من الثورة الى الدولة (ايران جديدة) .. طريق شائك وصعب !


* .... فعلى خلفية التطورات الأقليمية والدولية شهدت الساحة الأيرانية الداخلية صراعاً بين تيار المحافظين , الذي يراهن على خط الثورة الأسلامية , وتيّار الأصلاحيين الذي يراهن على العمل السياسي البراغماتي مع الأوضاع الداخلية والأقليمية والدولية , ومع مجيىء العملية السياسية الأنتخابية الأخيرة , والتي كانت فرصة لوسائل الميديا العالمية في تضخيم وتفخيم هذا الصراع وتصويره للرأي العام الدولي على أنّه تنافس , وهو غير ذلك في حقيقته , لأسباب تعلمها العامة قبل الخاصة .

* ومما لاشك فيه , أنّ الأنتخابات الأيرانية الأخيرة ذات المشاركات الشعبوية الواسعة , آثارت حماسات غير عادية , أعجبت خصوم طهران الأقليميين والدوليين .... وجعلت الطبقة الوسطى الأيرانية ذات الآفاق السياسية الحقيقية أن تعبّر عن نفسها بنفسها , حيث يتم الرهان عليها على مستوى القوام الأيراني الداخلي في احداث الأنجازات والتغيرات المختلفة داخل مؤسسات الدولة الأيرانية ... بحيث قالت هذه الطبقة التي تمثل غالبية الشعب الأيراني المتعدد القوميات كلمتها النهائية والمتمثلة في أنّها لا تريد الشيء ذاته , الذي كان يقوم به نجاد وانما تريد المزيد - النوعي والكمي- منه ! .

* كما تشي هذه الأنتخابات الى تساؤل آخر وهو : هل ايران دولة ثيوقراطية بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى 100 % ؟ أم هي مزيج من هذا وذاك ؟ !

* ايران في ظاهرها دولة ثيوقراطية ... لكن في حقيقتها هي دولة تمزج بين الثيوقراطي والعلماني ... فقد تجسّدت الثورة على شكل دولة هي الجمهورية الأسلامية الأيرانية وتجري فيها انتخابات محلية وبرلمانية ورئاسية .... واستطاع قادة وكوادر الثورة أن يجعلوا من الثورة دولة تتعاطى مع معطيات العالم الحديث والمتمدن , وجعلوا العلماني في خدمة الديني لجهة قبول الأخير والتعاطي معه من الدول العلمانيه .

* وعودةً سريعة الى ماجرى مؤخراً في ايران من عملية سياسية , فقد انتصر المحافظون باغلبية كبيرة للغاية , تغير بموجبها توازن القوى الداخلي الأيراني بقدر كبير لصالح المحافظين ... ولم يكن توازن القوى هذه المرّة متقارباً بين المحافظين والأصلاحيين كما كان في السابق , حيث حصل نجاد على 25 مليون صوت بنسبة 62 % , ومرشح الأصلاحيين مير حسين موسوي على 13 مليون صوت بنسبة 33 % من اجمالي عدد الأصوات ... فأين سخونة المواجهة والتنافس في الأنتخابات كما صوّرتها وسائل الميديا العالمية  ؟! .

* والسبب يعود الى نجاح آداء حكومة نجاد ... وهو أداء حصد موافقة تأييد غالبية الرأي العام الأيراني ... وبالنتيجة كشفت الأنتخابات هشاشة موقف الأصلاحيين في مواجهة المحافظين , كما كشفت عن دور اقليمي ودولي موجه , تمثل في التضخيم الأعلامي في تصوير المعركة السياسية الأنتخابية , بأنّها تعكس تنافساً قويّاً مصيرياً بين تيار محافظ وتيار اصلاحي تآكل على مستوى القوام السياسي الداخلي والخارجي الأيراني .... تيار محافظ يسعى الى تعزيز القدرات الأيرانية , دون تقديم تنازلات للأطراف الخارجية الأقليمية والدولية , وتيار اصلاحي يسعى الى تعزيز القدرات الأيرانية عن طريق البراجماتية وتبادل التنازلات مع الأطراف الأقليمية والدولية .

* فالمحافظين راهنوا على المدرسة العسكرية – السياسية , بعبارة أخرى اعتمدوا على مفهوم أولوية الأمن القومي من اجل ردع الخطر الخارجي ... بينما الأصلاحيون راهنوا على مفهوم ضرورة أولوية التنمية الأقتصادية – السياسية – الأجتماعية – الثقافية – الفكرية لردع خطر التفكك الداخلي .

وايران ما بعد المشهد الأنتخابي  الصاخب داخليّاً اذ ستعمد الى تعزيز قدراتها العسكرية والأمنية مع تعاظم قوّة حرس الثورة على القوام المؤسساتي الأيراني وفي ذات السياق تزايد الضغوط الأقتصادية الداخلية , والمواجهات مع الأقليات والحركات المنشقة وتراجع في برامج الرفاهية الأقتصادية والأجتماعية .

* أمّا على المستوى الأقليمي الساخن , اذ تسعى ايران الى تعزيز الروابط مع حلفائها الأقليميين سوريا , قطر , حزب الله , حماس , حركة الجهاد الأسلامي... كذلك اذ تنهج ايران نهجاً آخر مختلف هذه المرّة مع من يختلف معها في رؤيتها للمنطقة من اطراف اقليمية عربية وغير عربية ... كما ستسعى الى تعاظم وتعزيز روابطها المختلفة مع دول اسيا الوسطى الحديقة الخلفية للأتحاد السوفياتي السابق   .... مقابل ذلك سوف تتزايد حركة الأستقطاب الأقليمي , مع سعي دؤوب وحثيث للحركات المنشقة الأيرانية الى استخدام مناطق في دول الجوار الأيراني , لجهة القيام بالعمليات العسكرية ضد النظام الأيراني .... كما ستسعى دولة الكيان الصهيوني – العبري الى المزيد من استهداف طهران وعملها الدؤوب لتشكيل تحالف دولي ضدها , وقد كان هذا واضحاً في آخر خطاب للنتن ياهو زوج سارة  .

* ولجهة وكيفية التعامل مع الملف النووي الأيراني ... سوف تزداد وتتفاقم الخلافات الأمريكية الأسرائيلية , والخلافات الأمريكية الأوروبية , والخلافات الأسرائيلية الأوروبية ايضاً, وهذا سيقود بلا شك الى ارتباك امريكي لجهة المفاضلة بين خيار التعايش مع ايران نووية , أم خيار استهداف القدرات النووية الأيرانية / الذي قد يكون بعيداً ... وكل المؤشرات ترشح الأول ... خيار التعايش الأمريكي مع ايران نووية  !

وفي سياق الوضع الدولي الحائر لجهة التعامل مع ايران بعد مشهد الأخيرة الأنتخابي ... سيكون للتوافقات الروسية الأوروبية سمة امكانية التعايش أيضاً مع ايران نووية.... مع تقاربات روسية صينية لجهة القبول بايران نووية , وانضمام الأخيرة الى دول تعاون شنغهاي وتمتعها بالعضوية الكاملة لمواجهة النفوذ الأمريكي في أسيا الوسطى و وضع قوات واشنطون والناتو في أفغانستان ,  مع احتمالية كبيرة لحدوث صفقة أمريكية روسية حول الملف النووي الأيراني , بحيث تكون موسكو الضامن الدولي المسؤول امام المجتمع الدولي لجهة سلمية البرنامج النووي الأيراني .... بسبب خصوصية العلاقات الروسية الأيرانية وتمايزها ازاء الكثير من ملفات الشرق الأوسط .

* ومن جهة أخرى موازية لما ذكر آنفاً , سوف تزداد الخلافات داخل مجلس الأمن الدولي باتجاه التعامل مع الملف النووي الأيراني ... حيث ما سيحدث في سيناريو الملف النووي الكوري الشمالي سيتم اسقاطه على الملف النووي الأيراني , مع سعي حثيث لدولة الكيان العبري – الصهيوني على تفعيل التسويق لمفهوم الخطر الأيراني للضغط على واشنطون لتعبئتها بمواجهة الخطر الأيراني , الذي جعله رئيس الوزراء العبري – الصهيوني أهم التحديات التي تواجه دولته والعالم في منطوق خطابه الأخير .

*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية*



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات