إدارة الأزمات


قبل ثلاثة أشهر توجهت إلى مكتب رئيس إحدى الجامعات الأردنية الخاصة وتم عقد إجتماع عمل بحضور رئيس الجامعة وأحد أعضاء مجلس الأمناء والدكتور المسؤول عن مركز الإستشارات وتم بحث موضوع هام جدا يتعلق بتحضير مساقات ثلاثة مواضيع هي :

1: إدارة الأزمات

2: إدارة الأمن القومي

3: الإستراتيجية بين التخطيط والتنظيم

ولقد قمتُ بإعداد المساقات المطلوبة وتعبئة النماذج الخاصة لهذه الغاية والتي تتضمن المقدمة والأهداف وموضوعات البرنامج والأساليب التدريبية والتقنيات الستخدمة ولقد تم إرسالها إلى وزارة التعليم العالي قبل شهرين ولا زلنا ننتظر حتى هذه اللحظة إقرار هذه المساقات والموافقة على عقد دورات تدريبية لتدريس هذه المواضيع الهامة والتي تؤثر على مستقبل الوطن.

لقد تابعت طوال الأسبوع الماضي مثلي مثل كافة المواطنين إبان العاصفة الثلجية الكثير من التعليقات والنقد من خلال المواقع الإلكترونية ومحطات التلفزة المختلفة نظراً لإنقطاع الصحف المحلية . ولعل ما لفت نظري هو مقال الأخ خالد المجالي المنشور في موقع كل الأردن الإخباري بعنوان ( العاصفة الثلجية .. والمركز الوطني لإدارة الأزمات ) ولقد تابعت العديد من تعليقات الأخوة الذين تناولوا نص الرسالة الملكية التي وجهها جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم بتاريخ 23 كانون الثاني 2008 إلى سمو الأمير علي بن الحسين حفظه الله يعهد فيها إلى سمو الأمير بتأسيس المركز الوطني للأمن ولإدارة الأزمات وتساءلوا لماذا لم يتم حتى هذه اللحظة إتخاذ الإجراءات القانونية لإقرار هذا المركز وتمكينه من تولي مسؤولياته .

وتساءل البعض الآخر عن الأداء الحكومي لا سيما فيما يتعلق بإنقطاع التيار الكهربائي عن العديد من المناطق السكنية في بعض المحافظات وأشادت محطات التلفزة والإذاعة بجهود النشامى من القوات المسلحة الأردنية والدفاع المدني والأمن العام .

ولقد طالعنا دولة رئيس الوزراء بإتخاذ قراره الفردي العتيد بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء بعد مطالبة الشعب الأردني بالعودة إلى التوقيت الشتوي وتفعيله تماما كما كان منذ عقود.

ولقد تفنن الكثير من الأخوة الكتاب في تعداد وذكر الأزمات بل أعجبي تعليق أحدهم وقال " بكل بساطة في كل سنة نتعرض إلى الأزمات الطبيعية فبعضها الأمطار الغزيرة وبعضها العواصف الثلجية ففي الدول المتقدمة هناك كاسحات للثلوج وهناك شاحنات لرش الملح على الثلج وهناك آليات لتنظيف الشوارع عن طريق شفط الثلج من الشوارع ورشه على جنبات الطرقات فلماذا لا نتعلم من أخطاء الماضي ولماذا لا نشتري هذه الشاحنات بدلا من زيادة أعداد النواب من 120 نائب إلى 150 نائب فإن مصاريف ال 30 نائب زيادة العدد تغطي نفقات شراء هذه الشاحنات ".

ولم تخل نشرة إخبارية عن تغطية أنباء الأخوة اللاجئين وظروفهم الصعبة القاسية ولو نظرنا إلى تاريخ الأردن وموجات اللاجئين التي استقرت واستوطنت فوق أرضه بدءا بعام 1948 و1967 و1975 و1990و 2011 منذ بداية الأحداث في سوريا .

في عام 1990 استقبل الأردن أكثر من مليون ونصف لاجىء من الكويت من مختلف الجنسيات أي ما يعادل نصف سكان الأردن في ذلك الوقت ولقد تم منذ اللحظات الأولى تشكيل لجنة عليا مسؤولة مسؤولية مباشرة عن اللاجئين القادمين من الكويت برئاسة أمين عام وزارة الداخلية وتم التعامل مع هذه المشكلة بكل كفاءة واقتدار فنحن لدينا تجارب كثيرة مع موضوع اللاجئين والسؤال هنا لماذا لم نتعلم من دروس الماضي ولماذا لم نضع خطة سليمة في إدارة أزمة اللاجئين السوريين .

في الأردن لدينا الكثير من الأزمات المختلفة في الكثير من المجالات وهي تختلف من موضوع لموضوع ولا يجوز تحميل المركز الوطني لإدارة الأزمات أعباء هذه الأزمات قبل أن يولد وهناك خطأ كبير في فهم دور وواجبات هذا المركز لأن الحكومة هي التي تتحمل أعباء الأزمات وهي التي تتولى إدارتها وهي المسؤول المباشر في التصدي لهذه الأزمات واتخاذ القرارات لمعالجتها .

في الدول المتقدمة هناك مجلس يعرف بإسم مجلس الأمن القومي وهو يقوم بجمع المعلومات وتحليلها وتقديم الحلول المناسبة لها بالإضافة إلى قيام المجلس بإستشراف المستقبل ومحاكاة ما يمكن أن يقع ورسم الخطط المستقبلية لكل الأخطار التي يمكن أن يتعرض لها الوطن لا سيما من النواحي السياسية والإستراتيجية الحربية ومواضيع الأمن الداخلي والأمن الإقتصادي .

إن موضوع إدارة الأزمات هو موضوع هام وعميق ومتخصص ويجدر إتاحة المجال للمتخصصين في هذا الموضوع للعمل على إثراء عملية النقاش والبحث وهذا لا يتم من خلال التعليقات المبتورة التي لا تفي هذا الموضوع حقه. لا سيما وأن الواجب يحتم على المختصين التقدمة لهذا الموضوع وتعريف القارىء بمفهوم إدارة الأزمات وتاريخ ونشأة وتطور هذا العلم ومن ثم التطرق إلى أنواع الأزمات والمشكلات والكوارث واختيار الأدوات المناسبة لإدارة الأزمات بالإضافة إلى ضرورة التقدمة واستعراض قواعد وأسس التعامل مع مختلف الأزمات وتحديد المبادىء الرئيسة للتعامل مع الأزمات ومناقشة كافة معوقات التعامل مع الأزمات المختلفة والأساليب المتبعة في مواجهة الأزمات تبعا للخصائص العامة والخاصة لكل أزمة بعينها. ولا بد من وضع استراتيجية قومية لمواجهة الأزمات تبعا لتأثيرها ومجرياتها ونوعها وهذا يقودنا إلى موضوع تكوين فريق الأزمات المحلية والإقليمية والدولية ومهام وواجبات ومكونات مركز إدارة الأزمات حتى تتضح لنا الإستراتيجية من خلال تحديد المراحل المختلفة لإدارة الأزمات وتحديد مهام وواجبات عمل فريق إدارة الأزمات من أجل البدء الفعلي في التعامل على أرض الواقع مع الأزمة .

إن كل موضوع من المواضيع الفرعية التي ذكرتها تحت عنوان إدارة الأزمات يحتاج إلى الكثير من الجهد والبحث والمعلومات وهو كما ذكرت أكبر بكثير من أن تتم تغطيته في مقال أو محاضرو أو تعليق .

إن الأزمات هي سمة من سمات الحياة وهي واقعة في كل زمان ومكان بدءا من بداية الحياة حيث كان الصراع من أجل البقاء ضد الطبيعة وفي طريق البحث عن لقمة العيش والإستمرار من خلال التطور التاريخي للمجتمع القبلي والمجتمع الزراعي والمجتمع الصناعي .

إن الأزمات تحكم علاقة الإنسان بالطبيعة وعلاقة الإنسان بالإنسان وعلاقة الإنسان بالحكومة وعلاقة الحكومات بعضها ببعض . وتتولد الأزمات عند وقوع أي إختلال بميزان العلاقات على المستوى الفردي والقبلي والحكومي والمستوى الوطني والإقليمي والدولي.

ومما لا شك فيه بأن الصراع بين مصالح القوى العظمى ومحاولتها السيطرة على الدول الصغيرة والإسئثار بمقدراتها وثرواتها أدى إلى وقوع صراعات عسكرية تمثلت بمجموعة لا تنتهي من الحروب العالمية والإقليمية ووقوع ثورات داخلية من أجل السيطرة على أنظمة الحكم . والصراعات ليست بالسهولة التي نعتقد فهي تخلق أزمات متعددة الوجوه ذات طبيعة زمانية ومكانية معقدة فهي تتخذ طابع القومية والطابع الديني والعقائدي والطابع السياسي وعليه فإن من الواجب علينا أن نتطرق إلى المفاهيم العامة والأسس التطبيقية لإدارة الأزمات وإتباع الأسلوب العلمي لسبر أغوارها وميادينها ووضع الأسس الإستراتيجية للتعامل مع شتى أنواع الأزمات بالإضافة إلى تكوين فريق متخصص في إدارة الأزمات الدولية والإقليمية والوطنية السياسية والأمنية والإقتصادية والتكنولوجية والطبيعية والصحية وإيجاد الحلول للتغلب على هذه الأزمات التي تعترض الحكومات المختلفة وشعوبها.

إن إدارة الأزمات هو علم جديد من حيث الزمن له قواعده وأصوله وهو فن يتطلب قدرات ومهارات خاصة بالإضافة إلى القدرة على الإبداع والتقدير السليم وهذه المهارات تنمو بالتدريب والمعرفة وتطبيق الأسلوب العلمي في تأهيل القيادات ويجدر بنا هنا أن نميز بين فريق وكادر التعامل المباشر مع الأزمة المسؤول المباشر عن اتخاذ الإجراءات المناسبة للتصدي لأزمة بعينها والحد من أخطارها والعمل على معالجتها والتعامل مع القوى التي صنعتها . وبين فريق إدارة الأزمة وهي إدارة مستقلة في الكيان الإداري تتصف بالديمومة والإستمرارية بحيث يتطلب هذا الفريق وجود متخصصين في مختلف أنواع الأزمات من أجل وضع الخطط المناسبة لكل نوع من أنواع الأزمات فمعالجة الكوارث الطبيعية مثل السونامي والفيضانات و الهزات الأرضية والزلازل وثورات البراكين المختلفة وهذه الأزمات ترتبط غالبا بمدة زمنية محددة تختلف عن معالجة انتشار الأوبئة والأمراض المعدية كما تختلف عن حدوث تسرب إشعاعي لمفاعل نووي كما هو الحال في مفاعل شيرنوبل الأوكراني ومفاعل فوكوشيما الياباني وتختلف أيضا عن وقوع هجوم مسلح نتيجة استخدام أسلحة كيماوية كما كان الحال في الحرب العالمية الأولى أو استخدامها في الأحداث السورية عام 2013 في الغوطة الشرقية والغربية . أو استخدام أسلحة نووية كما هو الحال في الهجوم على ناكازاكي وهيروشيما إبان الحرب العالمية الثانية كما تختلف عن الأزمات الناجمة نتيجة الجفاف وانتشار المجاعات . والأزمات الإقتصادية كما حدث في الولايات المتحدة نتيجة وقف تصدير النفط عام 1973 أو الأزمات المالية الناجمة عن التلاعب بأسواق العملة والبورصة التجارية . من كل ما تقدم فإنه من الصعب جدا تحديد تعريف واحد جامع للأزمة التي هي أصلا نتيجة نهائية لتراكم العديد من التأثيرات أو حدوث خلل مفاجىء يؤثر في المقومات الرئيسية للنظام . وإن ما يهمنا هنا هو البحث عن كيفية التغلب على مختلف الأزمات بالأدوات العلمية والإدارية المختلفة بالوسائل المتاحة . وإنني أرفق بطيه محتوى مساق دورة إدارة الأزمات موافقة وزارة التعليم العالي لإقرارها .



تعليقات القراء

د.ماجد مساعده
شكرأ للكاتب على هذا المقال .لقد كان طرح هذا الموضوع يناقش بخجل ولكن الأن اصبح يطرق بقوة، وعلى فكرة كثير من الدول العربية تشارك بدورات ادارة الأزمة في مراكز التدريب في الأردن ليس على مستوى الأجهزة الأمنيةفقط ولكن لكل المؤسسات ذات العلاقة، ونحن لازلنا نتحدث عن فزعات،اتمنى ان تعطى الفرصة للكثيرمن المبدعين في ادارة الأزمة،وبمشاركة جميع مؤسسات المجتمع
21-12-2013 03:29 PM
DR ENG RIDA ALSHBOUL
الازمة الثلجية المصطنعة و غيرها من ازمات الطاقة والغذاء و المرور و النقل
و التلقين العالي و البطالة
تثير كثير من الاسئلة الكبرى
اين نحن من التطور البشري العلمي التكنولوجي العالمي حيث اصبحنا مقيدين
لا حول لنا و لا قوة

ما اعرفه ان الامم تستخدم الكمبيوتر
ليخدمها لا لتخدمه الا عندنا
هذا حالنا يا دكتورنا الفاضل
فقدنا مقالاتك منذ زمن
و شكرا

21-12-2013 09:42 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات