النموذج الأردني للتعايش العقائدي ..


لا يوجد بلد في العالم كله أستطاع أن يقدم النموذج الأخلاقي الرفيع لحالة الانسجام والتناغم بين عناصر ومكونات المجتمعات البشرية المختلفة كما فعل هذا الأردن العظيم لأن مرجعيته ونشأته كانت قائمة على أساس حالة تحرر أممية وهو الدولة العربية الوحيدة الذي نشأ عن ثورة عربية جامعة ولم ينشأ عن حركة تحرر وطني ضيقة فحظي بالنتيجة بحالة واسعة وعميقة من التعدد والتنوع في أطار الوحدة ..

الأردن هو وريث للثورة العربية الكبرى وليس بديلا عنها وأستطاع مثلا أن يقدم أفضل وأنجح نموذج وحدوي لم يتوقف عند حالة الشعبين الشقيقين ( الأردني والفلسطيني ) حتى أختلطت الأنساب والدماء والمصالح وأنشأ ثقافة الأحتواء والتعايش العميقة ورسخ جذورها في أطهر وأنظف ما تكون الوحدة الحقيقية بين أبناء الأمة الواحدة رغم أنف كل من يقول بخلاف ذلك ويحاول ليل نهار العبث بمنظومة القيم الوحدوية ..

لن نختزل المشهد الأردني في التعايش على القيادة وحدها ولن ننسب الفضل فقط لآل البيت كقادة وأصحاب نهج يجمع ولا يفرق ويوحد ولا يقسم رغم هذا الفضل لأن الشعب الأردني العظيم وحدوي بطبيعته والتاريخ يشهد للأردن بمواقفه وكان ولا يزال أرضية خصبة لدولة تصلح أن تكون صاحبة رسالة بمرجعية قومية دينية أخلاقية مدنية متينة ولولا حالة التناغم ما بين القيادة والشعب والثقافة الوحدوية السائدة أصلا لما كان لهذا النموذج أن يرتقي ويصل لما هو عليه ..

من قبيل ما أسلفناه من فكرة القبول بالآخر والأنسجام معه حالة التعايش العقائدي بين المسلمين والمسيحيين في الأردن والتي يتوجب أن تدرس وتعمم كتجربة راقية في هذا الأتجاه والنماذج كبيرة وعظيمة بعظمة هذا الشعب الراسخ في وجدانه وضميره قيمة التعايش العقائدي ورفضه للتعصب والتطرف بأي اتجاه كان دينيا او سياسيا او اجتماعيا ..

عجلون .. لا أريد أن اكون متحيزا لتاريخها ومجدها وحق لها ذلك ولكن لها حاضر يتوجب أن يقرأ بعناية الحريص وحكمة أهل العلم لأن مآذن المساجد ترتفع الى جانب أبراج الكنائس وتستطيع أن تسمع الأذان وقرع الأجراس في نفس الوقت وترى المسيحي يولم لجاره المسلم في رمضان وترى المسلم يولم لصديقه المسيحي في عشاء اليوم الثالث ..

عجلون .. ترى ديوان عشيرة مسيحية يستضيف أهالي المنطقة كلهم بمختلف عقائدهم لاتخاذ موقف سياسي وترى عشيرة مسلمة تجتمع لتقرر من تعطي صوتها في الانتخابات البرلمانية وحدث فيها أن حصد مرشح مسيحي أصوات المسلمين ليصعد الى قبة البرلمان لأن حضوره وقبوله في منطقته لا يستند لأي عنصر عقائدي ولأن المجتمع المحلي يخلو من التعصب الأهوج الذي يفتت المجتمع ..

عجلون .. لا تستغرب أو تعجب أذا وجدت فيها مسيحيا يتبرع لبناء مسجد أو فرشه وكسوته ولا تعجب أن تجد مسلما يفسح بحد أرضه لبناء كنيسة ولا تعجب أذا وجدت مسيحيا يتبرع لفقراء المسلمين او مسلما ينتصر لشقيقته المسيحي أذا ضاره أحد ولو كان من الأقربين ولا تعجب أن تجد مسيحيا قد هام عشقا بحب بيت النبوة وآل البيت لرحمتهم وحلمهم ورفيع خلقهم حتى قلنا عنه أنه قد تشيع ولا تعجب أن ترى مسلما قد قسم من قوت عياله لعيال جاره المسيحي الذي أفتقر لسوء الموسم الزراعي وهنا أتكلم عن حقائق ووقائع حصلت بالفعل وجميع أهالي عجلون يعرفونها جيدا ..

عجلون مشروع أمة لا بل أمة فهمت مقاصد رب العالمين وعلمت حقيقة رسالته بأن أصل العلاقة هي التعايش لا التنافر والتضاد وعلمت أن رسالة رب العالمين خالق البشر ورب الجميع هي واحدة وتنبع من ناموس واحد فلا فضل ألا بالتقوى التي منشؤها المحبة والأخاء والسلام لا الحرب والقتل وهتك الحرمات نعم عجلون آمنت برسالة ربها أن الانسان هو الأنسان أينما حل وأرتحل ومهما كان لونه او عقيدته او لسانه وأن الله خلقه لأعمار الأرض لا لهدمها فكانت ( ولقد كرمنا بني آدم ) قيمة وجوهر وكان ( الأنسان بنيان الله ، معلون من يهدم بنيانه ) أصلا ومنهج حياة وبالمناسبة ما تجده في عجلون تجده أيضا في مأدبا والكرك وعمان والسلط .. بأختصار هنا الأردن ..



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات