نور الدرب الطويل


لم تكن سنون مضت من تسير بي في طريق مجهول فقد كنت أظن أنني باق على الدوام ذلك السد المنيع الحامل لصمام أمنه بكلتا يديه و بين مقلتيه أمام غدر الزمن و هباته ريحه العتية.لكن ما تحمله لحظات العمر من كلمات و من رياح و تخيلات حملتني على تغيير نمط الحياة التي كنت أعيش و قادتني الى طريق مجهول و الى درب صعب الوصول.

لم أكن و أنا أكتب هذه الكلمات لأنسى تلك اللحظات الاولى – و أقصد هنا لحظة دخول المجهول – فتلك اللحظات أو حتى جزيئات الوقت لم تعد تغيب عن ذاكرتي حتى في أحلك الظروف.تلك الطريق و رغم طولها و صعوبتها الا أن كل لحظاتها ترسخ في ذاكرتك كما و أنها عشق العمر و رؤية المستقبل و أحلامك التي لطالما رغبت بتحقيقها رغم كل الشكوك و الظنون .

و رغم ذلك سرت في ذلك الطريق الى أن جاء اليوم الموعود ذاك اليوم الذي راودتني فيه نفسي بشكها على قدرتي على الوصول الى النور و تجاوز هذا الدرب الطويل ؟

في ذلك اليوم راودني ذلك السؤال المعهود " الى متى ستبقى تسير في الدرب المجهول ؟ أما آن لك أن تترجل ! أما آن لك أن تعود ! فالدرب لا زال طويلا و الطريق يزداد وعورة وصعوبة كل يوم حتى أنك بالكاد تسير ! "

أجاب العقل بحزم - كما هو دائما - : عد فأنت ذو عزم شديد ... تسائل القلب كما و كأنه يشكو من بعيد " و أنا هنا معلق أسير ؟! "

تعجب العقل حينها و تهالكت أفكاره و هو يبحث عن سبيل التحريرفالقلب جاثم خلف حصن منيع ، بل قد يكون الحصن سجنا لم يخرج منه عظام التاريخ ، كاد ان يسلم أنه ما من سبيل ، و لكنه حشد الجيوش و أعد العدة و انطلق نحو الحصن المنيع ظانا انه قادر على اختراق الحصن و كسر القيد و البدء من جديد ، و بعد طول انتظار هد السور و سقط الحصن و دخل العقل منتصرا صارخا : " إنه وقت التحرير ".

لم يحرك القلب ساكنا و نظر الى ذلك الجيش العظيم رافضا حتى ان ينطق كلمة شكر أو حتى تفسير ، خاطبه القلب غاضبا : " قم فما من أسر أو قيد أو حتى رقيب " ابتسم القلب باكيا و أشار الى العقل بالبنان طالبا منه الرحيل قائلا :"الاسر ليس خلف أسوار حصن و لا من خلف سجن و لا من وراء قيد عتيد ، الاسر أسر دم يجري فيي لم يستطع حتى أن يفكر في الرحيل.

وقف العقل كما و كأنه تجمد من حرارة الشوق و لهيب القلب ناظرا الى ذلك ( النور ) الذي بزغ من بعيد ، دمع القلب و سأل العقل " أترى لما أنا أسير ؟!! "

لم أرى يوما عقلي يضعف أمام الصعاب ، لم أره يتردد في الكلام و التأويل ، لم أره حتى يشكك في نفسه بلا ضمير ، ينظر من خلفه الى المستحيل , بكى العقل مأساة القلب و ناشده الصمود , و ذكره بالصبر على قسوة الدهر عل الصبر ينجيه من طول الطريق مذكرا القلب بأنه حذره من دخول المجهول ، بكى العقل كما و أنه شعر نبض القلب المجنون . أجاب القلب حزينا سعيدا هائما على وجهه بجنون " يداي و قدماي أسيرتا هذا الدرب الطويل ، و مالي في هذه الدنيا الا صراع مرير ، لن تفك أسري السنون و لا حتى جيوش الارض و البنون فأنا معلق ب ( نور ) بعيد ، كلما اقتربت منه زاد أسري و عشقي للطريق المجهول و إذا ما ابتعدت فأنني كالتائه في الشوق عن أرضه و الفاقد للدرب تائه و مجنون .

تأرجح العقل في مكانه و راودته الشكوك و ابتعد عن القلب ناظرا الى ذلك ال ( نور ) البعيد آملا أن يصل القلب الى نوره قبل الرحيل مرددا بهدوء " درب صعب طويل .... درب صعب طويل .... درب صعب طويل ... و لكن سنسير ... معا سنسير " .

mta82@yahoo.com



تعليقات القراء

عادل الرنتيسي
مقال رائع و اكثر من جميل نتمنى أن نرى كتاباتك على الدوام
23-05-2009 02:14 PM
اسماعيل الطراونة
و الله انك على راسي يا كبير و الله كلام من الآخر أنا قاعد بدور على قوقل و لقيت مقالك كما عودتنا من ايام الجامعة تبدع و تمتع و تسعد
26-07-2009 03:55 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات