النقابات و الحكومات وجها لوجه


حققت النقابات المهنية الأردنية و لا زالت نجاحات كبيرة على الصعد الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية، ربما تعرضنا لجوانب منها في مناسبات عديدة، و قد تزامنت هذه النجاحات على الصعيد السياسي مع معوقات وضعتها و رسختها الحكومات المتعاقبة و أجهزتها و من أهمها أجواء الشك والتوجس الحكومية تجاه النقابات المهنية وتعاظم دورها اقتصادياً واجتماعياً، مما تمت ترجمته على أرض الواقع بالإقدام على حل بعض مجالس النقابات المهنية وتعيين لجان حكومية، والتلويح بتعديل قوانين النقابات وإلغاء إلزامية العضوية، و التلويح بالسيطرة على أموال صناديق النقابات وتأميمها، والتضييق الأمني على النشاطات النقابية ومنعها بالقوة أحياناً، وجملة القوانين "عرفية المضمون" وعلى رأسها قانون الاجتماعات العامة، و كذلك التشويه والتعتيم الإعلامي المتعمد لبعض أدوار النقابات من خلال وسائل إعلامية منحازة حكومياً، و استثناء النقابات من أن يكون لها التمثيل العادل في بعض مجالس وهيئات صنع القرار والتخطيط الاستراتيجي، كما برز التدخل الحكومي في الشأن الداخلي للنقابات المهنية ومحاولة استغلال التعددية الحقيقية التي تمارسها النقابات المهنية في صفوفها.

ولقد كان لاستمرار الأحكام العرفية لأكثر من عقدين أثرٌ بالغٌ أخر عملية نضوج وتطور البنيان الهيكلي والوظيفي لمؤسسات المجتمع المدني ، وترك أثراً سلبيا في الرغبة الاجتماعية لدى معظم فئات المجتمع في العمل التطوعي العام ، وقد أسس ذلك لثقافة الخوف من العمل العام ضمن مؤسسات المجتمع المدني على اختلاف أنواعها .

كما ساهمت الظروف المعيشية الصعبة والانشغال بالسعي وراء لقمة العيش في تضييق حجم الفئة المهتمة بالعمل العام والشأن العام إجمالاً، وكان أيضا لعدم وجود التمويل و الدعم الحكومي بأوجهه المختلفة أثره الملموس في تدني مستوى الخدمات لبعض مؤسسات المجتمع المدني.

ولقد ساهم أيضا التنافس الحزبي وحمى الانتخابات ذات الطابع الشخصي على قيادات مؤسسات المجتمع المدني في عملية انحراف هذه المؤسسات عن دورها ووظيفتها الأساسية نحو مجتمعها وأمتها، وعلى سبيل المثال عملت بعض الشخصيات على الوصول إلى مناصب في مؤسسات المجتمع المدني من أجل الوصول إلى مناصب أخرى إما في البرلمان أو في الحكومة أو من أجل البريستيج الاجتماعي وزيادة النفوذ في المجتمع .

و إنني من خلال هذا المنبر الصحفي و الإعلامي أطمح أن أقوم و لو بجهد بسيط يتكامل مع جهود الكثير من الخيرين الغيورين على النقابات المهنية و هي مؤسسات وطنية رائدة و المنتمين في الوقت ذاته إلى وطنهم و المنحازين إلى مصالحه العليا إذ نطمح إلى إعادة جسور الثقة و(جسر الهوة) بين الحكومات والنقابات من خلال توسيع مشاركة النقابات وتمثيلها في جميع المجالس والهيئات والمؤسسات الحكومية باعتبارها بيوتاً للخبرة الفنية والمهنية لا يستغنى عنها في مواقع صنع القرار، و التوقف الحكومي عن ممارسة أية تدخلات سلبية في قوانين النقابات أو التلويح بالسيطرة الحكومية على مجالسها أو صناديقها و وقف الضغوطات الأمنية على نشاطاتها و نشطائها و وقف التدخل الحكومي في الشؤون الداخلية للنقابات وانتخاباتها.
كما و ندعو للمزيد من انفتاح النقابات على الجانب الحكومي وذلك على مختلف الصعد اقتصادياً وسياسياً والمزيد من التقبل للرأي الآخر، و تعزيز الجانب الإعلامي لدى النقابات لمزيد من الانفتاح على شرائح أوسع من المجتمع ، واقترح تأسيس فضائية نقابية أردنية تحمل بذور نجاحها في رحمها و اسمها و أهدافها التنموية البناءة.

و أتمنى على زملائي القدامى و الجدد في النقابات المهنية إيلاء الجانب التطبيقي والعملي ذي العلاقة المباشرة بالمشاكل التي يعاني منها المجتمع الأردني أكبر اهتمام من قبل النقابات المهنية، لتصب نشاطاتها وفعالياتها ومؤتمراتها ودراساتها على هذا الجانب، بغية تحقيق نتائج ملموسة وواقعية على الأرض تجعل من شعار(النقابات في خدمة المجتمع) شعاراً حقيقياً بدلاً من شعارها السابق (النقابات في خدمة منتسبيها).

كما أشعر بالحاجة الماسة إلى المزيد من تلمس النقابات المهنية للوضع الاقتصادي الذي تعيشه بعض فئات مجتمعنا المحرومة خصوصاً في الأرياف والبوادي أسوة بنشاطاتها الوطنية والقومية الرائدة في دعم أشقائنا العرب والمسلمين.

و أخيرا و ليس آخرا فلنسع جميعا للمواءمة الصادقة بين شعار الحكومة ( الأردن أولاً) وشعار النقابات (الأمة اولاً) بالتطبيق الفعلي لا الكلامي والشعاراتي ليظهر للطرفين أنهما طرف واحد وأن لا تضاد بين الجناحين للطائر الواحد بل تكامل وتناغم دونه الفشل والإخفاق.



تعليقات القراء

ابو رياش
بلا نقابات بلا حكي فاضي هينا ماكلين هوا في وظيفتنا الحكومية و ما حدا وقف معنا
05-06-2009 07:19 PM
المهندس عيسى حمدان
كما قال أخونا الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي معالي د إسحق الفرحان (الحكومة حكومتنا و البلد بلدنا)
05-06-2009 08:25 PM
رائد
كم نقيب مهندسين بهالزمنات صاروا وزرا؟ و نقيب اطباء و نقيب محامين و الحبل ع الجرار ... يعني مصالح شخصية و تبادل ادوار و قبعات فقط
05-06-2009 08:32 PM
فدوى حلمي
اشكر موقع جراسا على نشر هذا المقال الرائع و التحليل المبدع لكاتب النقابات المهنية بلا منازع المهندس هشام خريسات صاحب الكلمة الجريئة و المعلومة الدقيقة و العاطفة الصادقة الودودة و الاسلوب الجميل و القلم السيال
05-06-2009 09:00 PM
بادي
يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور
05-06-2009 09:06 PM
محمود الخطيب
ان اخوف ما أخاف عليكم منافق عليم اللسان ..... لا تركنوا الى عقولكم و تفكيركم قد تضلوا بسحر البيان ،، عليكم بهدي القرآن و طاعة اولي الامر
05-06-2009 09:14 PM
سمير الجدع
العلاقة بين النقابات و الحكومة مثل رقعة الشطرنج صراع على مساحات النفوذ و البقاء على قيد الحياة حتى الرمق الاخير و يسقط الكثير من الجنود في سبيل الزعيم الاوحد (النقيب)
05-06-2009 10:42 PM
كمال حبش
قال تعالى (لئن بسطت الي يدك لتقتلني ماأنا بباسط يدي اليك لاقتلك اني أخاف الله رب العالمين )
اللهم اجعلنا من المتقين الذين يخافونك يا رب العالمين
05-06-2009 10:53 PM
علاء برقوق
النقابات المهنية مرآة تعكس الفئة المثقفة في المجتمع الاردني و لا اعني بالمثقفين حملة شهادات البكالوريوس او الشهادات العليا فقد يكون المثقف لا يحمل الا الثانوية العامة و لكنه مثقف بفكره و معلوماته و شبكة علاقاته و مواهبه و قدراته و و اسلوبه و ادارته لذا كان من الضروري ترطيب العلاقات بينها و بين السلطة و محاولة الوصول الى مرحلة معقولة من التعايش دون التنازل عن قيد انملة من الثوابت الراسخة
05-06-2009 11:46 PM
وائل العلاوين
الحكمة تقتضي امساك العصا من المنتصف و تطبيق مبدأ ميكافيللي و الحيلولة دون صيرورة الامور نحو التأزم بل و البقاء على اتصال مع جميع الاطراف الفاعلة و رفع السماعة دوما للتنصت على نبض القوى المؤثرة و سماع بل استماع و تسجيل و رصد كل شاردة و واردة في فضاء الصراع الايدولوجي و السلطوي
06-06-2009 12:18 AM
حسين
هذا المقال جامع و شامل و هو أقرب الى دراسة متعوب عليها و الكاتب مبين عليه مليان فعلا ،،،، شكرا لجراسا و شكرا للكاتب
09-06-2009 11:48 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات