الأضحى ضمن المفهوم الإنساني !


قلت سابقاً ، وأقول اليوم علينا كرؤية أولية العمل على ( مزج الذات القرآنية ، بالذات الإنسانية ) لنتمكن من فهم المقاصد الدينية عموماً والأضحى خصوصاً في المفهوم الإنساني ،وفي تقديري هذه ضرورة حتمية من أجل بعثنا من جديد كأمة حية ، سيما وأننا أمة بلا ذاكرة ، أمة تعيش كل أنواع القهر والاستتباع والهيمنة الغربية الطاغية والعبودية الوثنية ، وهنا أتساءل كمؤسس للهيئة الجليلة على المستوى العالمي : ترى أي قيم للأضحى يمكن أن تتجلى في ظل قتل المسلم للمسلم ؟ وأي معنى للفداء الإسماعيلي والفداء المسيحي المخلص يمكن أن يمارس كطقوس دينية في ظل استهداف المسيحي من قبل المسلم المتطرف ؟! والسؤال البديهي على الطاولة الإنسانية : كيف نفعل دورنا في التثقف المذهبي للتأسيس ( للثقافة المذهبية السمحة ) بين أبناء الدين الواحد بداية ، ومن ثم نفعل ( ثقافة التعايش الديني السلمي بين أصحاب الديانات السماوية ) ولا يتعارض في رأيي التفعيلان، وإن بدأت لنا جدلية تقتضي إعادة قراءة الدين لا التدين المغلوط ، المأساة أنني كمسيحي مسلم وإن امتلكت خطاباً إنسانياً مفتقدا في هذا الزمن ،لا أمتلك سلطة تمكنني من تفعيل هذا الخطاب وإن وجدت آذاناً صاغية لحديثي ، وهنا أتحدث على المستوى الحضاري ، أما على المستوى الإسلامي فإنني كشيعي سني ما زلت متهم ( بالإنسانية والأمن الإنساني ) كجرم من قبل أولئك الذين يظنون أنهم سفراء السماء في الأرض ، وهذه ليست فجوة أو هوة بين النظرية والتطبيق إسلامياً لا ، إنها أكبر من ذلك بكثير ، لأن من يقوم بالإدانة إنما يدين ما أنزل الله على آدم وإبراهيم وعيسى وموسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام أجمعين ، القائمين على الشرع في واد والإسلام الحقيقي في واد أخر ، والواقع لا يعني ذلك الوصف لأن له معايير خاصة ، ولنا كإنسانيين دعوة خاصة أيضاً !
الإسلام الحقيقي يحتاج إلى المذهبية أولاً، ويحتاج إلى الديانات السماوية ثانياً، وإلى عودة الإنسان لذاته ثالثاً عبر هجرة طوعية يقوم فيها ، ولو لغايات التصالح مع نفسه ، وإلا كيف سيتمكن من العودة إلى الله ، وإقامة الدين ؟!
دعونا نتحدث عن الأضحى ضمن المفهوم الإنساني ، ذلك المفهوم القائم على ( التربية الإنسانية ) ، المفهوم الذي تم اقتلاعه من جذور الذاكرة والذي يبدأ صباحاً بزيارة الموتى سواء تحدثنا عن مقابر المسلمين أو المسيحيين ، وذلك الرتل من الأطفال يتبع خطوات الشيوخ ووجهاء العشائر مسلمين ومسيحيين ومن خلفهم النساء بكل أنواع الكعك والحلوى والترياق أو الفطور الصباحي الخفيف ، إنها معاني الاتصال الروحي مع الإنسان كقيمة إنسانية يتجسد في الوطن ليولد من خلال هذه المقابر من جديد ولتعطي المقابر ذاتها معنى للحياة والوحدة الاجتماعية والدينية والوطن، وإلا كيف يفهم الطفل معاني الشهادة من أجل هذه الأرض المقدسة التي تضم أجداده الطاهرين ؟
وبعدها تبدا مراسم العودة إلى المنازل وقد أخذ الأطفال عيدتهم وبيدهم شيء من الحلوى والكعك ، ويشمر الآباء عن سواعدهم لذبح الشهوة النفسانية والمتمثلة بهذه الأضحية التي لم تأتي إلا من أجل إعلاء القيم الإنسانية ، ليشعر الفقير بالعيد أنه الأغنى وليس الأفقر ! أ
نا لا أعرف أي إسلام هذا الذي لا يحمل صورة المسيح فينا ؟! وأي مسيحية تلك التي لا تحمل الإسلام فيها ؟! أنتم في ضياع كامل وقد فقدتم صورة القيم الربانية وفقدتم صورة الله الحي القيوم بداخلكم .
لقد شوهتم روح الله فيكم ، تباً لكم ، ولهذا الجهل الذي حل فيكم منذ أن عبدتم المادة ، عودوا إلى إنسانيتكم بنعمة الأنبياء جميعاً ويحكم فقط لنتوقف جميعاً عند قول الحق جل في علاه (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله، وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ) !
نحن في طقوسنا الشكلية هذه ومن خلال التدين المغلوط نمارس وثنية، ونفقد الحب الذي كان يمارسه الجار المسيحي وهو يحضر الزينة للمسلم العائد من الحج ، لهذا انتم جميعاً مدعون اليوم إلى إعادة الحياة الحقيقية لهذا العيد الفاقد لمعانيه ومستواه العلمي والثقافي والأخلاقي ، وإلى ذلك النبل الذي كان يمثل إنسانيتنا حين كنا شمس الحكمة والموعظة الحسنة والأساليب الإنسانية الواعية الواقية العالمة ، حين كنا نقيم حوارات لا يصيبها اللغط، الكل كان يقف مدهوشاً من هذه النظم والمنظومات الفكرية التي كانت تحكم مسارنا العلمي والأدبي والسياسي والاجتماعي ، لهذا علينا ان نعترف أن رؤيتنا اليوم مغلوطة ، ولا بد من إعمال النظر والتأمل والتفكر والاستنتاج والبحث، فيما يتعلق بعلوم الشريعة وقضايا العقيدة والقيم والاتجاهات الحضارية والاجتماعية، وقضايا العلوم التجريبية، وغيرها، كل ذلك من وجهة نظر إسلامية مؤسسة على خليفة عقدية ثابتة : القرآن الكريم والسنة النبوية ، إلا أن المشكلة أن مضامين الروح بكافة الأديان السماوية تتعقد تبعاً لهذا الإرهاب القادم من رحم تديننا المغلوط ، نحن بوعي أو بدون وعي منا نحطم كل القيم الربانية ، وندمر معاني التكامل الاجتماعي ، والمقاصد الحضارية من الخلق الإنساني العام .
نستنتج مما سلف أن العيد ( عيد الضحى ) في معانيه ليس حالة موسمية، لكونه يرتبط بتلبية النداء الإلهي الأول ، وهو أساس كل الديانات السماوية ، فدين التوحيد هو دين جميع الرسالات السماوية ولا يمكن الدخول في أسرار التوحيد إلا بالتسليم إلى من خلق كل شيء ومسير كل شيء كيفما شاء في قدرته القادرة على كل شيء، وإذا توقفنا عند الطواف نقول: في علم الفيزياء كل نقطة لها ارتباط بنقطة أخرى تدور حولها فإذا كانت الأرض تدور حول الشمس ،فالشمس تدور حول محور آخر وهكذا إلى أن نصل إلى أصل كل دورة وجودية ،ما يعني أن العودة إلى الإسلام عودة إلى الفطرة الإنسانية .
أما وقد صبرنا على مكاره الدهر ، ونوائب الأيام ، وتجرعنا الخطوب التي تعجز عن حملها الجبال ، فإننا ندعوكم جميعاً ونحن نستقبل الأضحى ، ونقول لهذه الأمة ( أصبري على قضاء ربك فلا معبود سواه ) وما هذه المحنة العظمى إلا سحابة صيف وإن كانت تذهل كل كائن حي بما تحمل من إجرام ضد الطفولة وضد النساء والشيوخ وضد الإنسانية جمعاء ، لقد قتلوا كل شيء باسم الله والله بريء مما يفعلون ، أما أولئك الذين لا ينبسون ببنت شفة وهم يرون ما يحدث لإخوانهم الذين يذبحون كما الشاة على يد الإرهابيين نقول لهم هذا ليس كظم غيظ وإنما جبن .
ولا يسعنا ونحن نودع هذه الليالي المباركة من شهر ذي الحجة الحرام، ونستقبل عيد الأضحى المبارك، إلا أن نقول: يبقى الأضحى ضمن المفهوم الإنساني بحاجة إلى مساحة أكثر للحديث، وكل عام والأمة الإسلامية والإنسانية عموماً بألف خير وبركة. خادم الإنسانية .



تعليقات القراء

د. أيمن عبد الهادي محسن
بالله عليك يا سيدي أي مفهوم للأضحى والمسلم يقطع رأس المسلم ويقول الله أكبر أي الله أكبر ؟ ودلالة التكبير جاءت لكي تكون على كل من تكبر وتجبر وليست على المذبوح الذي يصرخ وهو ما بين الحياة والموت الله أكبر ، لعن الله كل من قام بقراءة مقالتك ولم يتبعك وأنت هدى النور في هذا الزمن المظلم ، نعم مزج الذات القرآنية بالذات الإنسانية هو الحل
15-10-2013 10:09 AM
سرين باسم
ضمن هذا السياق أريد أن أتوجه بالسؤال لسيادة الدكتور المحترم : هنالك نزعة تربوية غير إنسانية تجاه سورية ، هدفها معاقبة سورية بشراً وتراثاً واقتصاداً بجميع أدوات التدمير، ولا شك أن هنالك فهماً خاطئ بأن من يفعل ذلك سيكون بمنأى عن المحاسبة أو الملاحقة القانونية الدولية، لماذا يضربون بكل هذا الحقد ؟ ماذا فعلنا لهم ؟ ومن الذي يدفع الثمن الشعب السوري
أي معاني للعيد ونحن نقتل بيد من يدعون الإسلام وهم شياطين ؟
15-10-2013 10:20 AM
جمعة الرواشدة
ما طرحه الدكتور والذي يتمثل في : كيف نفعل دورنا في التثقف المذهبي للتأسيس ( للثقافة المذهبية السمحة ) بين أبناء الدين الواحد بداية ، ومن ثم نفعل ( ثقافة التعايش الديني السلمي بين أصحاب الديانات السماوية ) ولا يتعارض في رأيي التفعيلان، وإن بدأت لنا جدلية تقتضي إعادة قراءة الدين لا التدين المغلوط ) سيكون بداية الحل لكل ما تعاني منه الأمة المذبوحة بيد جهل أبنائها .
15-10-2013 10:29 AM
الشيخ صالح محمود
ما المقصود بمزج الذات القرآنية بالذات الإنسانية وهل هنالك ذات قرآنية ؟
15-10-2013 10:30 AM
عبد الباري القاسم
أريد مسؤول عربي لديه هذا الحس الإنساني والشعور بالأمة وعموم الإنسانية وتقديم الحلول الناجمة عن تفكير معمق بالهم العام ، سحقاً لأمة لا تعرف إمامها ...
15-10-2013 10:33 AM
نذير الجدع
لو أن هنالك ذرة إنسانية لكان حج الأغنياء من خلال مد يد العون للفقراء والمساكين ولايس التباهي بالحج الذي لا يعرفون معاني أركانه !
15-10-2013 10:35 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات