سوريا ورقصة الموت


في تقرير بثته قناة البي بي سي عن ما يدور في الأرض السورية وحجم التقسيمات السياسية الدينية التي أصبحت على أرض الواقع وفرضت على التاريخ السوري والشعب السوري وبقية دول الجوار ما يثير الخوف والرعب في النفوس من المستقبل القادم وكيفية الخروج من نفق سوريا دون أن تصبح سوريا افغانستان وارض الشيشان ونصبح نحن القاعدة الخلفية لها ومستودع التزويد بالرجال والسلاح .

ذكر التقرير عن وجود تحالفات دينية وعرقية تتصارع على بقع من الأرض السورية وتقيم فيها دويلات دينية وطائفية وتحكم سيطرتها على الحياة المدمية فيها وتقوم بالتشريع وسن القوانين وتفرضها على ما تبقى من الشعب السوري في خنادق تلك المدن والمناطق ، وفي نفس الوقت تقدم التنازلات فيما بينهم عن أراضي هنا أو هناك مقابل خروج أمن للبعض من ساحة المعركة .

والذي يثير الإنتباه في التقرير القدرة المالية لبعض هذه الجماعات من خلال ما تملك من أليات ومعدات قتال تشبه إلى كبير ما كان يعرض في الساحة الليبية " بكبات نقل مشترك حديثة ورشاشات وضعت في صناديقها الخلفية " ، وحركة تنقل في وضح النهار لركب طويل من هذه المركبات وهي ترفع الرايات الخاصة بها وتنطلق بسرعة بين جموع المواطنين ، وهنا تتأكد حقيقة أن من أشعل نار سوريا ما يزال يقودها بنقوده القذرة مهما وضع من حجج أو تبريرات عن النظام السوري القمعي الطائفي وغيره من المسميات التي أظهرت الحقيقة والواقع أنها كانت نائمة وهناك من أوقد شعلتها كي يثبت حقيقة صبيانية واحدة وهي أنه صغير ولكن فعله كبير وإن كان هذا الفعل ينتج عنه دمار أمة وشعب وتاريخ .

والمشهد السوري أصبح اليوم مقسم جغرافيا بالاضافة للطائفية والعرقية والسياسية ، وفي هذا التقسيم الجغرافي محاولة لفرض حقيقة واحدة أن سوريا لم تعد كيانا جغرافيا واحد بل أصبحت كنتونات تتقاسمها كل تلك الاطياف بمن فيهم النظام السياسي الحالي الذي رضي أن تبقى دمشق له فقط وترك الساحات الأخرى من سوريا لأمراء تلك الكنونات كي يقتلوا بعضهم البعض وبعيدا عنه .

وفي العودة للتقرير التلفزيوني السابق نجده يستعرض تلك الجماعات بكاميرة تلفزيونية وليس عبر كاميرات الهواتف الخليوية ويظهر الصورة واضحة جدا وفيها تقنيات المونتاج ومن خلال لقطات إستعراضية للقوة عبر اللقطات العالية أو المنخفضة والحرص على زوايا اللقطات لحركة تنقل ركب المركبات العسكرية بشكل يذكرنا بالاستعراضات العسكرية للدول المستقرة والحاكمة للأرض والشعب في نفس الوقت .

والذي يمكن متابعته من التقارير التي تبثها قناة البي سي في الفترة الحالية أن هذه القناة أصبحت هي القناة الوحيدة الغربية والعربية بإستثناء قناة المنار وقناة التلفزيون السوري الرسمي التي يحق لها التنقل مع الجيش السوري في أرض المعركة وتقدم تقارير من خلالها مراسلها النشط هناك ، وعلى جانب التغطية للمشاهد الغربي ومن خلال قناتها الغربية تحرص هذه القناة على الدخول إلى أوكار المقاتلين في معظم أجزاء سوريا ، وبذلك تكون هي القناة الوحيدة التي تقدم وجهتي النظر لكلا طرفي النزاع في سوريا .

ولكنها تتحكم في ترتيب أجندة جمهور ومتابعي كلا أطراف المعركة من باب الموضوعية والمهنية وقدرتها على تغطية جانبي الصراع ، ويعود ذلك إلى أنها ومنذ بداية الأزمة السورية حرصت على تقديم تغطية حيادية للأحداث دون إرضاء طرف على حساب طرف أخر وكانت النتيجة أن القصة السورية الحقيقة والموضوعية لايمكن معرفتها إلا من خلال تلك القناة ، وبقية القنوات العربية أصبحت تمثل وجهة نظر واحدة فقط لأحد طرفي الصراع وتتغول على عقل المشاهد العربي وتلعب في ترتيب إهتمامته وبالتالي إتجاهاته نحو ما يدور في سوريا ، وفي نهاية المشهد السوري نرى رقصة الموت التي يستمتع بها كل من يلعب في ساحة سوريا .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات