إلى كل خطيب محمود


بعض الآيات القرآنية الكريمة و الأحاديث النبوية الشريفة بل حتى الحكم و الأمثال و الأشعار أو الأناشيد و الألحان و المؤثرات الصوتية قد يحمل معنى خاصا عند مستمعه يختلف عما يحس به الآخرون ، و قد يرتبط ذلك غالبا بالمحيط النفسي و الاجتماعي الذي سمعها فيه الشخص لأول مرة ، و تظل هذه الحكمة أو ذلك البيت من الشعر يتردد صداه في قلب و عقل مستمعه و على لسانه حتى يعرف به بين جلسائه و ندمائه .

و من أكثر الأحاديث النبوية المباركة التي تأثرت بها في هذا الباب – و منذ نعومة أظفاري- الحديث الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (تعس عبد الدينار ، تعس عبد الدرهم ، تعس عبد الخميصة ، تعس عبد الخميلة ، تعس عبد القطيفة ، إن أعطي رضي و إن لم يعط سخط ، تعس و انتكس ، و إذا شيك فلا انتقش ، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله ، أشعث رأسه ، مغبرة قدماه ، إن كان في الحراسة كان في الحراسة ، و إن كان في الساقة كان في الساقة ، إن استأذن لم يؤذن له ، و إن شفع لم يشفع) .

لا أدري .. كلما قرأت هذا الحديث لنفسي أو للناس ، أو كلما شرحته و عشت في ظلاله ، لا أستطيع تمالك نفسي من التفاعل الذي يصل حد مدافعة الدموع خجلا من نفسي أو حياء ممن هم حولي ، هل لأنني من أشد الناس مخالفة لهذا الحديث مع أنني من أكثرهم تدبرا و فهما عميقا له بالذات ؟! هل لأن حال الأمة و مصائبها و اختلافها اليوم و تنازعها على السلطة الهزيلة الزائلة و تكالبها على الدينار و الدرهم هو أساس بلواها و سقوط هيبتها و ذهاب ريحها ؟! لو وعت الأمة هذا الحديث العظيم و طبقته نخبتها الواعية هل كنا نرى ما نراه اليوم في لبنان و فلسطين و العراق و أفغانستان و باكستان و إيران ؟! دعونا من العوامل الخارجية على أهميتها و الأعداء المتربصين على خطورتهم ، و لكن الحقيقة الناصعة التي لا تقبل المراء أن الداء في قلوبنا و نزفه و صديده تتجرعه نفوسنا المضمخة بالذنوب و المثقلة بالعبودية للدنيا و دنانيرها و دراهمها .

و من دقيق معاني هذا الحديث الكريم ما قاله العلماء في تأويل حكمة الذكر للساقة و هي مؤخرة الجيش و الحراسة التي هي في أطراف الجيش إذ قالوا (اختص هذين الموضعين بالذكر لأنه يخفى ذكرهما و يعظم خطرهما) .. إذا هو الإخلاص و الانتصار على الذات و اللذات و الخلوص من عبودية الشهرة و المصلحة و الزعامة و الوجاهة و العصبية و القبلية و الحزبية و الشخصنة ، هذا هو طريق الخلاص للإنسان فردا كان أو أمة ، و صدق الرسول صلى الله عليه و سلم عندما قال (لا الفقر أخشى عليكم و لكن أخشى أن تفتح عليكم الدنيا كما فتحت على الذين من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم) .

www.hishamkhraisat.com



تعليقات القراء

محمود
انت ايها الكاتب المحترم اول من ينطبق عليك هذا الحديث فقد سعيت منذ ريعان شبابك وراء الدرهم و الدينار و هجرت علمك و هندستك جريا وراء المال و و اقتحمت الإعلام و القنوات الفضائية و الإذاعات سعيا خلف الكسب السريع و تاجرت بالأراضي و العقارات عبادة للذهب و الفضة و تنكرت لمن أحسنوا إليك و بعت مبادئك بالقليل القليل من الدراهم و الدنانير و أنت الآن تعيش وسط أكوام من الدولارات و الريالات
20-06-2009 10:14 AM
فدوى ابراهيم
حديث رائع و تعليق جميل و عذب
20-06-2009 03:10 PM
الى (محمود) التعليق رقم 1
لا يجوز لك ان تتهم الناس بهذه التهم التي هي اقرب للسباب و الشتم ،، انا و غيري نعرف كاتب هذه السطور حق المعرفة ، و لعلمك فانه عاطل عن العمل منذ شهور و يجلس في بيته غارقا بالديون الثقيلة علما بأنه كان سببا في تشغيل مئات المهندسين و دلالتهم على الخير ، و لكن نحن في زمن ينطبق فيه المثل القائل : مات الذيب و تنمرد غنمها .... و الحصيني عمل شيخ الشباب
21-06-2009 02:23 PM
الحارث/مادبا
لافض فوك ايها المهندس كم نحن بحاجه الى سماع هذا الكلام في هذه الايام العصيبة التي قلبت فيها الموازين--- ونادرا مايسمع هذا الكلام الجميل من النخبه المثقفة--- ولاانكر انني ابحث كثيرا عنه ولااجده الانادرا--- وغالبا من جماعة الدعوة والتبليغ جزاهم الله كل خير
23-06-2009 09:42 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات