اليوم الأول


الأوائل من الأشياء لها طعم خاص ومعنى مميز لا يزول ولا يُنسى . فالولد الأول ( البكر ) له محبة خاصة ومعاملة متميزة عن باقي الأخوة ، لا يُنافسهُ فيها ربما إلا أصغر الأبناء والذي يأتي عادة على ( كبر ) . وكم تمنيتُ ، دون أن أُخبر أحدا ، حتى الآن ، لو كنت أنا الابن الأول ، رغم أنّي كنتُ أقوم بدوره فعلياً . والحبّ الأول هو الأكثر براءة ونقاءً . والمنزل الأول والجيران الأوائل وأصدقاء الطفولة ، لا ينقطع الحنين إليهم .

اليوم 28/8 كان أولّ يومٍ دراسي في عامٍ جديد . ومن هذه الأعداد الكبيرة ، هناك من كان هذا اليوم هو أول تجربة لهم مع المدرسة وأنظمتها وقوانينها . فهل تكون هذه التجربة مثيرة ومحببة ؟

اليوم غادرت الصغار أعشاشها وأحضان الأمهات ودفء الفراش بعد أن اكتست ريشا وأصبح لها أجنحة ، ولو ضعيفة ، بعضهم يتراقص فرحا بتجربة جديدة وأصحاب أكثر وعالم جديد ، وبعضهم يُساقون إليها وهم كارهون ، ثم لا تلبث أن تتحول المدارس إلى حفلات من البكاء والاسترضاء والإقناع .

اليوم أُعلنت حالة طوارئ في البيوت ، فالنوم المبكر إجباري للأطفال ، والصحو المبكر المتثاقل إجباري أيضا لتصبح البيوت كأنها ورشة عمل للإعداد والتجهيز والاسترضاء . اليوم تخلو البيوت من بهاءها وبهجتها وضحكات صغارها ، أجمل من فيها ، وصخبهم ومشاغباتهم ومشاجراتهم ، إلى حين ، على مبدأ فاصل ونواصل . اليوم تبحث الشوارع والحارات والملاعب عن روادها والألعاب عن أحبابها وأصحابها التي خلت منهم فجأةً . اليوم تشعر الأمهات بفراغ وحنين وشوق وانتظار من نوع خاص .

انّه اليوم الأول في حياة هؤلاء الصغار الكبار . وستبقى ذكرى هذا اليوم مخزونٌ في الذاكرة ، وسيأتي يومٌ بإذن الله لرواية هذه التجربة التي كانوا هم أبطالها يوما للأبناء ، وهكذا تستمر الحكاية والتجربة نفسها تتناقلها الأجيال .

ما زلت أذكره بصحوه المبكر وطقوسه ، أجلسني الوالد تحت شجرة ليمون إلى جانب الشباك وأخذ يُشجعني وسمّع لي سورة الفاتحة وطلب مني العد حتى المائة ثم أوصلني للمدرسة . وعند أول فرصة غادرتها وعدت إلي البيت لا ألوي على شيء . وعندما سُئلت عن السبب أجبت بأنه الجوع ، ولكن الحقيقة أني كنت مشتاقا إلى حضن أمي وحنانها ، والى ألعابي وفي مقدمتها الأرجوحة التي عندما كنتُ أطير بها أشعر بأن الدنيا قد حيزت لي بحذافيرها .

لماذا 28/8 . ألم يكن الفاتح من سبتمبر أولى يا معالي الوزير ؟ وهل هي مقصودة كي ننسى القذافي والفاتح من سبتمبر . ألا تريدنا أن نتذكر لنبتسم ، فقد كان نموذجا خاصاً من الحكام ، كل شيء فيه يُثير الابتسام أو أكثر . أليس هذا أفضل من حكام تُثير رؤيتهم رائحة الدم !!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات