أمريكا وإيران في قصص الف ليلة وليلة


مازالت قصة ألف ليلة وليلة وخيوطها تنسج حتى وقتنا الحالي...لكن ليس كما في الزمن الماضي،زمن الملك(شهريار) وزوجته(شهرزاد)،بل مختلفة تماما في الشكل والمضمون ،إلا أنها تتفق في المعنى وهو الغزل المبني على الخوف، فالقصة الأولى زمن ذلك الحاكم اعتبرت من روايات وأساطير الأدب القصصي الخيالي،التي نجهل بعض المعلومات عنها يضاف على ذلك أنها قصة غير حقيقية،أشخاصها مجهولون لنا.وهذه القصة متعلقة بالملك شهريار وقصته الشهيرة مع زوجته شهرزاد التي كانت تروي له قصص من أجل النجاة بحياتها، بعد أن علم الملك بأن زوجته الأولى قد خانته مع عبيده في القصر ، فقرر الانتقام من زوجته وجميع الزوجات واحدة تلو الأخرة إلى أن جاءت شهرزاد صاحبة الذكاء والفطنة،ابنة الوزير التي سطرت لنا أعظم القصص وأروعها ، من خلال قيامها بسرد قصة يوميا لذلك الملك من اجل تأخير عقابه لها ، والنجاة من سيفه القاضي بقتل كل زوجة يتزوجها صبيحة ذلك اليوم ونجحت بذلك بعد مرار وألف ليله وليلة ...

أما قصة اليوم لألف ليلة وليلة ، فهي قصة غزل حقيقية ، بدأت أحداثها تتضح شيئا فشيئا، فالأمر هنا مختلف تماما عن تلك القصة الخرافية التي سردت زمن ذلك الملك ، وإن اتفقت في الفكرة ، لأن أهم ما ميز هذا العشق المتصل طويلا ، أنه تحقق في نهاية المطاف ، مسدلين الستار عن أعظم قصة غزل في التاريخ المعاصر، وأقصد هنا رسائل الغزل الأخيرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران ، التي كان آخرها قرارالأمس للسلطات الإيرانية، بإزالة المنشورات والملصقات التي تعادي وتسيء للولايات المتحدة الأمريكية ،ويأتي هذا الموقف استمرارا لتلك الرسائل التي بدأت منذ فترة طويلة.

فقصة ذلك الغزل الطويل الشبيه بقصة ألف ليلة وليلة بدأت معالمه بالظهور في الآونة الأخيرة خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية وإيران نجحتا تماما في تتويج رسائل الغزل المرسلة بينهما إلى حقيقة ، حيث وصل كل طرف منهما إلى مبتغاه في ظل علاقة بين مد وجزر، فقرار الأمس وان كان متواضعا إلا أنه أعطى انطباعا لايدعو مجالا للشك في أن إيران والولايات المتحدة الأمريكية ماضيتان في تعزيز علاقاتهما السياسية وحتى الاقتصادية ، رغم حدة وشراسة الرفض لذلك التقارب والتجاذب بين الدولتين اللتين أشبعتا العالم تصريحات مبهمة عبرعقود.

وينظر الخبراء المتابعين للشأن الإيراني الأمريكي بخطورة ذلك التقارب على بعض الدول العربية والخليج بالذات خاصة السعودية ألد خصوم إيران ، فالاولى بحكم موقعها الجغرافي ، وقوتها العسكرية في منطقة الخليج ،ونفوذها في العالم ،يساورها حلم منذ فترة بعيدة وهو السيطرة على الخليج العربي ،ابتداء بالعراق وانتهاء بالسعودية ؛ لتحقيق مشروعها الأمبراطوري الفارسي.

إن العرب ومعهم دول الخليج يخشون بشكل كبير من التقارب المفاجئ بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران الساعية لامتلاك القنبلة النووية، فلا يخفى على أحد أطماع الإيرانيين بالخليج العربي ؛ فالجمهورية الإيرانية تأمل منذ فترة طويلة للسيطرة على الخليج العربي ، من خلال إقامة حزام شيعي ، يتمثل الأول في السيطرة على العراق وسوريا ولبنان،وعند تمكنها من هذا الحلم ونجاحه تكون الفرصة مواتية للسيطرة على بقية الدول الخليجية،أومايعرف في نظر الإيرانيين (بالخليج الفارسي )؛ وبالتالي إنشاء إمبراطوريتها الفارسية.ناهيك عن احتلال إيران للجزر الأماراتية الثلاث الغنية بالنفط ، ومطالباتها على المستوى الرسمي والشعبي بضم البحرين للجمهوريةالإيرانية،باعتبارها محافظة إيرانية، واتهامها بإثارة الانتفاضة في البحرين ، وبعض الدول العربية كاليمن ولبنان ، بالإضافة للتصريحات الإيرانية على مستوى الوزراء في أكثر من مناسبة ، حيث اعتبروا فيها العراق والخليج بما فيه السعودية جزءا من الإمبراطورية الإيرانية،التي تسعى إيران لإقامتها على حساب الدول العربية التي ذكرت آنفا.

ويرى المحللون السياسيون في التقارب الأخير بين الولايات المتحدة الأمريكية وايران ، إن تحقق ذلك التقارب المتوقع ، وأقدمت الولايات المتحدة الأمريكية قدما على تعزيزعلاقاتها بشكل مباشر مع إيران ، ضاربة بعرض الحائط الدعوات العربية بعدم التقارب مع الجارة إيران ، على إنه سوف يشكل خطرا كبيرا على الحلف العسكري الأمريكي العربي الخليجي ، خاصة إذا علمنا أن الولايات المتحدة الأمريكية لها قواعد عسكرية تنتشرفي معظم البلدان العربية ، لاسيما دول الخليج التي يوجد فيها اكبر القواعد العسكرية في العالم ، ناهيك عن الأعداد الكبيرة من الجنود الأمريكيين الموجودين في كلٍ من تلك الدول ، فالسعودية التي ربما تعتبر من الدول العربية الأكثر تخوفا من التقارب الإيراني الأمريكي ، يوجد فيها على سبيل المثال كما سرب عن أحد الخبراء :أحد مراكز قيادة القوات الجوية الأمريكية ، بالإضافة لقوة مشاة عدد أفرادها 5000 عنصر و 80 طائرة مقاتلة ،إضافة للكويت التي يوجد فيها معسكر الدوحة التابع لأفراد الفرقة الثالثة مشاه الأمريكية ، ناهيك عن كل من قطر التي يوجد فيها 4500 جندي أمريكي ، والبحرين التي يوجد فيها الأسطول الأمريكي الخامس ، كما يوجد على أراضيها 4200 جندي يضاف إليهم 70 طائرة مقاتلة ،وغواصات هجومية، بالإضافة إلى كل من الإمارات وعمان التي يوجد في كل منهما قاعدة جوية وتجهيزات عسكرية ولوجستية ،يضاف لتلك الدول كلا من والعراق ومصر وجيبوتي ، التي يوجد في كل واحدة منها قواعد عسكرية غير معروفة العدد والتجهيزات لغاية هذه اللحظة.

*ومجمل القول أحبتي الكرام في أنني أرى من وجهة نظري الخاصة أن هذا التقارب وهذا الغزل بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران له بعدان:

البعد الأول:إن النفط الخليجي الذي قادت الولايات المتحدة الأمريكية الحروب من أجله أصبح الدفاع عنه من الماضي ، فقد رأى أصحاب القرار في الولايات المتحدة أن هذا النفط أصبح مؤمنا من زاوية البوابة الإيرانية الغنية بالنفط والغاز ، وتكون بذلك تضرب عصفورين بحجر واحد :الحجر الأول تأمين حاجتها من النفط الإيراني ، والحجر الثاني إرسال رسالة إلى تل أبيب بأن الخطر الإيراني المحدق بإسرائيل وهواجسها من السلاح النووي الإيراني أصبح في مأمن الآن .

البعد الثاني :وهي في أن مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الوقت تقتضي إتباع سياسة التقارب السياسي مع إيران ، وإن أزعج هذا التقارب دول الخليج رغبة من الولايات المتحدة الأمريكية في قطع الطريق على روسيا الساعية بشكل كبير خاصة في الفترة الأخيرة في تقوية نفوذها في الشرق الأوسط ،التي كما نعلم تحاول إعادة ما كان سابقا إبان الحكم السوفييتي من بناء وإحياء لمشروعها القومي في أن تكون القطب الثاني الموازي للقطب الأمريكي خاصة ونحن نعلم جيدا بأن هذا الدور ربما يعود من جديد من خلال الملف السوري الذي تكلمت عنه في مقالتي السابقة.

*وخلاصة القول أحبتي المتابعين لذلك الملف:

إن طبيعة المواقف الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه العرب والدول الإسلامية يجب أن تتغير ، وهذا التغير لن يكون لمجرد الصدفة أو من خلال الاستجداء لتلك الدول ، لا بل من خلال الرد بالمثل ،وهذا ما عبر عنه قبل أيام رئيس المخابرات السعودي الأمير بندر بن سلطان الذي شن هجوما عنيفا على الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها العدائية تجاه المواقف العربية.وقد عبرت سابقا عن هذا الموقف بمقالة قبل أيام ، وإن كان هذا الرد لم يعجب بعض المعلقين السياسيين على اعتبار أن الأمير كانت تربطه علاقة متينة بالنظام الأمريكي ، من خلال عمله كسفير هناك لسنوات طويلة إلا أنني أرى في هذه المحاولات وهذه الخطوات نوعا من الرد على تلك التصريحات هنا وهناك ، كما يعطينا بصيص أمل بأن المواقف العربية عائدة بقوة إلى الساحة الدولية ، كما يعيد إلى الأذهان موضوع التقارب العربي التركي الذي طرحته في مقالتي السابقة ولاقى قبولا عند الشعوب العربية ، إلا أنه غير ذلك عند بعض المتحفظين الذين يرون في تركيا امتدادا للتعاون الاستراتيجي والعسكري لكل من الإسرائيليين والغربيين بالرغم من وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم على اعتبار أن وجود الحزب غير دائم .

مضيفين الى ذلك من وجهة نظرهم أن هذا الحزب له ارتباط وثيق بالجماعات الإسلامية التي تتحفظ معظم الدول العربية على مشاركتها في الحكم لابل وصلت الأمور معهم إلى طريق مسدود ، كما حصل في مصر وبعض الدول العربية الأخرى هذه وجهة نظرهم ، أما وجهة نظركم أنتم أحبتي فهي متروكة لكم للإجابة عليها......



تعليقات القراء

احمد الزعبي
مقال جميل جداأخ يوسف بأسلوب مشوق بدأ بمقدمة جميلة جدا جدا
30-10-2013 10:33 PM
هايل الطورة
بوركت جهودك استاذ يوسف على هذا الجهد العظيم في كتابة واخراج هذا المقال بهذا الاسلوب الرائع
30-10-2013 10:35 PM
راكان عظمات
نحن نخالف الكاتب والمحل السياسي في وضعه ان ايران عدوة هذه الامة لكن اعداء الامه هم اصدقائها
30-10-2013 10:36 PM
خالد النهوان
اهن على بلادي كم شقوا وجزوا ونهبوا خيراتكي وخانوا شعبوكي.....نعم على الارجح اضن بأن الكاتب عدل بين الدولتي بتحليل واقعي ولكن لابد من نفيق من السبات
30-10-2013 10:42 PM
صقر جارح
انا مع الكاتب في تحليله الرائع كلنانعلم ان اكبر خطر على الامة الاسلامية
المد الشيعي
30-10-2013 10:46 PM
احمد الشحاحده
اعتقد بأن الرؤساء فقدوا هيبتهم عند امريكا فقبل كان علاقه سريه بين ايران وامريكا اما الان اصبحت علانيه فهم يستحق الشمت بهم
30-10-2013 10:48 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات