سقوط عبد الباري عطوان ، الربيع العربي الإعلامي


دائما ، أعنى بالمثقفين أهل الآداب و العلوم و الفنون ،و أعنى بالعقول و الخيانة من أستعمل مجال اختصاصه ليكون عميلا للصهيونية أو خادما لغير المشروع العربي ، و ما يعنيني في هذا المجال ليس حرية التعبير أو النقد أو الرأي المخالف ، فأهل الثقافة يملكون حصانة في هذا المجال لا يمكن أن تصبح محل جدال أو هجوم ، بل الدور المجتمعي لهذه الطبقات في الحراك السياسي و الاجتماعي و الثقافي على اعتبار أن المجتمع العربي مستهدف في هذه المجالات بالذات .
النخبة ، أو " الإنتلجنسيا " كما يحلو لبعض المغتربين عن اللغة العربية تسميتها ، من مهماتها الأساسية تكوين الرأي العام و صياغة المشروع الحضاري للأمة ، و هي تقوم بدور المفكر الناصح الدافع للمجتمع حتى يتحول من حالة الاسترخاء الذهني إلى حالة الفعل الايجابي أو ما يسمى بالمشاركة الفاعلة و الفعلية ، على هذا الأساس نستغرب تسمية بعض الشاردين عن العروبة ، الباحثين عن علاقة مصاهرة مع الفكر الغربي ، الدافعين للتخلي عن المقاييس العربية و لباس ثياب الحضارة الغربية ، المبشرين التنصيريين الجدد بفكر العولمة و القفز في المجهول ، الداعين إلى التطبيع و تناول فنجان شاي مع الأعداء ، القابلين بان تتحول الثقافة العربية إلى معالم أثرية و أطلال ، نستغرب فعلا أن يسمى بعض الناس هؤلاء "الغرباء" بالمثقفين ، أو يتقبلون أن تكون هذه " الأقراص المنومة" هي طليعة الأمة العربية في حربها التنويرية أو في معاركها لصد عدوان الهجوم الثقافي عليها من أعداء الأمس و بغاة اليوم في الغرب .
بينما تنهمك إسرائيل منذ سنوات في تخريب " المكون" الفلسطيني أرضا و حضارة و مستقيلا و شعبا ، و بينما تقتلع وسائل الإعلام و من وراءها الطبقات المثقفة و مسطرو السياسات الغربية الصهيونية ، يوميا ، و شيئا فشيئا ، جذور الإنسان العربي ، و تسعى إلى فسخه من المعادلة الوجودية الفاعلة في المجتمع ، تشمر " القواعد" المثقفة العربية – التي أصبحت معروفة بالاسم و التوصيف ، على سواعدها لتقوم بنفس الفعل الضار و المساهمة الفاعلة ، عن قصد أو بدونه ، في إنهاك عقول الأمة بما سماه أحد الظرفاء العرب " بثقافة الجعجعة بلا طحين " ، أو بنشر ثقافة " الخيار الصفر" التي تعنى أنه على العرب القبول طوعا بالمشروع الغربي حتى لا تقبل به كرها ، وأن هذا القبول الطوعي هو أكثر الوسائل البراغماتية نفعا لحالة فقدان المناعة التي تصيب الأمة من كثيرة تناولها للعقاقير "الثقافية" المسمومة المعروضة عليها من دكاكين الإعلام العربي المضلل .
في خضم الحديث عن "المثقفين" أود التركيز على نوع محدد من المتحولين الدائمين مع كل ريح تهب على المنطقة العربية ، و قد يكون الكاتب عبد الباري عطوان ، أقرب الأمثلة الحاضرة إلى الأذهان و أكثرها تعبيرا و توصيفا لحالة التلون السريع المميز لهذه الطبقات المفلسة أخلاقيا التي تشبه في حالات كثيرة جمهرة المتعاونين مع النازية زمن الاحتلال الألماني لفرنسا ، أو الاحتلال الفرنسي لدول شمال أفريقيا إلى غير ذلك ، فالرجل لم يترك مجالا للوقوف على الحياد أو نصف أو ربع الحياد الذي يطلب من صاحب الرأي ، وقف الرجل بشكل علني و صريح ضد سوريا مسقطا عليها كل النعوت و الأوصاف التي يستعملها الأبواق إياهم عند كل هجوم موتور على أي زعيم أو دولة عربية ، كان مهادنا إلى أبعــد الحدود مع المؤامرة و مع أصحاب المؤامرة و ما وراء المؤامرة ، كان صريحا بتوصيف ما حدث بكونه ثورة عذراء لم يمسسها بشر و لم تك بغيا ، وصف النظام الذي سبق أن وصفه و أمثاله بكل آيات المديح بكل آيات التسخيف و التخوين و التشنيع ، إلى حين أن شعر "المقاول " القطري الكبير أنه لم يعد لعبد الباري ما يضيف ، فأحيل على التقاعد المبكر كما أحال الأمريكان نفس هذا المقاول القطري على التقاعد المبكر أيضا .
من المؤكد أن عبد الباري قد سار في شوارع لندن مستذكرا " صولاته و جولاته" ضد سوريا، من المؤكد أن تلك النسمات الباردة قد أصابته بشيء من المرارة و الإحباط ، لقد خرج عبد الباري من مصنع النفايات المضرة " القدس العربي" عاريا من كل شيء ، التاريخ ، الجغرافيا، المهنية الإعلامية ، الوازع الأخلاقي ، القومية العربية ، الانتماء للأمة ، ولان عبد الباري قد رأى في سابق أيامه من سقط و من أسقطه التاريخ و من أسقطوه و من أسقط نفسه ، فقد دفعته نفسه الأمارة بالسوء دائما أن يحاول العودة إلى سوريا بجواز سفر مزيف ، أو بجواز سفر فاقد للصلاحية ، مشككا طبعا في قدرة الملايين على الانتباه إليه في زحمة المتلونين و الفارين من و إلى سوريا ، لكن جمارك الوجدان السوري و العربي لم تكن غافلة إلى هذا الحد الذي يجعلها لا تقبض على عبد الباري عطوان و هو يكتب "باكورة إنتاجه" لفائدة سوريا بتهمة "الجنسية المزدوجة " .
السيد عبد الباري ، في غفلته الأخلاقية و المهنية ، قد كان يظن أن جنسيته البريطانية تتطلب منه الوقوف مع المشروع الغربي الصهيوني ، و جنسيته الفلسطينية تتطلب منه الوقوف أحيانا مع القضية الفلسطينية ، لذلك كنا نلمح ذلك التلون المتواصل في خطاب الرجل ، و تلك الازدواجية المقصودة التي يتقنها عندما يخاطب العقل الغربي أو العربي على قنوات التضليل الإعلامي الغربية و العربية ، نشأ السيد عطوان على هذه الازدواجية و أصيب بمرض الازدواجية حتى جاءت الحرب و المؤامرة القذرة على سوريا ، و سوريا لم تكن دولة "عادية" بكل المقاييس فهناك دول يدفع المساند لها أثمانا باهظة و ضغوطا متزايدة مختلفة ، لذلك وقفت الزواريب للهارب كما يقال ، و أصبحت "القدس العربي" منصة من منصات التوجيه المعنوي و الهجوم اللاذع على سوريا ، حتى جاء انتصار " القصير" ليعيد خلط الأوراق بقوة في المشهد السياسي العربي و العالمي ، و يدفع الأمير حمد بن خليفة و عبد الباري عطوان فاتورة "مالحة" لهذا الانتصار .
ما الذي أجبر عبد الباري عطوان على فعل هذا بأمته ، بسوريا ، بنفسه ، هل هي شهوة البقاء في " السلطة الإعلامية " التي تجعل الكاتب لا يفكر إلا في نفسه و يطيش يمينا و شمالا دفاعا عن البقاء في كرسي صاحبة الجلالة على حساب إدخال العقول العربية في عنق الزجاجة و في الأنفاق المظلمة ، هل نحن أمام شكل آخر من أشكال الاستبداد بالسلطة على حساب الكرامة و المهنية ، و في النهاية هل يعتبر السيد عطوان مثقفا أم مشروع "حاكم إعلامي مستبد" مستعد لكل التنازلات مقابل البقاء في كرسي سلطة " القدس العربي"؟ هل أن سقوط السيد عطوان هو بداية "الربيع العربي الإعلامي " ؟ .



تعليقات القراء

طفيلي ساكنها
المقال عبارة حملة أحقاد وانتقام من الكاتب عبدالباري عطوان جزاء موقفه من نظام القتل والاستبداد والفساد في سوريا وهو لا يمثل إلا مبلغ ضيق وتالم الرفاق من مقالات عطوان وحنقهم عليه ولا يهتم صاحب المقال بتقديم أية أدلة أو براهين أو وثائق على إدعاءته بحق عطوان ويتوهم ان مجرد تقديم تنظير يقوم على الادعاءات والمغالطات كاف في قبول هجومه البائس لا يعني هذا موافقة الاستاذ عطوان في سائر طروحاته ووجهات نظره ولكنه يعني فحسب رفض أساليب الإتهام المرسلة وتخوين المخالف من غير دليل أدري أن الكاتب يعتبر أن مجرد انتقاد بشار ورفضه أمرا كافيا لئن يسلك صاحبه في زمرة الخائنين والجواسيس ولكن الأمر ذاته يعتبر وسام جراءة وبطولة لدى جل أفراد الأمة
28-09-2013 10:31 PM
اردني مستغرب
يا جماعة دخيلكو مين احمد الحباسي؟ والله عمرنا ما سمعنا فيه. والمقال مش مقال. سباب وشتايم ناتجه عن الحقد والحسد .
29-09-2013 09:30 AM
الحقيقه
نكره
ويسيئ
لهرم
مصيـــــــــــــــــــبه
29-09-2013 09:49 AM
الى الكاتب
على فكره...

انت مو حاقد عليه....
انت حاقد على اصوله.......
29-09-2013 10:18 AM
ابو شاهين
على فكرة عبد الباري عطوان لم يسقط ولكن مورست الضغوط من الدول الحاقدة على قلمه, وها هو الان يفتتح جريدة الكترونية جديدة اسمها رأي اليوم
29-09-2013 02:22 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات