس الضعيفة ، التي ما كان همها يوما سوى كيل المديح والثناء لكل من وصل تلك المناصب صدفة وبدون سابق إنذار.

المجتمع في هذه الأيام يعجُّ بضعاف النفوس من المنافقين الذين لا هم لهم سوى الاستئثار برضى فلان، أو التقرب منه من أجل الحصول على منزلة أو مكانة في حضرته ، وربما كانت لمنفعة شخصية ، أو لشيء في نفس يعقوب .. ولقد شاهدت بأم عيني مثل هذه الأمثلة في سنوات سابقة ، حيث رأيت شخصا يبدو على جانب كبير من الوقار ، يجلس في حضرة صاحب سلطة .. فكان يتملق وينافق ، ويتكلم بحق الناس بصوت خافت لكيلا أسمعه ، ومن هؤلاء أناس مقربون وبعضهم من غير المقربين ، لكن ما آلمني جدا أنه لم يكن يهمه سوى أن يدلي بتلك المعلومات من أجل بلوغ المكانة ، والوصول إلى المبتغى.

لم أعرف في حياتي بأن المسلم الحقيقي قد يستحلي رضاع الكذب والنفاق ، ويكون بهذا المستوى من السلوك ، بل المسلم هو أعلى مكانة ، وأطهر خلقا من كل ما يقربه إلى النفاق زلفى.

ومهما كانت الأسباب فإن من غير المقبول في شريعتنا السمحة أن يخرج الإنسان عما تدعو إليه تعاليمنا وعقيدتنا السمحة ، وما يجب أن يحظى بمآثر الناس هو أن يكون الحب كله لله ، كي يكون صادقا حقا لا غبار فيه.

لم أجد مبررا واحدا لمن يبالغ بالمديح والثناء للإنسان بمجرد أن يكون مسئولا أو صاحب منصب أو مركز أو جاه ، فالمدح والثناء يجب أن يكون بحدود المقبول ، دون تملق ولا مراءاة ولا كذب . نحن نؤمن بأن الخير والشر بيد الله ، قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ، ولهذا فإن الابتعاد عن أعتاب أصحاب الجاه والمراكز والمناصب أو الولوج لمكاتبهم غنيمة بحد ذاتها ، وأما إن كان هناك ضرورة تستدعي المثول أمام أي منهم ، فليكن الإنسان في ذلك الموقف شجاعا مقداما ، لا يهاب هذا أو ذاك ، ولا يحسب حسابا لأحد ، ولا يذل لغير الله سبحانه وتعالى.

إن المديح والثناء له أوجه عدة ، منها ما يتجاوز حدود المعقول فتصبح نفاقا وتملقا وتقربا من إنسان لا يستحق منا كل هذا المديح ، وأما أن يكون بحدود المعقول كالشكر على معروف أو فعل قام به أحدهم لك ، كمساعدة أو خدمة ، أو أي معروف مثلا ، فالشكر بهذه الحالة واجب ، لأن من لا يشكر الناس لا يشكر الله.

وأما حينما تفصح لأحد من الخَلق عن حبك له ، فليكن ذلك الإفصاح بأدب واحتشام ، وكلنا يعلم قصة الإعرابي الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال له : إن قلبي يحبك يا رسول الله .. فرد عليه رسولنا عليه السلام .. قائلا : القلب للقلب صادق.

في خطب المناسبات ، وأمام أصحاب المقامات والمناصب أحيانا ، نسمع من المدح والأوصاف ما يشبه التأليه والتعظيم لشخص ما ، بحيث تكون المبالغة بالمديح واضحة وضوح الشمس ، وفي مثل هذه الحالة ، أي حينما يخرج المراد عن طريقه الصحيح ، يتحول الأمر إلى انتكاسة فعلية للخطيب نفسه ، لأن الحضور ليس كلهم من الجهالة بحيث يستمرئون مثل هذا النفاق والرياء والمبالغة .. لأن الكبرياء لله وحده ، والله وحده هو المعز والمذل ولا أحد سواه.

من هنا فإنني أتمنى على جميع من يقفون مثل هذه المواقف ، أن يخافوا الله ، وأن يراقبوه في كل كلمة يتلفظون بها ، ولا يبالغون ، لأن في ذلك تعد على حقوق الله سبحانه وتعالى .. وقد قال سبحانه وتعالى ولا تجعلوا لله أندادا.

الموضوع قد يحتاج إلى المزيد ، لكنني آثرت بأن أختصر أكثر .. 

والله من وراء القصد ،،،،



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات