عن عزيز الدويك ومرج الزهور وسيرة أروع الرجال *


ثمة جيل فلسطيني كامل لم يعايش واحدة من أجمل الملاحم في التاريخ الفلسطيني الحديث. إنها ملحمة مرج الزهور التي مضى عليها 17 عاما ، والتي سبقت اتفاق أوسلو ، بل ربما ساهمت في تسريع توقيعه: هي والعمل المسلح الذي أطلقته حماس والجهاد بعد وصول انتفاضة الحجارة إلى طريق مسدود وتحولها إلى عبء على الشعب الفلسطيني أكثر منها عبئا على الغزاة.

في ملحمة مرج الزهور ، ومعها انطلاق مسلسل البطولة والاستشهاد بقيادة عماد عقل وتاليا يحيى عياش أدرك الغزاة أن جيلا جديدا أخذ يتصدر القضية ، وسيحوّل مسارها نحو خيار مكلّف ، فتم تحويل عبء مواجهته إلى اتفاق أمني بائس اسمه اتفاق غزة ـ أريحا أولا ، أو اتفاق أوسلو.

على مرمى صرختين من وجع الوطن. هناك في قرية لبنانية جنوبية اسمها مرج الزهور ، انزرع أكثر من أربعمئة من أروع ما أنجبت فلسطين من رجال (غالبيتهم من حماس والباقي من حركة الجهاد) ، فتحلق العالم من حولهم يرقب ويراقب حركتهم وخطابهم. حتى أبناء الجنوب اللبناني الذين عرفوا مقاتلين من نماذج مختلفة خلال سنوات طويلة فوجئوا بهؤلاء الرجال ، بصلابتهم ، بروعتهم ، بالنموذج الذي يقدمونه.

كان من بين أولئك الرجال الدكتور عزيز الدويك ، ذلك الخليلي الجميل المحيا ، المتحدث البليغ باللغة الإنجليزية ، والذي يتحلق الصحافيون الأجانب من حوله ليسألوه عن فلسطين وعن حماس والمقاومة ، وعن مطالب سكان المخيم الجديد ، فكان يحدثهم عن إرادة العودة إلى الوطن وكسر سياسة الإبعاد التي كانت واحدة من أدوات الإرهاب الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني.

في تلك الأيام عرف العالم كله عزيز الدويك ، وقبله ومعه ، وإلى جانبه ثلة من نجوم فلسطين الذي سيحتلون مساحات الأخبار بعد ذلك ، يتصدرهم البطل الرائع عبد العزيز الرنتيسي.

لم يكن حرص أولئك على العودة إلى الوطن نابع من الحرص على الحياة والأعمال والمشاريع ، ولو ظلوا في الخارج لما تعبوا في تدبير أمر معيشتهم ، لا سيما أنهم جميعا حملة شهادات وأصحاب كفاءات ، لكنه الحرص على الوطن والاستعداد للموت من أجله ، هو الذي باركه رب السماوات ، ومنح الدرجات العلى لمن يبذل الروح في سبيل تحريره من دنس الغزاة.

خلال السنوات التي تلت وإلى الآن ، سيتوزع جحافل من أولئك الرجال بين الشهادة والأسر (يقبع بعضهم هذه الأيام في سجون السلطة ، ومنهم من اعتقل فيها سنوات أيام أوسلو ، بينما عاد كثير منهم من مرج الزهور مباشرة إلى سجن المحتل ، وكان يعلم بذلك قبل عودته).

على درب الشهادة رحل كثيرون يصعب حصرهم ، من أولئك الذي التقيناهم في الخيام ذات شتاء قارس في تلك القرية اللبنانية الجنوبية عام :92 يتصدرهم الرنتيسي نفسه الذي سيغدو القائد بعد الشيخ الشهيد أحمد ياسين ، وسعيد صيام ، وكذلك زينة أبطال الضفة الغربية الشهيد جمال منصور ورفيقه في استقبال صواريخ الغزاة الشهيد جمال سليم ، وكذلك محمود أبو هنود ويوسف السركجي نجمي كتائب القسام في جبل النار.

لم يغب عزيز الدويك عن المشهد تماما ، لكنه انشغل بتربية أجيال من الرجال في الجامعات ، وليعود إلى الواجهة بعد سنوات في انتخابات المجلس التشريعي الذي سيغدو رئيسه بعد فوز حماس. وكما كان إبعاده بسبب عملية اختطاف الجندي الصهيوني نحشون فاكسمان ، وقع اعتقاله لثلاث سنوات بعد عملية الوهم المتبدد التي اختطف فيها الجندي شاليط.

وفيما يبدو أن هناك من أوصى بزيادة مدة سجنه بضعة شهور أخرى حتى لا تتوفر شرعية قوية في مواجهة شرعية أخرى انتهت منذ شهور ، فقد وقعت المفاجأة بقرار قضاة المحكمة الصهيونية الإفراج عنه بسبب كبر سنه والأمراض التي يعاني منها ، هو الذي يقترب حثيثا من السبعين. ومن أوصوا هنا ، هم أنفسهم الذين دعوا إلى إفشال صفقة شاليط حتى لا تعطي حماس مزيدا من القوة والشرعية. وهؤلاء سيضيّقون لاحقا عليه كما فعلوا ويفعلون مع إخوانه النواب الذين خرجوا من السجن بينما بقي أربعون منهم فيه إلى الآن.

تذكّرنا حكاية الدويك وإخوانه بعبثية الديمقراطية تحت الاحتلال ، في ذات الوقت الذي تذكّرنا فيه بأولئك الذين لا يتورعون عن هجاء هؤلاء الرجال والحاضنة التي صنعتهم ، بينما يدافعون عمن يتنعمون بمزايا المحتل وعطاياه الكثيرة المعروفة.

يا رب السماوات ، كيف تستوي الألوان في تلك العقول ، وكيف ينام الضمير مرتاحا بعد ذلك؟،



تعليقات القراء

الحارث/مادبا
لله در هؤلاء الرجال الرجال الذين كم نحن بحاجه الى امثالهم لتبديد ليل العبودية
23-06-2009 09:51 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات