حقوق الإنسان بعد جنيف .. الأردن تحت المراقبة


رغم الانتقادات التي وجهتها دول العالم للأردن خلال الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان المتعلق بالأردن بمجلس حقوق الإنسان في جينيف، فإن الوفد الرسمي الأردني نجح في الرد واحتواء الأصوات المطالبة بإصلاحات جوهرية بملف حقوق الإنسان سواء في تقريره أو تعليقاته خلال المناقشات، وبالتأكيد بعد موافقته المبدئية على 135 توصية من مجموع 172 جرى تقديمها تحت قبة أكبر وأهم مؤسسة ترعى حقوق الإنسان بالعالم.

لم تكن مهمة الأردن نزهة يسيرة في جنيف، ولكن في ذات الوقت فإن الانتقادات والملاحظات والانتهاكات التي عرضت لم تكن خارج المألوف، ولم تقدم بشكل قاس وفج، بل جاءت متوقعة، وأحياناً نال الأردن الثناء، وخاصة في ملف استضافة اللاجئين السوريين، وتقدمت مطالبات بزيادة المساعدات والدعم المالي له، هذا عدا عن "غزل" الوفود العربية والذي لا يخرج عن نطاق المجاملات و"التستر" على انتهاكات الآخر.

أكثر الملفات التي حظيت بالاهتمام واستأثرت بأكثرية التوصيات كان وضع المرأة والتمييز الواقع عليها، وعدم رفع تحفظات الأردن على اتفاقية "سيداو"، وايضاً رفض منح الجنسية لأبناء الأردنيات، وتعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية، وتعديل قانون الأحوال الشخصية، وتنفيذ الاسترتيجية الوطنية للمرأة، ومكافحة الاتجار بالنساء، بما في ذلك تعديل قانون الاتجار بالبشر.

وباستثناء رفع التحفظات على اتفاقية "سيداو" وهو ما سيرفضه الأردن رسمياً في تقريره لـ"الترويكا" اليوم الإثنين، فإن الحكومة تجد نفسها في ملف المرأة قد قطعت شوطاً متميزاً إذا ما جرى مقارنتها بكثير من الدول العربية، وهي لا تبدي تشنجاً في التعامل مع التوصيات المقدمة ما لم تكن برأيهم تتعارض مع الشريعة الإسلامية، والتي يفسرها نشطاء المجتمع المدني غير ما تقرأها وتفهمها الحكومات.

المفاجأة التي لم تكن متوقعة للحكومة الأردنية ووفدها الرسمي، هو حجم الانتقاد الشديد للإجراءات الحكومية الأخيرة بملف حرية الإعلام والإنترنت وحجب المواقع الإلكترونية، حيث وصفها مندوب البعثة البريطانية بالخطوة إلى الوراء، واللافت الوزن السياسي للدول التي ركزت على قضية حرية الصحافة وعلى رأسها أميركا، وكل دول أوروبا، والأهم توصياتها المباشرة بتعديل قانون المطبوعات والنشر، إذ طالبت ما يقارب 15 دولة بإنجاز تعديلات للقانون والتوقف عن حجب المواقع الإلكترونية.

ويكفي أن نعقد مقارنة بسيطة لنكتشف التغيير الجذري والتحول في موقف الدول من حرية التعبير والإعلام، ففي المراجعة الدورية لملف الأردن عام 2009، لم تقدم سوى توصية واحدة تتعلق بحرية الإعلام، في حين الآن توصيات كثيرة وكلام تفصيلي عن الواقع لا يمكن الاستهانة به.

في ملف حرية الإعلام فإن الوفد الرسمي وعلى لسان رئيسه الوزير الدكتور محمد المومني، أكد أن الحكومة ستوافق على توصية تعديل القانون، وهو ما قاله وأعلنه في مجلس حقوق الإنسان، ولكن تظل الإشكالية القائمة .. هل التعديل سينسجم مع المعايير الدولية لحرية الإعلام، أم أن الحكومة "سترقع" القانون لتمتص "غضب" دول العالم على ردتها في ملف حرية الإعلام؟!.

والحقيقة أن توجه الحكومة للتعامل مع هذا الملف لا يعرف تفاصيله، وما هي الآليات التي ستستخدمها لإنجاز التعديل، وهل ستمضي في "شراء الوقت"، أم أنها ستكون جادة وحازمة لإعادة الاعتبار لصورة الأردن؟!.

لم تسلم الحكومة من الانتقادات الأخرى مثل إثارة قضية التعذيب، والمحاكمات لنشطاء الحراك أمام محكمة أمن الدولة، وضمان المحاكمات العادلة، والحد من التوقيف وتعديل اختصاص محكمة أمن الدولة، وحقوق الطفل، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية مثل الحق بالصحة والتعليم والعمل، وحرية التجمع، وإلغاء عقوبة الإعدام، وتعديل قانون الجمعيات، وحرية التنظيم النقابي.

هذه المطالبات والأصوات ستجد صداها عند الحكومة، وهي ستتعهد بالموافقة على 135 توصية، وما سترفضه سينحصر تقريباً بـ 25 توصية تتعلق برفع التحفظ على اتفاقية "سيداو"، والتوقيع على البروتوكول الاختياري لمناهضة التعذيب، واتفاقية العمال المهاجرين، وستعلق ردها لدراسة باقي التوصيات.

الجديد في جنيف ومجلس حقوق الإنسان كان الحضور اللافت لمؤسسات المجتمع التي عملت ضمن تحالف وثيق رفع اسم "إنسان"، بالإضافة إلى مركز حماية وحرية الصحفيين، وجمعية النساء العربيات، واستطاعوا جميعاً أن يقدموا تقاريراً موازية قبل الاجتماع، كشفت لدول العالم رؤية مغايرة لواقع حقوق الإنسان في الأردن، وفي الوقت ذاته مدت يدها للحكومة للتشاور والعمل المشترك لتحسين بيئة حقوق الإنسان، فالهدف لم يكن "تصيد" الحكومة أو نشر "الغسيل"، بل العمل لتصويب ومعالجة الأخطاء والتجاوزات لتقديم صورة جديدة للأردن.

لا يجوز للأردن أن يسترخي ويعتمد على منطق أن دول العالم وخاصة أميركا وأوروبا لا تلاحقه على انتهاكات حقوق الإنسان مراعاة للظروف الإقليمية والدور الأردني في حفظ التوازنات، فهذا منطق متهالك لأن العالم كل يوم يشهد تحولات، ولا يوجد ثوابت في السياسة، وباختصار الأردن تحت مجهر المراقبة الدولية.

لم ينته المشوار بعد اجتماع مجلس حقوق الإنسان، بل إنها الخطوة الأولى ليعمل الجميع بشراكة حتى نذهب إلى المراجعة الدورية القادمة 2017، وقد نجحنا في إنفاذ كل التوصيات وترجمتها ـ وهو الأهم ـ إلى ممارسة فعلية وليس تشريعاً لا ينفذ وكلاماً للتصدير الديمقراطي، وهذا يتطلب استراتيجية وطنية لتجذير حقوق الإنسان في الأردن، لا تصنعها يد واحدة بل تشارك الجميع.



تعليقات القراء

ابو خطاب
الغرب بيراقب الاردن ... والاردن بيراقب الشعب ... والشعب بيراقب الوافدين ... والوافدين بيراقبوا بنات البلد ... والكل بيراقب الكل , وين اخريتها ...
29-10-2013 11:02 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات