المتسولـون *


ان ظاهرة التسول ليست طارئة على المجتمعات العربية بوجه خاص والمجتماعات العالمية عموماً. ونشوء المدن وازدحاماتها القاسية هو الفارز الاول لمثل هذه الظاهرة ، ذلك ان المتسول لايستطيع الكشف عن طبعه التسولي والاحتياجي في مجتمع ريفي ضيق ، او في بلدة محدودة العمران. والعواصم هي المُنتجة الاولى للتسول.

وفي خمسينيات وستينيات القرن الفائت قلما كان يطرق باب البيت اي متسول باستثناء عجائز نائيات في الاقامة والمكان ، او امرأة غجرية تطعم تسولها بمهارة رمي الودع على قطعة قماشية كي تعري وجه الغيب مقابل بضعة قروش. وكان الناس يذهبون الى العائلات المستورة الى بيوتها كي يقدموا لها الاعطيات والزكاة من النقود والملابس وباقي الاحتياجات الحياتية. آنذاك لم يكن المانح يمن على الفقير ولم يكن الفقير يشعر بقلة الحيلة او طأطأة الرأس.

لكن في هذه الايام تحول التسول الى ظاهرة صارت تتقنع بألف شكل وشكل. فهناك الشاب الذي يمتلك قامة بغلية وينتقي منطقة حرجة عند شارات المرور ، ويحمل بيده الغليظة والسميكة بعض العلكة التي لاتتناسب مع فتوته ورجولته كي يتسول من سائقي السيارات وركابها وبيع العلكة باسعار مضاعفة عن سعر هذه السلعة التافهة.

وهناك الرجل المسن الذي يرتدي اللباس العربي بكامل قيافته ويختار رصيفاً ويجلس طوال النهار مادًّا أكفه للعابرين فوق هذا الرصيف.

وهناك المرأة التي ما ان تراها حتى تكتشف بقايا المساحيق التجميلية النائمة فوق ملامحها ، وهي تقتعد الرصيف في وسط البلد تاركة الذباب يأكل وجه الطفل الذي لم يتجاوز عمره الخمسة اشهر ، مطلقة صوتها المكسر للمارة وهي تستجدي منهم النقود.

وهناك من يقتحمون المساجد ويتوقفون بانتظار انتهاء المصلين من صلاتهم حتى يبدأون باطلاق خطبة عرمرمية عن وضعهم التسولي وحاجاتهم الملحة للنقود.

وهناك بعض النساء المنقبات اللواتي اخترن مجمعات الحافلات ليصعدن اليها لحظة اكتظاظ الحافلة بالركاب ثم تبدأ الواحدة منهن بتقديم عرض حالها واحوالها.

وأخر تقليعة في التسول هي تلك المرأة الوقورة جداً التي ما ان تراك حتى تقترب منك وتعرض عليك حالتها الاحتياجية بعد ان تجعلك تعتقد انه من المستحيل ان تُقدم هذه المرأة الوقورة المتزنة على مثل هذا الاستجداء لولا حاجتها الملحة.

المتسولون ظاهرة تحتاج الى الاجتثاث الجدي الذي يتعاون من خلاله المواطن مع الجهات المختصة.

المتسولون الذين يسرقون عرق الآخرين ، صاروا عصابات منظمة تتفشى في مجتمعاتنا وتستغفل الناس وتشوه مفهوم الصدقات.

المتسولون .. اللعنة يكفي انهم لا يعملون.

 

khaleilq@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات