التجنيد الإجباري .. وصناعة الرجال


بالرغم مما يكتبه البعض عن سلبيات التجنيد الإجباري ، أو الإلزامي أو خدمة العلم ، سمه كما شئت أيها القارئ العزيز .. وحيث لفت انتباهي ما كتبه أحد الكتاب تحت عنوان ..( لعنة التجنيد الإجباري في العالم العربي .. العراق انموذجاً ) بقلم الكاتب واثق غازي ، حيث يقول الكاتب :

إن التجنيد الإجباري جريمة بشعة لا تقل في بشاعتها عن القتل. وهي جريمة يقوم بها السياسيون من حيث يشعرون أو لا يشعرون. وهي في نظرنا جريمة عقائدية، تحديداً جريمة العقيدة السياسية، يقوم بها مرتكبها بدوافع فكرية أيديولوجية ضاناً أنه يحسن فعلاً. وهو في هذه الحالة لا يختلف عمن يرتدي حزاماً ناسفاً ليفجر به نفسه وسط حشداً من الناس ضاناً أنه سوف ينتقل إلى جنة الخلد ونعيم الآخرة.

والتجنيد الإجباري في نظر الكثيرين جريمة لأنه قائم على الإجبار والإلزام وليس على الاختيار والإرادة الحرة. فمن حق الإنسان أن يكون حراً مختاراً، وهذا ما تحفظه له قوانين حقوق الإنسان في العالم. وقد التفتت بعض بلدان العالم إلى تناقض التجنيد الإجباري مع حقوق الإنسان ومع مبادئ الديمقراطية فقامت بإلغائه، وهو ما فعله الكونغرس الأمريكي في بداية سبعينيات القرن الماضي.

يرى البعض في العالم العربي أن التجنيد الإجباري جريمة لأن المجند لا يحظى بالعناية الصحية أو الغذائية الكافية أو المعاملة الإنسانية اللائقة أثناء فترة تجنيده. ونحن رغم اعترافنا بأن ما يقولونه حق إلا أننا نصر على كون التجنيد الإجباري جريمة حتى ولو توفرت كل الظروف الصحية والغذائية الكافية والمعاملة الإنسانية اللائقة، وذلك ببساطة لأن الأساس الذي يقوم عليه التجنيد الإجباري خاطئ، وهو الإجبار والإلزام والاستهتار بإرادة الفرد وحقه في الاختيار. إن ما بني على الباطل فهو باطل. والتجنيد الإجباري بني على استلاب حرية الإنسان وحقه في الاختيار، بمعنى حقه في قبول أو رفض الانتماء إلى الجيش، لذلك فهو في نظرنا عمل إجرامي مهما قيل عن جودة الخدمات المقدمة إلى المجند أثناء فترة تجنيده ، (انتهى كلامه) .

وبالرغم مما يكتبه البعض عن سلبيات التجنيد الإجباري ، إلا أنني أرى أن من الملفت للانتباه ومن المحير أيضا ، بل وما أصبح يقض مضاجع المجتمعات ، و يدهش مفكرينا الاجتماعيين حقا ، هو ذلك التحول الشديد الذي أصبحنا نراه هذه الأيام يجتاح حياتنا بشيء من العنف ، ويعكر صفونا ، وإن ما أصبحنا نواجهه من تغير كبير في سلوكيات الشباب ، سواء في جامعاتنا أو أسواقنا أو شوارعنا ، وما نلحظه من انحلال خلقي لديهم ، لم يكن وليد صدفة ، وإنما كان نتيجة حتمية للتحولات الاجتماعية في عالمنا العربي ، حيث تبدلت لديهم كل السلوكيات والأخلاقيات ، تلك التحولات نتجت عن وجود كثير من الأسباب والمسببات ، والمفاهيم الخاطئة .. حيث أسهم في ترسيخ تلك المفاهيم ما بين شبابنا ظروف دخيلة على مجتمعاتنا ، إذ كان للإعلام دور كبير في تبني تلك المفاهيم الخاطئة ، ولسوء الحظ فقد كان للإعلام العربي والقنوات الفضائية العربية بالذات دورا كبيرا في تفعيل تلك التحولات الأخلاقية لدى شبابنا ، كما أن تقصير جامعاتنا في إذكاء روح الانتماء والمواطنة لدى طلابنا الذين ينتقلون بشكل مفاجئ من بيئة تعليمية متواضعة أي من مرحلة الثانوية العامة ، إلى بيئة تعليمية مختلفة تماما ، حيث تولد تلك النقلة النوعية ، من بيئة إلى بيئة أخرى مختلفة فجوة كبيرة ، في نفوس الشباب .

الشباب حينما ينتقلون إلى الجامعات، لم يكونوا على دراية تامة بما ينتظرهم هناك ، لم يكن لديهم الوعي الكافي بما هم ذاهبون من أجله .. وربما لم يدرْ بأذهانهم سوى شيء واحد ، وهو أنهم في أحضان الجامعة ، يستطيعون تلبية جميع رغباتهم المباحة والمحرمة ، في ظل بيئة تفتح ذراعيها للأبناء ، وهم ينعمون بحرية أكبر ، وأكثر تنوعا ، فهناك في الجامعة ، حيث الاختلاط ومواجهة الجنس الآخر الذي لطالما حلموا بمواجهته قبل انتقالهم للجامعة . وعلى حين غرة، يجد الشاب نفسه محاطا بهالة من المتغيرات ، لأن الجامعة بحق هي شيء مختلف ، وذات بيئة متميزة ، لها خصوصيتها وظروفها ، فكيف يواجه شاب غض ما زال يحتفظ ربما بشيء من ذكريات المراهقة الأولى .. التي عانى منها كثيرا ، دون أن يجد من ينبهه إلى خطورة تلك المرحلة الحساسة في حياته ، كيف له أن يصمد أمام تلك التحديات ، وأن يثبت وجوده في بيئة تصورها بأنها عبارة عن ميدان صراع .

لقد فقد الشباب كثيرا من القيم والأخلاق ، بسبب الأخطاء والتراكمات والمعاناة التي واجهتهم في مراحل حياتهم الأولى ، وما زالت إلى الآن تطرق أبواب الكثيرين في كل مراحل حياتهم ..

وأما الذي نراه اليوم ، وما نواجهه ما بين فينة وأخرى من عنف جامعي ، لم يكن وليد صدفة كما أسلفت ، وإنما هو شيء مخطط له مسبقا ، وأقول ذلك دون حرج ، لأن التخطيط لا يكون بكتابة سيمفونية الصراع ، أو نشيد يتلى في أية لحظة ، ولكني أعني بهذه العبارة ، أن إغفالنا وعدم وعينا بأمور الشباب ، وكأننا بمعزل عنهم ، ولم نعرف شيئا عن ظروفهم ، مما يدفع بالكثير منهم ، الخروج عن دائرة المعقول ، إلى سلوك مسالك وعرة ، وينتهج نهجا دخيلا على مجتمعنا ، بسبب ذلك الإهمال المتعمد في رعاية وتوجيه الشباب ..

من هنا .. جئت لأوجه نداء جادا إلى الحكومة ، بضرورة الانتباه لهذه الناحية ، وعليهم أن يهبوا بكل مصداقية لإنقاذ ما تبقى من قيم بين شبابنا ، ولا أجد أبدا شيئا يمكن أن يحقق مثل هذا المطلب ، سوى أن يعود التجنيد الإجباري إلى الظهور من جديد ..

فالتجنيد الإجباري.. يعني انخراط الشاب في خدمة العلم ، لمدة سنتين أو ثلاث سنوات تدريب وخدمة عسكرية حقيقية لا يشوبها التراخي ولا المجاملات ، تدريب عسكري بكل مراحله ، قد يخلق من شبابنا رجالا وربما أبطالا ، بعيدين كل البعد عن الانحلال الخلقي ، ويخلق منهم جيلا يمكن الاعتماد عليه إذا ما ادلهمت الخطوب ، وتعرضت بلادنا لا سمح الله لأي طارئ .

والأهم من ذلك هو تطبيق العدالة ما بين الجميع ، بحيث يشمل التجنيد ابن الوزير وابن الفقير على حد سواء ، وكم أتمنى أن يفهم الجميع المعنى الحقيقي للتجنيد الإجباري ، والذي أصفه وصفا حيا ودقيقا ، بأنه سيكون بمثابة مصنع حقيقي للرجال ، الذين يحسون بحق بأنهم موجودون بعقليات مصقولة ونزيهة وشجاعة ، تثبت وجودها في كل الميادين .. لا أن يكون لدينا جيل من الرعاع أو الأنذال أو الجبناء..

نحن نريد شبابا يتحملون المسئولية بكل المقاييس ، ولا أعتقد بأن الجميع كانوا بمعزل عن الأوضاع التي مرت وما تزال تمر بها بعض البلدان العربية من اقتتال وصراعات ما أنزل الله بها من سلطان ..

نعم .. في هذه الصراعات ، تحتاج البلد إلى شباب مدرب يحمل السلاح في وجه كل من يحاول الاعتداء على سيادة بلدنا ، أو النيل من حريتنا واستقلالنا ، الشباب هم عماد الأمة وعدتها وعتادها ، وهم شبابها الذين يجب أن يتحملوا المسئولية حينما يدعو الداعي إلى ساح الوغى ، لا أن تنتظر البلد الحماية من قوات حفظ السلام أو قوات الأمم المتحدة ، التي إن جاءت ستصبح دخيلة على مجتمعنا ، ولن نجني من وجودها غير النكبات والمشاكل الأخلاقية والاجتماعية ..

إن الشباب هم أبناء الوطن ، وعلى كواهلهم ترتفع الراية ، وبسواعدهم نحمي الحدود ، ونمنع العدوان على أرضنا ووطننا وحريتنا واستقلالنا ..

نحن في الأردن لا نملك من مقومات الحياة سوى سواعد الرجال ، أبناء هذا الوطن ، ولهذا فنحن نريدهم دائما جاهزون مجهزون بكل معاني الرجولة والإباء والشموخ ، يجب أن يكونوا دائما هم الجنود الساهرون على أمن وحماية هذا الوطن ، نعم .. إن مرحلة التجنيد الإجباري هي فرصة لصقل الهمم وإعداد الشباب ، وبعد تلك المرحلة والإعداد ، يكون لهم مطلق الحرية في ارتياد أسواق العمل أينما كانت ، وسيثبتون وجودهم في كل المجالات ، في الانضباط واحترام الذات ، والتعامل مع الآخرين بتحضر واحترام ..

إن الغاية من إعادة تطبيق التجنيد الإلزامي أو الإجباري (من وجهة نظري) تكمن في شيئين مهمين للغاية وهما :

1- إعداد الشباب عسكريا وتهيئتهم لمواجهة كل الظروف التي قد تمر بها بلدنا ، كما هو الحال في البلدان العربية المحيطة ، ونحن ههنا في لب الصراع ، ولسنا بعيدين أبدا عما يحيط بنا من صراعات أيدولوجية وعقدية ..

2- صقل شخصية ونفسيات الشباب وتعويدها على الضبط والربط واحترام الذات الإنسانية ، ومعرفة الكثير من العلوم التي تهمهم في حياتهم اليومية ..

3- خلق جيل منظم يعلم ما له وما عليه ، وبناء الروح المعنوية لدى أبنائه ، بعيدا عن الفوضى والتحولات الفكرية الخاطئة في بلادنا ..

والله من وراء القصد ،،،،



تعليقات القراء

خلوا الطابق مستور
نفس النتيجة لانه لن يطبق الا على ابناء الفقراء اما ابناء المسؤولين والعشائر والواسطات فسوف يخدمون في منازلهم او في السفارات في الخارج او في مكاتب ابائهم واعمامهم وانسبائهم. فبلاش تفعيط وتنظير بلا مضمون
01-01-2014 11:53 AM
احمد عامر
من لم يربياه ابواه ومدرسته وجامعته لن يربيه التجنيد الاجباري،الذي هو هدر للوقت والجهد والاقتصاد، لماذا نضيع من عمر شبابنا سنتين معظم اسرهم بحاجة لعمل ابنائهم بحاجة للقرش الواحد في ظل ارتفاعات الاسعار الجنونية، ثم ان من يقومون بالشغب في الجامعات هم من ابناء عائلات معفاة من المسألة في الجامعات وكذلك سيحصلون على امتازات في الجيش ولن يطبق بالنتيجة كما قال صاحب التعليق رقم واحد الا على ابناء الفقراء اما ابناء المسؤولين والعشائر والواسطات فسوف يخدمون في منازلهم او في السفارات في الخارج او في مكاتب ابائهم واعمامهم وانسبائهم.
01-01-2014 07:14 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات