" تخاذل أمة "


في هذه المرحلة العسيرة التي تمر بها الأمة حيث تزداد المعاناة و القهر ، و تنهب الثروات ، و يضيع الحق ، و يعتدى على الأرض ، و تختلط الأمور ، و يمتزج الخطأ بالصواب ، و العدل بالظلم ، و السيادة بالعدوان ، في هذه المرحلة يقف المواطن العربي متسائلا : الى أين يسير الحكُام بهذه الأمة ؟ و ما هو المصير الذي ينتظر مستقبلها ؟ و هل الهيمنة الأجنبية قدر ؟

و هل يقبل الشعب العربي الاستمرار في قبول هذا الوضع السائد الذي تغلق فيه أبواب الأمل بفعل هيمنة خارجية أو تسلط داخلي ؟ .

في هذه المرحلة الراهنة من تاريخنا ، التي ارتضى بها العديدون أن يكونوا عوناً لأعدائهم على أمتهم ، يقبلون بالهيمنة الأجنبية و يتنازلون عن الأرض ، يصبح من حق كل عربي أن يتساءل متى تنتهي المحنة ؟

إن أكثر ما يؤلم و يقلق و يخيف هو ما تتعرض الأمة له من العدوان الخارجي الذي يعمل على سلب إرادتها ، و إبعادها عن ممارسة حقها في اختيار طريق تطورها ، و ما تتعرض له من العدوان من داخلها عبر التخلف و التسلط و مصادرة الإرادة ، مما يسهل الطريق أمام الهيمنة و المطامع الأجنبية .

إن الأمة التي وحدتها رسالة التوحيد ، حملت مشاعل الحرية و العدل و المساواة ، و نشرت القيم ، و عممت العلم و المعرفة ، و حررت الإنسان ، تجد نفسها اليوم مجزأة مفككة تكافح ظلم الأجنبي الطامع في ثرواتها و مواردها و ظلم بعض حكامها الذين فقدوا الرؤية و الإحساس بالإنتماء .

لقد كانت الوحدة العربية طموحاً عظيماً لازم عقول و قلوب الذين قاوموا الظلم ، إدراكا منهم لحقيقة ثابتة و هي أن الأمة المجزأة لا يمكن أن تكون حرة و سيدة ، وأن الأمة الموحدة وحدها قادرة على النهوض و التقدم و حماية الأرض و الهوية و المصير .

إن أخطر ما ترسخ بعد نشوء الدول القطرية هو الإزدواجية في السياسات و الممارسات و المواقف ؛ فمن جهة دعوة الى الوحدة العربية و خطاب سياسي وحدوي حتى عند عتاة الإنعزاليين ، و من جهة أخرى ممارسة انفصالية و انعزالية حتى عند أشد دعاة الوحدة العربية.

و قد ساعدت هذه الحالة في إضعاف الأمة ، و ساهمت بتسهيل عبور الهيمنة الخارجية ، و على فتح الطريق أمام الحركة الصهيونية لإقامة دولة الكيان الصهيوني ، الذي وضع العرب أمام تحدي المشروع الصهيوني الاستيطاني ، الذي عجزت آلة الحكم العربية عن إدراك أخطاره ، لأنها غرقت في تفاصيل المصالح القطرية ، و مصالح الشرائح الحاكمة .

و قد أدت حالة التفكك القومي الى تهديد الوحدة الوطنية ، المتمثل اليوم في خطر التركيز الصهيوني و الأمريكي الغربي على إثارة النعرات و العصبيات العرقية و الطائفية و المذهبية التي تجد لها متسعاً في الواقع القائم .

و لعل أشدً ما تتعرض له الأمة اليوم هو هذا التدخل المباشر السافر و العدوان القائم فعلا على المنطقة الذي يسعى الى هدم دول ، و تفككها و تجزئتها ، و ما لحشود البوارج و سفن العدوان الأمريكي التي تتجمع في مياه البحار إلاً عنوانا صارخا للحالة الراهنة المخزية التي وصلت إليها الأمة .

إن الإصرار الأمريكي الغربي المعزز بالدعم المادي من دول النفط ، إلا أكبر دليل على أن استهداف الأمة أصبح حقيقة واقعة . و ما السلاح الكيماوي إلا إحدى الذرائع الواهية التي يستند إليها هذا العدوان المبيًت منذ عقود .

ولولا حالة التوازن الدولي القائمة في مجلس الأمن ، و صمود المحور الذي يقف في وجه هذا العدوان ، و الخوف من تداعياته على مصالح الغرب ، و ربيبته " اسرائيل " ، لسارت أمريكا بمخططها الى أخر مدى .

لقد لجأت أمريكا للعودة الى الأمم المتحدة كمخرج للمأزق الذي وضعت نفسها به ، و أعلنت أن الحل العسكري ليس ممكنا ، و لا بد من اللجوء الى الحل السياسي ، و الذهاب الى جنيف 2 لإنهاء الحالة الراهنة في المنطقة .

و السؤال الذي يفرض نفسه بعد هذه الضجة الني أحدثها قرع طبول الحرب الأمريكية : هل ما زال هنالك أمل بحل سياسي ؟ أم إن ما يجري هو مجرد حركة دبلوماسية لذر الرماد بالعيون؟ و أن العدوان لا محالة قائم ولو تأجل بعض الوقت ؟

و هل تستطيع أمريكا تجميع صفوف المعارضات الداخلية و الخارجية و تقودها الى طاولة الحوار في جنيف 2 ، و هل هنالك مفاجآت غير الكيماوي يمكن أن تظهر و تعيق الذهاب الى جنيف 2 ، كما حدث في المراحل السابقة ؟

أن الواقع القائم على الأرض ، و الدبلوماسية الروسية التي أجبرت أمريكا بالعودة الى مجلس الأمن لا تشجع الطرف الأخر ، ما دامت حالة التوازن الأرضي و الدبلوماسي ليست لصالحه.

و للوقوف على حقيقة السياسة الأمريكية في العالم من المفيد العودة الى ما كتبه المؤلف الأمريكي " نعوم تشومسكي " في كتابه : " الهيمنة و البقاء " . الذي أشار فيه الى أن الولايات المتحدة الأمريكية : " تسعى منذ أكثر من نصف قرن وراء استراتيجية امبريالية كبرى هدفها اخضاع العالم لسيطرتها مهما علت المخاطر . و تدفع نحو الحدود النهائية للسيطرة الامبريالية نحو الاختيار بين امتيازات القوة و إمكانية العيش على الأرض . و تسعى أمريكا الى تسيُد العالم ، و تحقيق السيطرة التامة مهما بلغت التكاليف ."

إن ما تقوم به أمريكا اليوم هو الاستمرار بهذه السياسة العدوانية التي ستغير كل شيء على الأرض ، و لكن هل ستنجح و يبقى العالم تحت هيمنتها ؟ أم أن هناك توازنا دوليا بدأ يلوح في الأفق ، و لم تعد أمريكا وحدها سيدة العالم ؟ .



تعليقات القراء

mimi
لم تعد امريكا سيدة العلم بل ان هناك لاعبون متجددون في لعبة السياسة القذرة وما تراجع امريكا عن ضربها لسوريا وعودتها لمجلس الامن واجتماع قادتها مع ايران عدوتها اللدودة وكذلك الامر بالنسبة للحكام العرب الذين يتآمرون على بعض في الخفاء والعلن ما هوالا دليل على قذارة اللعبة السياسية
وقذارة لاعبيها.
28-09-2013 01:30 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات