نقيق الضفادع


نمت ذات ليلة (وكنت في زيارة لأحد الأصدقاء )، بالقرب من نبع ماء عذب يعلو الوادي الطويل المكتظ بأشجار الفاكهة والتي كانت آنئذ تلبس حلة من النوار الجميل ، كلٌ لها لونها وألقها وخصوصيتها وحتى رائحتها العطرية ، هكذا نومة جاءت مصادفة لم أخطط لها من قبل ، هي ليلة ربيعية جميلة للغاية لم أذكر في حياتي متعة توازي تلك المتعة ، حيث لم أستطع نسيانها أو مسحها من الذاكرة أبدا ، لكن المفاجئة التي خلصت لها ، أن سهرتي طيلة تلك الليلة كانت على وقع نقيق الضفادع التي تعيش بذلك الوادي.

لم تهدأ الأصوات حتى هدأت جفوني من السهد ، وغمضت أجفاني عنوة ، واستقرت النفس بنومة حالمة ، كانت هي الأجمل في حياتي . دروس وعبر خلصت إليهما خلال سهرتي مع نقيق الضفادع ، واكتشفت بأن لهذا المخلوق الضعيف الرقيق صوتا يتجاوز الآفاق إلى بضع مئات من الأمتار ..

صوت مرتفع ومزعج للغاية كما أن النقيق لم يكن على نسق واحد أبدا ، وكأن كل ضفدع يغني على ليلاه ، لم تكن تلك الأصوات بوقع واحد أو نغمة واحدة ، بل كانت تثور كلها ثورة واحدة وبلا ترتيب ، أو نوتة موسيقية ، فلا تصمت حتى الصباح ، أنغام مبعثرة لا تتفق أبدا مع أي نغم تعودنا عليه في موسيقانا العربية ، ولقد درست الموسيقى ، حتى أتقنتها ، فتوقفت عنها لأسباب لا مجال لذكرها هنا ..

وقبل أن أخوض بصلب الموضوع الذي أنا بصدده ، كان لهذا العنوان سببا إيجابيا دعاني للكتابة وبلا حرج ، وسوف أختصر على البعض تطفلهم ، إن هم جاءوا لمهاجمتي أو انتقادي بدون سبب وجيه ، لأنه وكما يحلو للبعض في بعض الأحيان ، يسخر قلمه للنقد ، ويمعن بالإساءة قبل أن يكمل قراءة المقال ، كي يخلص إلى أهم الحقائق التي أعنيها في مقالي ...

العاصفة الجوية التي جاءت قبل أيام ، كانت سببا في كشف المستور ، وتعرية عيوب الكثير من مؤسسات الدولة من أكبرها إلى أصغرها وكذلك الحال بالنسبة لمسئوليها ، ومن المؤسف أن مؤسسة واحدة لم تفلح في تقديم مهامها بجدارة وبما كان يتوقعه الناس منها .. كانت الأصوات تتعالى ، والإعلام المرئي والمسموع يشكل عبئا على أذن السامع وبصر الإنسان الذي حالفه الحظ وبقي البث عنده ممكنا . وحقا فإننا ما كنا نرى من خلال تلك الفوضى والصرخات سوى البهرجة والاستعراضات والمخادعة ، ولم أجد أبدا في تلك المظاهر السلبية سوى الاستعراض والكذب .

رجال القوات المسلحة .. والأمن العام ، والدفاع المدني ، كانوا هم وحدهم العاملون في الميدان ، وحدهم ، كانوا يعرفون واجباتهم وعملهم بدون أوامر وبدون توجيهات خاطئة ، معظمها كانت توجه نحو شوارع ومنازل الأشخاص المهمين والمتنفذين في االدولة ..

رئيس الوزراء ، كان يسير في إحدى الشوارع ، وبنفس الوقت يتبعه أحد الأشخاص يحمل مظلة فوق رأسه لتحمي شعره الذي كان قد سرح بعناية .. ولم أجد أبدا في زيارته وخروجه من منزله الذي يحتوي على عشرات المكيفات ربما أي مبرر ، حيث لم يماثل عمر بن الخطاب ، الذي كان يحمل على ظهره كيسا من الطحين أو البر أو الثريد ويطوف ليلا بفقراء المسلمين ، أبدا لن نتوقع من عبدالله النسور أن يخلف عمر بن الخطاب بالرغم من علو منصبه ، ومسئوليته الكبيرة في الدولة الأردنية ، سبعين بالمائة من المواطنين الأردنيين الذين أصبحوا لاجئين في بيوتهم وفي بلداتهم ، كانت تعيقهم أسطوانة الغاز ، أو صفيحة كيروسين للتدفئة .

لم تبلغ صيحات المواطنين الغلابا أسماع عبدالله النسور كما بلغت أسماع المعتصم صرخة امرأة أسرها الروم ، في حين لم يكن أيامها لا هواتف ولا جوالات ولا اتصالات .. على اتساع رقعة الدولة الإسلامية .

في أيام العاصفة العصيبة ، أغلقت علينا المنافذ جميعها ، حتى أبوابنا لم تعد تسمح لنا بالخروج إلى من المنزل ، لأن المعيقات كانت كثيرة .. قطعت عنا الكهرباء ، وقطعت عنا الاتصالات ، التي تديرها شركة أورانج الأردنية ، بعكس أورانج الإسرائيلية ، التي كانت تأتينا منها بين حين وآخر الرسائل أو كل خمس دقائق أو أقل ، مرحبة بوجودنا ضيوفا على دولة إسرائيل ، لكن أورانج الأردنية لم تفلح أبدا بفك هذا اللغز العجيب ، وهو أن عاصفة ثلجية تمنع عنا البث بكل أشكاله وتبقينا بمعزل عن كل ما يهمنا وما نحتاجه في اتصالاتنا ..

وعد مني بأنني سأقاطع شركة أورانج ، وسوف أنصح أصدقائي بضرورة مقاطعتها لأنها أصلا ليست أردنية ، وإننا على الصعيد الشعبي يجب أن نقوم بمقاطعة كل الشركات المخصخصة والمباعة لأعداء الأمة ..

لكني هنا وبوحي من ضميري .. أوجه شكري الحزيل إلى شركة اتصالات أمنية التي لم ينقطع بثها عن المواطنين في أحلك الظروف وحتى هذه اللحظة ..

إنني لا أطالب النسور بالتصدي للجبهة الثلجية بصدره ولا بذراعيه ، لكني أطالبه بالاستعداد هو وحكومته كل حسب تخحصه وصلاحياته ، وأهليته لمواجهة مثل هذه العواصف بالأساليب الإيجابية ، لا بالخطب ولا بالاستعراضات ولا بالمغالطات ، وهو حينما يقول في مجلس النواب : لقد حذرت من العاصفة الثلجية قبل حلولها بيومين ، فماهي الفائدة التي نجمت عن هذا التحذير ، فمحافظة عجلون مثلا شأنها شأن بقية المرتفعات ، تكون دائما أكثر عرضة للعواصف الثلجية وموجات البرد من غيرها .. ليسمح لي عبدالله النسور بسؤال : هل بلغكم بالضبط كم آلية من الآليات المختصة كانت صالحة خلال هذه العاصفة في الجهات المسئولة في عجلون ؟ وهل أعددتم كشفا دولتكم لمحاسبة المقصرين على كل صغيرة وكبيرة كانت سببا بأضرار الناس المادية والمعنوية ؟


العاصفة الثلجية كشفت المستور كما أسلفت ، وأبانت للملأ بأن إعلامنا كاذب ومضخم للأمور ، ولم يتطرقوا إلى أحوال الناس في مواجهة الصقيع ، وزيارتهم ميدانيا للإطلاع على الحقائق المرة ، هم أناس فقراء لا يملكون من مقومات الحياة ولا حتى الشيء اليسير ، نظرا لفقرهم وعدم تمكنهم من الاستعداد لمواجهة الأعاصير والعواصف الثلجية .. عاشوا أياما عصيبة بلا كيروسين ولا غاز ولا أي مادة يمكن استخدامها للتدفئة في هذه العاصفة الباردة .

جلالة الملك عبدالله .. ذلك الإنسان الذي شهدت بإنسانيته وشجاعته وحبه لأهله ووطنه ، كل محافل الدنيا ، طار إلى جهات مختلفة ، بطائرته الهليوكبتر ، بما يترتب على هذا الطيران من مخاطر في ظروف جوية صعبة للغاية ، لكنه آثر أن يذهب بنفسه مخاطرا ليتفقد أحوال الناس الفقراء المعزولين خارج أسوار البرجوازية ، ويحمل معه الخبز والمؤن والمعونة لكل المحتاجين ، والذين حسب تقدير جلالته وتقديراته ، كانوا هم أحوج الناس إلى المساعدة والمعونة الفورية التي لا تحتمل التأجيل ، فكان يطمأن على أحوالهم ، وكان يترجل من طائرته وحيدا ، ولم يكن معه مرافق يحمل مظلة فوق رأسه ، لأنه يعرف كيف يساوي نفسه بأفقر المواطنين ، وأقلهم حظا .

هو ملك عالي المقام ، رفيع المنزلة ، عظيم الهمة ، هو شجاع مقدام يؤثر رعيته على نفسه ، هو نسر أشم ترقى هامته فوق الثريا ، فلا يمكن له أن يماثل أبدا أولئك الهوام الذين ملئوا الدنيا صراخا ونقيقا كنقيق الضفادع الذي أومأت إليه في معرض مقالي ، وبلا فائدة ولا هدف .. غير أنهم كانوا يستعرضون شخصياتهم ، باستخفاف أمام كاميرات المصورين ، مخادعين بذلك الشعب المسكين ، الذي يفتقر إلى الدفء ومقومات الحياة ، التي لم يعد بإمكان المواطن العادي أن ينعم بها في ظل حكومة فاشية ، كما ينعم كبيرهم عبدالله النسور .

إنني هنا .. حينما أشيد بمواقف جلالة الملك ، لم يكن هدفي أبدا ، سوى رصد مكارم جلالته ، وبيان مدى ما يحمله هذا الإنسان في قلبه الكبير ، من بر وإحسان وخلق وفضل وعطف على أبناء شعبه . لم يكن هدفي أبدا أن يضع لي كائنا من كان نيشانا أو وساما على صدري ، لأنني أعتبر شهادتي هذه بحق قائد الوطن هي أعلا وسام وأرقاه رفعة ومقاما ... وكم أتمنى على كل من نال ثقة جلالة الملك في أن يكون معينا له في تولي مهامه القيادية ، أن يخلص النية لله وللمليك وللوطن ، وأن لا يخون من ائتمنه ولو بشق تمرة ..

إن في الوطن أصوات تتشابه إلى حد كبر مع نقيق الضفادع ، تهاجم جلالة الملك أحيانا ظلما وعدوانا وافتراءا على الحقائق ، ليس لديهم أية بينة تمنحهم الحق للقيام بهذا الهجوم ، يسمون أنفسهم أحيانا الإصلاحيين ، أو المعارضين ، فبأي صورة يمكنهم أن يعارضوا وأن يصلحوا بمعزل عن وجود قائد شجاع وعادل يقودهم إلى العدل والحق ، أم أنهم يسعون إلى خراب البلاد ، وإذلال الناس والعباد ، وتدمير ما تبقى من مقومات الوطن الذي لم يعد به من المقومات شيء يذكر بسبب وجود اللصوص الذين نهبوا ثروات البلاد ومقدراتها ومقوماتها وباعوا كل شيء حتى الشعب هو الآن في رسم البيع ..!! والأغرب من ذلك فها نحن نراهم عادوا بثقل أكبر وقوة أكبر وتولوا مسئوليات لا تصلح لمفسدين أمثالهم ، وكان على الحكومة أن تستبعد كل من أشارت له أصابع الاتهام بالسرقة والفساد واللصوصية من قريب أو من بعيد ..

الحقيقة المرة التي يراها من أسموا أنفسهم بالمعارضين والإصلاحيين في معرض مقالي هذا ، هو أنهم يعادون النظام الملكي القائم على أرض المملكة الأردنية الهاشمية ، بلا دليل ولا برهان ولا بينة يقتنع بها أي إنسان عاقل ، وكم أتمنى على هؤلاء ، أن يعلموا علم اليقين بأننا كأردنيين ، لا نريد إصلاحا كإصلاحكم ، ولا معارضة كمعارضتكم ، فإن أردتم الإصلاح ، فاطلبوه من لدن عبدالله النسور وزبانيته ، من الوزراء والأعيان والنواب الذين يقودون البلد واقتصادها إلى الهاوية والضياع ، فهم يطبقون نظام التقشف المميت على سبعين بالمائة من الشعب وينسون أنفسهم .. هم نسوا الله فأنساهم أنفسهم ..

ندائي هذا موجه إلى سيدي صاحب الجلالة الحر الشريف ، إلى قائد الوطن ، أن ينتبه للمسيرة ، وينتبه للمركب الذي تقوده حكومة عبدالله النسور ، بحجة الإصلاح ، والنهوض بالاقتصاد على حساب مقومات أبسط قواعد العيش لدى المواطن الفقير ..

يا جلالة الملك ، إن سبعين بالمائة من الشعب ، أصبحوا الآن دون خط الفقر المميت ، لقد استدانوا وباعوا بيوتهم وعقاراتهم وأراضيهم من أجل أن ينعموا بعيش أقل من حد المعقول بخمسين بالمائة ، وبيع العقارات هو من المخططات التي نجح أعداء الأمة في إقحام هذا الشعب كي يبيعوا ما يملكون من أجل الحصول على مالا يملكون من مقومات العيش ..

وكم أتمنى على كل من يدعي العدالة والحكمة أن يبدأ بنفسه ، مصلحا ومتقشفا ، فاتحا المجال أمام الشعب الجائع الفقير المسكين كي يعيش عيشة البشر ، لا عيشة الضباع ، يقتاتون على الجيف واللحوم التالفة الفاسدة ، وعلى الأرز والحبوب العفنة ، وعلى الأسماك الفاسدة ، وعلى المنتوجات الزراعية المسرطنة ، وعلى المعلبات منتهية الصلاحية ، وعلى مصانع العصيرات والشيبس التي ستخلق لنا في المستقبل القريب لا سمح الله ، جيلا من المرضى والمسرطنين في غضون بضع سنوات فقط إن لم نتدارك الأمر ..

قبل بضع سنوات ، وكما سمعت بأن لجنة شكلت في جامعة العلوم والتكنولوجيا ، من أجل عمل دراسات على بعض أنواع الشيبس والعصائر التي يتعاطاها الأطفال .. فخلصوا إلى نتائج مذهلة ، حيث وجدوا بأنها مسرطنة ، وتضر بصحة أطفالنا ، والمستقبل بناء على هذا يبشر بجيل مريض مسرطن بكل المقاييس .

نناشدكم يا جلالة الملك بأن تقفوا على كل كلمة جاءت بمقالي هذا بنفسكم ، وكلي أمل وثقة ، بأنكم لن تترددوا أبدا بالأمر على أصحاب الاختصاص من المخلصين الشرفاء ، بالاستعجال باتخاذ القرار المناسب لمنع استفحال مثل هذه الكوارث ..

حفظ الله جلالتكم ، وأيدكم بنصر من عنده ، ونحن سيدي سنكون دائما وأبدا عند حسن ظنكم بنا ، جنود أوفياء مخلصون إلى مقام جلالتكم ، ودمتم مولاي المعظم .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات