هل يحق للعرب أن يشككوا بديمقراطية إيران؟


لا يسعني وأنا أشاهد بعض الفضائيات، وأقرأ بعض الصحف، ومواقع الانترنت العربية وهي تغطي الانتخابات الإيرانية، إلا أن أضحك بشكل مجلجل جداً. تصورا أنها تنتقد الديمقراطية الإيرانية، وتشكك في مصداقيتها، وتهاجم تصرفات مرشحيها. إنها نكتة فظيعة جديرة بالتوزيع الفوري على أجهزة الموبايل لشدة كوميديتها. يا الله أريد أن استمر في القهقهة على هؤلاء العرب الذين ما زالوا يعتبرون كلمة "انتخابات" رجساً من عمل الشيطان، فما بالك بكلمة "ديمقراطية"! مع ذلك فهم الأعلى صوتاً في ذم الانتخابات الإيرانية والنيل منها، والتقليل من أهميتها، و"الشوشرة" عليها. لا أدري لماذا ما زال بعض العرب يعتقد أنه قادر على تغطية عين الشمس بغربال! فعلاً طبيب يداوي الناس وهو سقيم.

كيف للعرب أن يكفروا بالانتخابات في بلدانهم، بينما ينخرطون في التفلسف على أصحابها في الخارج، يتساءل إدريس هاني؟ أليس أقصى ما بلغته بعض البلدان العربية في القرن الواحد والعشرين "أن فتحت كوة لنصف انتخابات بلدية، ثم طبلت وزمرت لها كما لو كانت حدثا كونياً؟" لماذا يقيم بعض العرب الأفراح والليالي الملاح لانتخابات عشائرية هزلية، بينما تراهم يسخرون من ديمقراطية ترنو إليها عيون المليارات من المشاهدين في كل أصقاع العالم لأهميتها وخطورتها؟

هل يحق لبلدان عربية "ماتت فيها السياسة وتريّع فيها الاقتصاد، وذلت فيها الشعوب والأوطان ، ولم تعد تملك قراراً حقيقياً ولا إرادة سياسية للتقدم والنمو"أن تنتقد الديمقراطية الإيرانية التي أخرجت إلى صناديق الاقتراع أكثر من أربعين مليون ناخب، وتصارع فيها المرشحون على الهواء مباشرة، وضربوا بعضهم البعض تحت الحزام؟ ألم يصل الأمر ببعض المرشحين إلى النيل مباشرة من الولي الفقيه، بينما يذهب كل من يكتب كلمة الكترونية ضد حاكم عربي في ستين ألف داهية؟

ألا تخجل بعض وسائل الإعلام العربية من نفسها وهي "تمارس الأستاذية على الديمقراطية الإيرانية التي تفصلها عنها عشرات القرون أو أزيد"؟ ألا ينطلق هذا الإعلام الغوغائي من مواقع لم تعرف، ولم تعد تحلم بواقع انتخابي على صعيد البلديات ومجلس النواب، فكيف بالانتخابات الرئاسية؟"هل يحق للقروسطيين العرب أن يدخلوا بين الغرب وإيران، أم لا "مكانة ولا مصداقية في أن يحكموا على الانتخابات الإيرانية وهم ما زالوا في الطور السياسي الأدنى؟" هل يحق للذين ما زالوا يعيشون في عصر ما قبل الدولة بمفهومها الحديث أن يتنطعوا لتصحيح المسار الانتخابي في هذا البلد أو ذاك؟
هل يحق "لكائنات غير انتخابية أن تتهكم على كائنات انتخابية؟ لماذا ظن بعض تلك الكائنات أن الأمر أشبه ما يكون بلبنان، فلما قصر المال عن العبث بالانتخابات الإيرانية، وحينما عجزت قوى العبث الإقليمي والتدخل الخارجي على أن تمسخ انتخابات إيران، تشبثوا بالتشكيك والقلق والاتهام؟ أليست تلك هي حيلة العاجز؟"

"من المخول لأن ينتخب الرئيس الإيراني: الشعب الإيراني أم وسائل إعلام عرب الاعتدال الذين يسمعون عن الانتخابات دون أن يذوقوا عسلها؟"
طبيعي أن تعتبر بعض الصحف العربية "أي احتجاج تعبيري في الشوارع الإيرانية كارثة، يجادل أحد الكتاب، "لأنها تطبق نموذجها الجامد على المجتمع الإيراني الذي تفوق عليها في ديمقراطيته. فالاحتجاجات في شوارع هذه الدول تستدعي حالة الطوارئ التي لم تعلنها إيران بالصورة التي عودتنا عليها تلك النظم العربية". و لا داعي لذكر أن بعض العرب لا يسمح لخمسة أنفار أن يقوموا بجمع التبرعات في الشوارع، فما بالك أن يتظاهروا. أليس من الوقاحة أن نتحدث عن زيف الانتخابات الإيرانية كما لو كنا نتحدث من عواصم إحدى الدول الاسكندنافية كالسويد والنرويج والدنمارك؟
لماذا انضمت بعض وسائل الإعلام العربية إلى وسائل الإعلام الغربية في التشكيك بنتائج الانتخابات الإيرانية؟ هل من حقنا أن نصدر أحكاماً على الديمقراطية الإيرانية لمجرد أننا نقبع في الأحضان الغربية؟ أليست الذائقة الديمقراطية الغربية مختلفة تماماً عن ذائقتنا العربية البدوية؟

أيها الغاطــّون في سبات سياسي عميق: إن كانت لا ترضيكم ديمقراطية إيران في ظل ولاية الفقيه، فبارزوها بأحسن منها! وبدلاً من رجمها إعلامياً فلنتعلم من جارتنا كيف نقرر مصيرنا بأيدينا، ولنحذو حذو شعب يصنع ديمقراطيته وتاريخه ومستقبله وسلاحه بنفسه، بينما مازلنا نحن العرب نستورد حتى الغطرة والعقال والفول والطعمية من طوكيو ولندن وجنيف وبكين!



تعليقات القراء

جلجامش
مين هذا اللي بالصوره يشبه الراعي السوري اللي مع غنمنا
24-06-2009 09:26 PM
rakan
يا استاذ قاسم
الدول التي تقصدها لم تمت من السياسة ولا ذلت شعوبها ولكن حتى تتمكن بعض الدول الاخرى لنيل ارادتها السياسية وقرارها السياسي للتقدم والنمو في شتى المجالات ...
قول لجماعتك في ايران (مكتب القدس) يحل عن لبنان وعن فلسطين ودول اخرى حتى نعرف كيف نحل مشاكلنا ... وبعدين انت ليش خايف على ايران ... شكلها المسبحة رح تفرط ... واذا فرطت لكل حادث حديث وابصر بكره الجزيرة مع معين رح توقف ... على كل حال فكر من خارج الصندوق واتحفنا ببرنامج عن شباب ايران , مشاكلهم همومهم وحياتهم اليومية مستقبلهم طموحاتهم ...وبعدين احنا لا نستوردالغطره والعقال والفول والطعمية بل نستورد اشكال زيك عشان تسرح بحلالنا
24-06-2009 11:20 PM
عربي اصيل
صح لسانك يا استاذ فيصل بغض النظر عن معتقدات ايران ومخططاتها نقول للعرب المثل العربي (اللي بيته من زجاج لايرجم الناس بالحجاره) يكفي ان ايران دوله واحده وعندها اكتفائها الذاتي من الاسلحه والصناعه والزراعه الا ان نحن العرب 22 دوله و نستورد كل شيء من امريكا والغرب حتى الموضه ونبقى نحن العرب مرهونون الى الغرب وامريكا (مثل الطفل الرضيع اذا حاولت امه ان تفطمه قام يبكي ويصيح) بكقينا مزايدات يجب ان ننظر الى انفسنا اين نحن من العالم؟
27-07-2009 12:47 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات