بين المفكر .. والغوغائي


تحية إلى المفكر العربي عزمي بشارة


  لا أشك في أنه لا يجوز الرد على (يحيى أبو زكريا) فيما ذهب إليه مؤخراً بحملته (الجحفلية) على المفكر عزمي بشارة، والسبب واضح وبسيط، وقد بيّنه المثقف العربي من خلال تجاهل هذا الهذر والتخريف الذي (يبدعه) أبو زكريا، فالأخير يرمي إلى (هزّة) تعطيه بعض أضواء هنا وهناك، من خلال لغة قائمة على التخوين والتكفير (وإجلاء الحقائق!!) إزاء الدكتور بشارة الذي استطاع تحقيق حالة سياسية، على صعيد نخبة المثقفين العرب والشارع العربي في آن.

وهذا يتضح من خلال مفردات (الأكشن) التي يستخدمها أبو زكريا في مهمته (الجهادية) لتخليص العرب والمسلمين من (الكفر والضلال والخيانة!!) :

فمما يقوله أبو زكريا، وأؤكد هنا أنه لا يقول (نكتة) فالرجل على ما يبدو مازال بـ (كامل قواه العقلية):

" قد حدث ما دفعني للتعجيل بالشروع في مهمة قومية و إسلامية لتجريد عزمي بشارة من لقب مفكر عربي و بالتالي تسليط الضوء على حقيقة مشروعه الإختراقي في الدائرة العربية والإسلامية.."

ويفصّل مهمته (الجهادية) أكثر فيقول:

" طبعا التهم الصهيونية التي وجهت لعزمي بشارة لم يكن الغرض منها إحراجه بقدر ما كان الهدف منها فرش بساط واسع له باتجاه دوائر القرار العربي و قيادات المقاومة ليواصل مهمة الخرق والاختراق من جهة على الصعيد السياسي والأمني، وليواصل الاختراق الثقافي عبر نشر عناوين عامة على غاية من الخطورة في العالم العربي، والأخطر ما في نصوص عزمي بشارة وهذا ما حملت على عاتقي كشفه، هو تمرير نص أو جملة ذات بعد إسرائيلي بين كل جملتين أو نصين جميلين عربيين وفيهما رنين الإبداع، وهنا لا يتشوّه الرأي العام العربي فقط، بل يتدكدك، ويصاب بالحيرة والاضطراب بين ما هو نص أمني وضعه سيكولوجيو الأجهزة الأمنية وبين ما هو فكري".

هكذا (يكشف) بجرة قلم أن بشارة (موظف) لدى الدوائر الإسرائيلية، ولم تستطع المقاومة وأجهزتها الأمنية كشف هذا (العميل) .. فقط (إبداعات) أبو زكريا قادرة على ذلك، خصوصاً أنه لا يشبه الدكتور بشارة فقط بالجاسوس الإسرائيلي (كوهين) وإنما يؤكد على نفس الدور لكلا الرجلين!!

وبالطبع يخلو مسلسل أبو زكريا من أي تحليل أو فكرة تتمتع ببعض النزاهة، فقط هي اتهامات قائمة على التخوين والتكفير، مرة بحجة أن بشارة كان عضواً في الكنيست الإسرائيلي، ومرة بسبب انتمائه لـ (الأقلية المسيحية!!) وأخرى (لأنه ينتمي إلى عرب الـ 48)!!

مؤكد أنه لا يوجد ما يمكن نقاشه في جميع هذه التراهات.

 ومن جهة ثانية يحاول أبو زكريا جاهداً (التقرّب والدبدبة والتسلق) نحو جهات عرفت بنزاهتها القومية والوطنية، وأثبتت حضورها المقاوم دون الحاجة إلى شهادة من أمثال (أبو زكريا) .. عبر هذه المحاولة الرخيصة والقبيحة للنيل من الدكتور بشارة..

فمنذ البداية ينبري أبو زكريا للدفاع عن سيد المقاومة وزعيمها حسن نصر الله، وكأنه حامي حمى حزب الله وبقية قوى الممانعة والمقاومة العربية والإسلامية، حيث يقول:

"عزمي بشارة المفكّر الأجوف. آخر نظرياته أن حسن نصر الله يشبه حكام العرب في الستنيات وأن نصر الله لم ينتج للعرب والمسلمين أي انتصار...."

وينتقل للتطييب والتزلف فيقول:

" وكأن عزمي بشارة جاء إلى بيروت ليتممّ ما بدأه المصريون من محاولات تفكيك كاريزما رجل وهب حياته للإسلام والمسلمين وتخليص فلسطين من الأسر الذي يجعلنا نحتفل سنويا بذكرى النكبة. إذن هو سعي فكري للنيل من شخصية السيد حسن نصر الله، والذي لم يدخل في صراع مع أحد، وحتى اللبنانيون بكل طوائفهم يعترفون أنه الرجل الوحيد الذي لم يلطّخ يده بدماء المدنيين بل كانت معركته مع الأعداء التقليديين و التاريخيين للعرب والمسلمين.

ومما قاله عزمي بشارة في محاضرته _ مازال الكلام لأبو زكريا_ عن النكبة أن إسرائيل لو لم تنجز غير الاعتراف بها عربيا لكفاها ذلك، وأنا أقول لو لم ينجز عزمي بشارة لإسرائيل غير تقزيم شخصية حسن نصر الله وإنجازه الرباني لكفاه ذلك" !!

لا أدري إن كان السيد نصر الله بحاجة لشهادة موتورة، وتفوح منها رائحة الفساد والتسلق، كشهادة أبو زكريا.

ولكن ليس أدل على تجاهل المقاومة (وما يرتبط بها من إعلام) لابتذال أبو زكريا، في محاولته الرخيصة للنيل من المفكر العربي الكبير عزمي بشارة، أكثر من العودة إلى إعلام المقاومة وحصراً (المنار) التي

نشرت تقريراً مفصلاً عن محاضرة الدكتور بشارة، دون أي انتقاد لها، وكذلك صحيفة السفير التي لا يشك برصانتها الصحفية، وانتمائها القومي العربي الأصيل، فضلاً عن دورها الفكري والسياسي (من المقاومة وإلى المقاومة) فقد أفردت صفحة كاملة لتلك المحاضرة، وقدمت لها بما يلي:

((في كل مرة نستمع فيها إلى عزمي بشارة نوقن أن فلسطين، على الرغم من آلامها ومصاعبها، ما زالت قادرة على إنجاب مفكرين من طراز رفيع، ومناضلين حفروا في أديم هذه البلاد علامات من النبل والكرامة والعناد في مواجهة الظلم التاريخي. لقد دشّن عزمي بشارة سيرته في فلسطين بمقارعة الاحتلال والعنصرية، وتمكّن من صوغ مشروع للحرية غايته الوحيدة مقاومة النفي والإلغاء ومسح الحقائق من التاريخ. وها هو، المنفي خارج وطنه وداخل وطنه العربي معاً، ما برح يحاول أن يشق طريقاً إلى العودة المؤجلة من واحد وستين عاماً. لكن «حق العودة قضية لا تصلح للتفاوض (...) ونحن لم ننتصر على إسرائيل بل انتصرنا على عدوانها، (ومع ذلك) فليست وظيفة المستعمَر أن يعرض الحلول على المستعمِر، بل أن يقاومه». هذا بعض مما قاله عزمي بشارة في الجامعة الأميركية في بيروت، وهو غيض قليل من فيض كثير)).. والكلام للسفير.

بقي أن نؤكد عدة نقاط لا بد منها:

ـ أعتقد أن أبلغ رد على أبو زكريا، هو تجاهله من قبل المثقفين العرب والمسلمين في آن، ومحاولتي هنا لا تتعدى، أن على أحدهم أن يسكت هذا البوق الملوث، لأنه يزعج أسماعنا.. ليس إلا!!

ـ ما يسيء إلى المقاومة حقاً، ليس مفكراً من طراز رفيع مثل الدكتور بشارة، الذي يحذّر من مغبة الاستكانة إلى انتصار 2000 وانتصار تموز وانتصار غزة، وأن دولة إسرائيل إلى زوال وانتهى الأمر، فما قاله الدكتور بشارة نحن بأمس الحاجة إليه، خصوصاً (أننا لم ننتصر على إسرائيل، وإنما انتصرنا على عدوانها في حربي تموز وغزة) .. و أن القضية الفلسطينية هي قضية كل العرب، وتحريرها لا يأتي عبر المقاومة في الداخل وحدها، وإنما تحرير فلسطين هي مهمة الشعب العربي وحكوماته.

وحين يحذر الدكتور بشارة من الوقوع في فخ (الانتصارات التاريخية) فإنه يؤكد على ضرورة التنبه إلى أن الانتصار الحقيقي والنهائي على دولة إسرائيل لن يتأتى إلا عبر شعب عربي يفرز قياداته التي تدعم المقاومة فعلياً وتخوض حرب تحرير فلسطين بكل ما تعني كلمة الحرب من معنى.

ولكن الذي يسيء للمقاومة حقاً، ولقياداتها ونهجها هو شخص يحاول التسلق نحوها من نمرة أبو زكريا، وتصوير أن المقاومة لا تخطىء ولا يجوز انتقادها لأنها تحمل (السر الإلهي).. ولأن قياداتها معصومة!!

وهو المنطق الذي يرفضه السيد نصر الله، وبقية قيادات المعارضة اللبنانية اليوم، السيد نبيه بري، والجنرال عون، والأمير طلال أرسلان، وغيرهم من المفكرين والكتاب الذين يدركون أن الصراع مع إسرائيل هو صراع تاريخي، لأنه الموقف الذي ينبىء ليس بضياع فلسطين وحدها، وإنما بضياع الأمة وتشتتها، ولو كان أبو زكريا يملك ذرة من (التحليل) وذرة من العقلانية، فضلاً عن ذرة من (الضمير) لكان قد استهدى بهدى هؤلاء، وهدى تجارب التحرر الوطني في العالم، خصوصاً تجارب التحرر الوطني العربية والإسلامية، التي قادها الآباء والأجداد، وسيجد آنذاك أنه لا تحرير دون نقد ونقد ذاتي، دون تنبيه وتحذير وإعادة قراءة التجربة في إيجابياتها وسلبياتها، دائماً وأبداً، وهو الأمر الذي يقوم به الدكتور بشارة مع الكثيرين من المفكرين العرب الأصلاء والحقيقيين، الذين لا تعنيهم مفردات التملق والتزلف، و(الخبطات) الإعلامية .. و(السح الدح امبو) الذي يردح به أبو زكريا وأمثاله.

* كاتب سوري ومدير العلاقات العامة في جريدة الحقيقة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات