''جماعة'' غير قابلة للحل وليست مؤهلة للحكم !!


يا فرحة ما تمت، فخلال عامين فقط تذوقت جماعة الاخوان المسلمين المصرية - وهي ام الجماعات الاخوانية - حلاوة الصعود حتى بلغت سدة الحكم، ثم ما لبثت ان تجرعت مرارة السقوط حتى منيت بالحظر والتشريد. 

كيف حدث ذلك بين عشية وضحاها ؟؟

سؤال مركزي يضم في جنباته جملة اسئلة وعلامات استفهام فرعية، ويتعين الرد عليه والاجابة عنه، ليس من لدن الجماعات الاخوانية فحسب، بل من سائر المهتمين والمعنيين بالشأن العربي العام، انطلاقاً من ان مصر هي الدولة الرائدة والقائدة للوطن العربي المحكوم دوماً بالتأثر والاقتداء بها، علاوة على ان جماعة الاخوان المصرية هي اكبر القوى الشعبية فوق ارض الكنانة، كما انها زعيمة التنظيم الدولي للاخوان ورائدة الاسلام السياسي بمختلف تفريعاته وتفريخاته.

الكثيرون من الاخوان وانصارهم سوف يسارعون - وقد سارعوا بالفعل - الى تبرئة الذات، والقاء اللوم على الآخرين، من خلال استحضار ''نظرية المؤامرة''، وتحميل المسؤولية لقوى ومراكز الغدر والتربص والتآمر داخل مصر وفي الفضاء العربي والعالمي.. ذلك لان هذه النظرية المعتمدة لدى العرب منذ القدم، هي المشجب الذي لطالما علقوا عليه اخطاءهم وخطاياهم، وهي المطهر الذي طالما اغتسلوا فيه من ذنوبهم وعيوبهم.

قلة من الاخوانيين واصدقائهم سوف تمتلك ''شجاعة الاعتراف''، وتمارس اوسع عملية نقد ذاتي ومراجعة استراتيجية للتجربة الاخوانية في الحكمين المصري والتونسي، ولواقع الحال الاخواني في عموم الوطن العربي.. والى هذه القلة العاقلة والراشدة نتوجه بهذه المداخلة الفكرية والسياسية، لعلها تسهم في تعزيز مواقفها وسط اصحاب الصوت العالي والعنتريات الفارغة، وتساعدها على التحول الى اكثرية من شأنها قيادة الجماعة الاخوانية الى سواء السبيل، واجراء اوسع مصالحة مع الذات والعصر والقوى الحزبية والشعبية والوطنية الاخرى.

ولعل اول حقيقة يتعين ان تدركها هذه القلة العاقلة التي نخاطبها اليوم، ان الاخوان المسلمين ليسوا حركة سياسية سلطوية بقدر ما هم ''حالة شعبية اعتراضية''.. هم فيالق معارضة واحتجاج لا اهل حكم وسلطان، فقد ثبت بملموس التجربة في مصر وتونس وقبلهما في غزة والسودان، انهم احتكاريون للسلطة، ومتعطشون للمناصب، دون ان يكون لديهم الحد الادنى من الخبرات والكفاءات والبرامج والمشاريع والتصورات اللازمة لمزاولة الحكم، وادارة دفة الدول، ورعاية شؤون البلاد والعباد.. ولعل في هذا بعض ما يفسر اسباب اخفاقهم السريع في الاحتفاظ بمقاعد الحكم المصري، ومن ثم الحكم التونسي قريباً جداً.

قبل الاصطدام بالعسكر والقوى اليسارية والقومية، اصطدم الحكم الاخواني المصري وغيره بحقائق العصر التي لا تقبل النكوص الى الخلف، وبطموحات الشعب الذي انتخبهم بكثافة ولكنهم سرعان ما خذلوه وبددوا آماله، وتكشفوا عن ظاهرات صوتية وحلقات دروشة غيبية واخروية لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تقوى على مجابهة المصاعب والتحديات التي ينوء تحت وطأتها هذا الشعب المطحون منذ جملة اعوام، والمنتظر للخلاص بفارغ الصبر وبالغ الاهتمام.

وعليه.. فلكي يغدو الواقع السياسي العربي اسلامياً، لا بد ان يصبح الاسلام السياسي واقعياً يقترب من هموم الدنيا بقدر ما يبتعد عن قضايا الدار الآخرة، ولا بد ان ينسجم مع روح العصر ومتطلبات الناس، ويبلور نفسه في صيغة الكثير من البرامج والمخططات العلمية والعملية الكفيلة بتطوير انماط الحياة، وتسريع وتائر التنمية، وتلبية احتياجات الشعوب المتطلعة بلهفة وشغف الى عيش رغيد وحياة افضل.

ولو اردنا التوسع في هذه النقطة، لقلنا ان اهم والزم واجبات ''الاخوان'' في هذه المرحلة الدامية والملتبسة، هي ابراز الوجه الحضاري والجانب الروحي والانساني للاسلام المفترى عليه، وتقديم واجب التصدي الحازم لعصابات الذبح والتكفير وجهاد المناكحة التي شوهت صورة هذا الدين الحنيف، على اولويات التعارك والتدابر والاختلاف السياسي مع القوى والهيئات والاحزاب الوطنية والقومية واليسارية.

لقد فشل الحكم الاخواني في تقديم البديل الاكفأ والافضل من الانظمة العربية البائدة او السائدة، ولكنه نجح - وربما بامتياز - في استعداء الجماهير التي طالما ايدته وساندته، واستبعاد النخب الثقافية والقوى والاحزاب السياسية التي كانت متحالفة معه حين كان في مواقع المعارضة.. وشتان بين كراهية الانظمة الرسمية للاخوان وكراهية الشعوب والنخب والفصائل الوطنية والنضالية لهم، بعدما حاولوا التذاكي على الناس، واعادوا انتاج الانظمة القديمة بصيغ جديدة ابرزها ممارسة ''الاستبعاد'' بدل ''الاستبداد''، و''الاخونة'' عوض ''الفساد''، و''التبعية الملتحية'' محل ''التبعية العلمانية''.

اما فاجعة الفجائع التي اقترفها هؤلاء بعد تسلمهم مقاليد الحكم في مصر وتونس، وقيادة المعارضة المسلحة في سوريا، فقد تمثلت في هرولتهم زرافات ووحدانا نحو واشنطن، وانفتاحهم المخجل على منظمة الايباك وباقي اللوبيهات اليهودية، ورسائلهم المعسولة الى قادة العدو الاسرائيلي، واعترافهم الواضح والصريح بمعاهدات كامب ديفيد، واستقوائهم بحلف الناتو وسلطان بني عثمان على اوطانهم.. الامر الذي جعلهم لا يختلفون، في سياق السياسات الخارجية، عن الانظمة العربية المتهالكة، وادى الى انفضاض الجماهير الشعبية من حولهم، بالنظر الى ان قضية فلسطين كانت وما زالت قضية العرب الاولى، ونقطة التقاء الارض والسماء، او الوطني والديني لدى كل احرار العروبة وشرفائها.

ليس من السهل كسر الجماعات الاخوانية بقرار رسمي، او حلها وحظرها فعلياً وواقعياً بمراسيم فوقية وحكومية، فهي - كما قلنا - حالة شعبية مزمنة ومعرضة للمد والجزر، اكثر منها تنظيماً دينياً عابراً او حركة سياسية مرهونة باوقاتها.. غير ان هناك من يريد دفعها الى الانتحار الذاتي، وتشجيعها على السعي الى حتفها بظلفها، عبر السير في سكة الندامة، والايغال في فيافي العناد والعنف والتطرف والضرب على غير هدى، بعيداً عن التصبر والتبصر والتعقل والاعتذار عن الاخطاء واعادة وصل ما انقطع مع جماهير الشعب وحلفاء الامس و.. قضية فلسطين.

وليس مما يجدي جماعة الاخوان المصرية التي تعرضت للحظر والمصادرة مؤخراً، الاعتقاد - وربما الايمان - بانها ستعود الى سابق عهدها ومجدها، شأن ما حدث لها في اوقات ومحطات تاريخية متعددة.. ذلك لان زمن اول قد حوّل، ولان مياهاً غزيرة قد انسربت من تحت الجسر، ولان مستجدات كثيرة قد طرأت وفرضت ذاتها على ساحة الحاضر، ابرزها اختلاف مواقف امريكا واوروبا والسعودية ومعظم الدول الخليجية من الجماعات الاخوانية بين اليوم والامس، ففيما كانت هذه الدول تسارع في الماضي الى نجدة هذه الجماعات، ودعهما مالياً وسياسياً واعلامياً، وتوفير الملاذات الآمنة لقياداتها وكوادرها المطاردة، باتت اليوم زاهدة فيها، وراغبة عن مؤازرتها والاهتمام بها، بعدما استخدمتها طويلاً، وقضت وطراً منها، واعتصرتها حتى الثمالة، وزينت لها الاعتراف باسرائيل التي كانت تعتبرها دولة ''القردة والخنازير'' !!

من كان يتصور ان تقلب السعودية ظهر المجن للاخوان المسلمين، وتبيعهم لتشتري المجموعات السلفية بديلاً عنهم، وهم الذين طالما تمسحوا باعتابها وتقاطروا على ابوابها بوصفها الاب والعراب وولي النعم، وتفانوا في خدمتها وممالأتها حد العبودية، وانخرطوا بكل قواهم في كافة معاركها ضد الصف القومي والخط اليساري، ليس في ربوع الوطن العربي فحسب، بل حتى في ديار الشيشان وباكستان وافغانستان وبلاد واق الواق.

ومن هنا فاننا نقول للقلة الاخوانية الراشدة والعاقلة، ان الماضي لا يعود، وان الحل او الحظر هذه المرة مختلف تماماً عنه في المرات والاوقات السابقة، وان خلاص الاخوان المسلمين لن يتأتى الا من خلال قدرتهم على اعادة تعريف انفسهم، واستيعاب التحولات الدولية والاقليمية الدرامية المتسارعة، ومراجعة سياساتهم وممارساتهم ومواقفهم، والرجوع الى سابق وجودهم كحالة شعبية (سلمية) متغلغلة ومتشعبة داخل المجتمعات العربية وغير قابلة للحل والحظر، ولكنها بالمقابل غير مؤهلة (وحدها) لمزاولة السلطة والحكم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات