التلفزيون المصري وشرف الدفاع عن قاتل سوزان تميم!


أخفقت هيئة الدفاع عن المتهمين في قضية مقتل المغنية سوزان تميم، في مهمتها أمام المحكمة، فترافعت في الاستوديوهات، وأمام مذيعين ومذيعات، ليس أمامهم أوراق القضية، وليسوا مؤهلين للقيام بدور المدعي العام.

المحكمة أدانت رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى بتهمة التحريض، وضابط الشرطة السابق محسن السكري بتهمة القتل، وأحالت أوراق القضية الى فضيلة المفتي، ومهما كان رأيه، فلن يغير من طبيعة الحكم شيئا، وهو الإعدام، ووجدت برامج "التوك شو" قضية لتشبعها مناقشة، بعد ان أصيب المشاهد بالملل من قضية أنفلونزا الخنازير.

ومما لا شك فيه ان هذه النوعية من البرامج في التلفزيون المصري وضواحيه، أصبحت تعاني من الإفلاس، ومن "العاشرة مساء" إلى "90 دقيقة" ومن "الحياة اليوم" الى "البيت بيتك"، ومعهم البيعة برنامج "القاهرة اليوم"، فهذه البرامج تقتات على القضايا التي تفجرها الصحف، وعلى غيرها من قضايا الرأي العام، دون ان تجتهد فتفجر هي قضايا، أو تنال شرف السبق الإعلامي.

فلم يعد السبق هنا مطروحا على جدول أعمال هذه البرامج، التي أصبحت تقريبا تشبه بعضها، فاقتصرت المنافسة على تقديم وقت البث، فيقرر "90 دقيقة" ان يكون موعد بثه في التاسعة مساء، فيقوم برنامج "العاشرة مساء" بتقديم موعد بثه، دون ان يلقي بالا الى أن اسمه يشير الى ان موعد البث هو في العاشرة.

لا بأس، فقضية مقتل المغنية " سوزان تميم" اهتم بها الرأي العام في مصر، ليس لقدر المقتولة، فكثيرون وأنا واحد منهم لم يكونوا قد سمعوا باسمها إلا عندما تم العثور عليها في شقتها بدبي مذبوحة، وحامت الشبهات حول رجل الأعمال "هشام طلعت مصطفى"، أحد وجهاء الحزب الحاكم في مصر، في "زمن الفكر الجديد"، وهو الشعار الذي تم رفعه عندما تمكن نجل الرئيس بصعوبة من مقاليد الأمور فيه، وهو الذي كان يواجه بحرب من اعضاء الحرس القديم، الذين تساقطوا واحدا تلو الآخر، كأوراق الشجر اليابس، إلا واحدا هو الرائد متقاعد صفوت الشريف، الذي التحم مع المرحلة الجديدة، وصك لها الشعار سالف الذكر. عبقري صفوت الشريف في صك الشعارات البراقة، التي لا معنى لها.

هناك مثل مصري يمثل الانتهازية السمحة نصه: "إذا جاءك الغصب دعه يمر بجميله"، وكذلك فعل الرائد المذكور، "ليظل ما في القلب في القلب يا كنيسة"، كما يقول مثل مصري آخر.

عدم معرفتي بـ "سوزان تميم" قبل نحرها، لا قيمة له في مجال التقييم، فانا توقف اهتمامي بعالم الطرب عند زمن " محمد عبد المطلب"، صاحب الأغنية الشهيرة " ساكن في حي السيدة وحبيبي ساكن في الحسين".. الحمد لله انه مات، والا اتهموه بأنه عضو في خلية حزب الله التي اخترقت "السيادة المصرية" بهدف نشر الفكر الشيعي، باعتبار "السيدة" و "الحسين" رمزين شيعيين، ومؤكد انه كان قد سبق هذا محاكمة تلفزيونية لـ "عبد المطلب" تهدف للتشهير به تمهيدا للمحاكمة القضائية.

" خلية حزب الله" هي القضية التي ساق فيها البعض "الهبل على الشيطنة" حتى وصل الحال الى القول ان اسم "حزب الله" جاء مكتوبا على بعض العملات المصرية الورقية بهدف الترويج له، ولا يزال البحث جاريا عن الجناة الذين يهددون الأمن القومي المصري.

الاهتمام التلفزيوني

ربما كان العامة من أمثالي هم الذين لم يحصل لهم شرف معرفة "سوزان تميم"، لكن مما لا شك فيه ان اسم "هشام طلعت مصطفى" كـ "الطبل"، فهو اشهر من النار على العلم، فهو برلماني عن الحزب الحاكم، وهو عضو في لجنة السياسات، وهو من المقربين من أهل الحكم في البلاد، والدليل أنهم منحوه أراضي الدولة مجانا، ليقيم عليها مشروعاته، ولينفق الملايين على المذكورة.. فمهرها كان 30 مليون دولار، وسحبت من رصيده في البنوك مثلهم، وانفق ثلاثة ملايين أخرى في التخلص منها، كما تردد!.

ومن هنا فالاهتمام التلفزيوني بهذه القضية، لم يكن من فراغ، وقد انتهز برنامج "48 ساعة" على قناة " المحور" ان البرامج المنافسة في إجازة أسبوعية في يوم الخميس، يوم النطق بالحكم، فنقل وقائع جلسة النطق بالحكم على الهواء، واستكمل المسيرة في اليوم التالي، وكانت البرامج الاخرى أيضا في إجازة!.

كان هناك حرص من المشاهد للوقوف على ما جرى، لاسيما وان قرارا من المحكمة بحظر النشر كان قد صدر في الجلسات الأولى للمحاكمة، لكن التغطية التي جرت طوال الأسبوع الماضي جعلته يصاب بالتخمة، وكانت المعالجة واحدة تقريبا، إذ كانت تتم استضافة عناصر من هيئة الدفاع لتنفرد بالمشاهد في غيبة من المحكمة، ومن ممثل الادعاء في القضية، وفي غيبة أيضا من المناقشة الجادة من قبل مقدمي برامج بدوا كهشيم تذروه الرياح في مواجهة من يبررون إخفاقهم في تبرئة موكليهم، بالترافع عبر الشاشة.

عدد من مقدمي البرامج التي تعرضت للقضية سعوا للتأكيد على ان هذا الحكم دليل على استقامة الحكومة المصرية، فلم تتدخل في أعمال القضاء لتنقذ واحدا في حجم "هشام طلعت مصطفى" من حبل المشنقة، فلا احد فوق القانون في مصر، فات هؤلاء، وربما لم يفتهم، أن الموضوع وما فيه ان هناك طرفا آخر أصر على ان يأخذ القانون مجراه، وهو الجانب الإماراتي الذي وقعت الجريمة على أراضيه، وقد حاول قومنا في البداية ان يحموا رجلهم، واستخدموا تلفزيون البلاد لتقديمه على انه " خضرة الشريفة"، لكنهم لم يجدوا أمامهم من سبيل، لاسيما وان القوم في الإمارات هددوا باللجوء الى المحاكم الدولية، ان تقاعس القوم في مصر عن تقديم الجناة للمحاكمة.

عذر العاجز

كما انه يُعذر الجاهل بجهله، فانه أيضا يُعذر العاجز بعجزه، فغالبية من تطرقوا لهذه القضية في برامجهم لم "يذاكروها" ، بشكل يمكنهم من التصدي لحجج المحامين، وطائفة منهم قد تأتي للمتهم بالإعدام، ثم تسأله عن رأيه في المرافعة. فلم يصد جماعتنا ولم يردوا، وربما انبهروا بالمرافعات البليغة من محامين حصلوا على الملايين كأتعاب فلم تمنع من صدور قرار إحالة الأوراق إلى المفتي. وان كان البعض اعتبر العجز عن التصدي متفقا عليه، لتهيئة الرأي العام، لقبول حكم بالبراءة، او السجن المخفف، إذا تمت إعادة المحاكمة، ووقتها ربما يكون الإماراتيون قد نسوا الموضوع برمته، وربما تكون قد تمت مجاملتهم في الأفراح، فلا يقفون لابن لجنة السياسات البار على الواحدة.

البعض يعتقد أن قومنا تعلموا من درس ممدوح إسماعيل صاحب العبارة الشهيرة، والعضو البارز بالحزب الحاكم أيضا، فقد صدر حكم محكمة أول درجة ببراءته، مما تسبب في صدمة للرأي العام دفعت النيابة العامة إلى الطعن في الحكم في نفس يوم صدوره، ربما في سابقة هي الأولى من نوعها.. انظر كيف سيكون الموقف لو أن الإدانة كانت في أول درجة، والبراءة كانت من محكمة الاستئناف.

لست مع هؤلاء على أي حال، فالقضية وما فيها ترجع الى عجز مقدمي البرامج عن مناقشة هيئة الدفاع في مهمة بالنسبة لها هي قضية حياة أو موت.
لكن كل هذا (كوم)، وما جرى في برنامج " البيت بيتك" (كوم) آخر، فقد بدأ البرنامج وبحكم السوابق متواطئا مع رجل لجنة السياسات المتهم بالتحريض على قتل "سوزان تميم"، وربما تذكرون كيف ان هذا البرنامج ومنذ بداية القضية وهو يدافع بالباع والذراع عن "هشام طلعت مصطفى"، إلى درجة أنهم خصصوا له حلقة خاصة، لتقديمه على انه رجل البر والتقوى، الذي ينفق على الفقراء بيمينه فلا تعلم شماله ما أنفقت اليمين.

كانت صحف الإمارات تقول ان رجل أعمال مصري وراء مقتل الفنانة اللبنانية التي وجدوها مذبوحة في شقتها، ولان العالم أصبح قرية صغيرة فقد انتقل الخبر من هناك الى كل مصر بأن المذكور هو المقصود، بينما تلفزيون الريادة الإعلامية يستضيفه ويجلس أمامه تامر ابن أبيه، مجلس التلميذ في حضرة "طلعت حرب" ليتحدث عن تجربة بنك الفقراء التي يتبناها، وفي اليوم التالي تحولت بعض الأعمدة في الصحف الى "حلقة ذكر" تشيد بالمذكور، الذي لم ينس الدور الاجتماعي لرجال الأعمال الوطنيين.. قدوة للشباب " هشام طلعت مصطفى" يا قراء. تامر ابن أبيه سبق وان جلس على هذا النحو في حضرة رجل الحزب الحاكم وصاحب العبارة ونجله، الذي تم تقديمه على انه واحد من رموز مصر الحديثة!.

لقد استضاف "البيت بيتك" فريد الديب محامي "هشام المذكور"، والذي قدم مرافعة عن موكله، ولم يكتف بذلك وإنما انطلق يهاجم رئيس المحكمة التي أصدرت الحكم، بشكل يمثل جريمة مكتملة الأركان، ولا جناح عليه فقد حصل منه على أتعاب تقدر بـ (18) مليون جنيه عدا ونقدا، وإنما المشكلة في ان يتحول تلفزيون البلاد الى ساحة للدفاع عن مجرمين بحسب حكم القضاء الذي هو عنوان الحقيقة.

لا بأس، فالمتهم هو من رشح انس الفقي وزير الإعلام لمنصبه، وقيل ان الوزير كان ضيفا عليه في منزله العامر عندما تم اختياره لهذا المنصب.. أصيل انس الفقي يا قراء!

أرض جو

ـ تحسست مذيعة " العاشرة مساء" (بطحتها) وقالت ان أحدا لم يطلب منها ان تقيم سرادق عزاء في وفاة حفيد الرئيس مبارك. وتحسس وزير الإعلام (بطحته) فشكر القنوات التلفزيونية الخاصة لمبادرتها الوطنية الخاصة بالحداد ثلاثة أيام. وقد تبين ان مشاركة هذه القنوات على النحو الذي جرى كان بتعليمات من الوزير شخصيا!.

ـ قال انس الفقي ان المحطة الإخبارية الجديدة التي لم يتحدد موعد بثها بعد ستنافس " الجزيرة" و" العربية" وقال عبد اللطيف المناوي رئيس قطاع الأخبار بالتلفزيون المصري انها لا تستهدف منافسة " الجزيرة" أو " العربية". اعتقد انها ستنافس "الإخبارية" السعودية.. وبامتياز!
صحافي من مصر
azouz1966@gmail.com
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات