الاسرائيليون والرعب الايراني


عندما تؤكد استطلاعات الرأي الاسرائيلية ان ثلث الاسرائيليين سيتركون البلاد، ويهاجرون الى الخارج هرباً، في حال امتلاك ايران قدرات عسكرية نووية، فإن هذا دليل جديد على ان "استراتيجية السلام" العربية اعطت نتائج عكسية، من حيث مساهمتها في زيادة الهجرة اليهودية الوافدة الى فلسطين والتوسع الاستيطاني لاستيعابها، لما حققته من استقرار وامان وازدهار اقتصادي، يغري هؤلاء المهاجرين الجدد بالتجاوب مع نداءات المنظمات اليهودية الداعمة للمشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة.

فإذا كانت القدرات العسكرية الايرانية المتنامية، والجهود الحثيثة لامتلاك اسلحة نووية، تثير هذه الحالة من الهلع في نفوس الاسرائيليين، وتدفعهم للبحث عن ملاذات آمنة لهم ولأطفالهم في دول مثل كندا وامريكا واستراليا واوروبا، لاحساسهم بأن المستقبل مظلم، فكيف سيكون الحال لو كانت ايران على حدود فلسطين، او لو ان الدول العربية المجاورة، مثل مصر والاردن وسورية ولبنان، هي التي تطور اسلحة نووية، وصواريخ من كافة الاحجام والابعاد، وتدعم المقاومة الفلسطينية بالمال والسلاح؟

بالأمس صرح افيغدور ليبرمان وزير الخارجية الاسرائيلي بأنه لا عودة مطلقاً الى حدود الرابع من يونيو (حزيران)، وتبعه رئيسه بنيامين نتنياهو بتأكيد اكثر إهانة بان القدس الموحدة هي العاصمة الابدية للدولة العبرية، وبالتالي لن تكون موضع تفاوض.

هذه المواقف الاسرائيلية الاستفزازية تحتم اجراء مراجعة فلسطينية اولاً، وعربية ثانياً، للنهج المتبع حالياً وهو استجداء السلام، وبما يؤدي الى العودة الى الخيارات والبدائل الاخرى، ولتكن هناك "مرحلة انتقالية" يكون عنوانها سحب مبادرة السلام العربية، ووقف كل انواع الاتصال مع الحكومة الاسرائيلية الحالية، واي حكومة اخرى تسير على نهجها، واغلاق الابواب في وجه اي مبعوث سلام امريكي او اوروبي، وطرد توني بلير مبعوث اللجنة الرباعية الدولية واعتباره شخصاً غير مرغوب فيه في جميع العواصم العربية لانه صليبي متعصب، وصاحب مشروع "السلام الاقتصادي" الذي يتبناه حالياً نتنياهو كبديل لحل الدولتين، وهو المشروع الذي يكشف انحيازه السافر للمشاريع الاستيطانية الاسرائيلية، وتأجيل بحث مسألة الدولة المستقلة تحت ذريعة ضرورة تأهيل الفلسطينيين اقتصادياً وسياسياً قبل قيامها.

فطالما ترفض اسرائيل السلام وحل الدولتين وتواصل الاستيطان، فلماذا يمتع يحق لمستوطنيها الاستمتاع بالأمن، والاستقرار، والعيش الرغد، مطمئنين الى ان اصحاب الحق العربي المغتصب، لن يعكروا صفو استمتاعهم بالارض الخصبة، والهواء العليل، والماء العذب والشواطئ الذهبية بينما جارهم الفلسطيني صاحب الأرض التاريخي يعيش في بؤس ومعاناة؟

لماذا يسمح العرب، والفلسطينيون منهم على وجه الخصوص، بازدهار صناعة السياحة الاسرائيلية التي تدر مليارات الدولارات سنوياً على الخزينة الاسرائيلية، بينما يعيش مليون ونصف المليون عربي تحت حصار تجويعي ظالم، في قطاع غزة، واكثر من ثلاثة ملايين آخرين يواجهون الاذلال امام ستمائة وخمسين حاجزاً في الضفة الغربية المحتلة؟

لقد وصل الفجور بدولة اسرائيل الى حد نشر اعلانات للترويج السياحي في لندن تشمل خريطة تضم الضفة والقطاع وهضبة الجولان كأرض اسرائيلية، ولولا احتجاج السفارة السورية بمبادرة فردية لما ازيلت الاعلانات.

السيد احمدي نجاد محق بـ"خطفه" للقضية الفلسطينية من ايدي الزعماء العرب ودون اي مقاومة منهم، وفضحه للاغتصاب الاسرائيلي لفلسطين، والاذلال اليومي لأهلها، وتطويره قدرات عسكرية متقدمة، ولقد استطاع ان يرهب الاسرائيليين حكومة وشعباً، في اسرائيل وخارجها، ويقض مضاجعهم، دون ان يطلق رصاصة واحدة، الأمر الذي يؤكد ان القوة وليس التلويح بغصن الزيتون، من موقع الاستجداء والضغف، هي التي يمكن ان تغير المعادلات وتضع حداً للغطرسة الاسرائيلية، التي نراها في ابشع صورها، في سياسات حكومة نتنياهو ومواقفها المتشددة.

فالاسرائيليون يدركون ان تنامي اي قوة عسكرية في اي دولة اسلامية يشكل تهديداً لأمنهم، بل لوجودهم. وهم يخشون ايران بالذات لانها الدولة الاسلامية الوحيدة، صاحبة القرار المستقل، التي لا تأتمر بأوامر قوى خارجية، ولا تمد يدها لواشنطن او صندوق النقد الدولي لتسول المساعدات والقروض.

الانظمة العربية تنتظر وبفارغ الصبر، زيارة الرئيس باراك اوباما للقاهرة، وخطابه الذي سيلقيه من على منبر جامعتها، ويعرض فيه "المصالحة" مع العالم الاسلامي، ومنظوره لتسوية الصراع العربي الاسرائيلي. وقد بدأ البعض بالترويج لهذه المصالحة مسبقاً بالتلويح بالتطبيع الكامل من قبل الدول الاسلامية جميعاً مع الدول العبرية، مقابل تجميدها للاستيطان في الضفة الغربية المحتلة. ما اكبر العرض وما ارخص الثمن!

السؤال الذي يطرح نفسه هو عما اذا كان بعض الزعماء العرب الذين يتبنون هذه المبادرة الجديدة ويروجون لها عبر منابرهم الاعلامية قد تشاوروا مع الدول الاسلامية المعنية (57 دولة) وحصلوا على مباركتها، قبل ان ينصبّوا انفسهم متحدثين باسمها، متنازلين مسبقاً نيابة عنها. هل وافقت دول عربية مثل ليبيا والجزائر والسودان وسورية ولبنان وموريتانيا عليها مثلاً؟ وماذا عن ايران اليست هي الاخرى دولة اسلامية؟

الاستطلاع الاسرائيلي المذكور، ونتائجه يؤكدان ان النهج العربي السابق الرافض للمفاوضات، والاعتراف المجاني باسرائيل، هو الاجدى والاكثر تأثيراً والأقل ضرراً على الأقل وربما لو استمرت الانظمة العربية في التمسك به، خاصة ان الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة كانت توسّط "طوب الارض" للجلوس مع العرب لكسر عزلتها الدولية، لحصلت على تنازلات اكبر، وتسوية تضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، والوصول الى الحد الأدنى من السلام العادل.

سياسات العزل، ودعم المقاومة الفلسطينية المشروعة في الوقت نفسه، عززت التيارات الاسرائيلية المطالبة بالسلام، وشاهدنا مئات الألوف من الاسرائيليين يتدفقون الى ميدان تل ابيب الرئيسي، تلبية لدعوة حركة "السلام الآن" ضد الحروب الاسرائيلية في لبنان وغيرها، بينما شاهدنا الرضوخ لسياسات الابتزاز الاسرائيلية والامريكية من خلال التقدم بمبادرة سلام تحقق معظم الشروط الاسرائيلية، مما دفع بالاسرائيليين الى التطرف، وانتخاب حكومة اسرائيلية ترفض حل الدولتين، وتتعهد بالتوسع الاستيطاني، وانقراض تيار السلام الاسرائيلي او اضمحلاله، فأين حركة السلام الآن؟ وأين حزب ميرتس، وكم يملك حرب العمل من مقاعد في البرلمان؟

نأمل ان يكون السيد عمرو موسى امين عام الجامعة الذي تعهد بالبحث عن البدائل العربية للرفض الاسرائيلي لمبادرة السلام العربية ان يكون قد اطلع، والزعماء العرب الآخرون، على هذا الاستطلاع ونتائجه، وافاقوا من غيبوبة السلام التي يعيشونها حالياً، وأعمتهم عن رؤية ابسط الحقائق، وأبجديات الصراع العربي الاسرائيلي.


 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات