بالدليل العلمي فشل مبادرة التشغيل


ظهر مارد البطالة بوضوح ،وكان فشل مبادرة التشغيل التي أعلنت عنها الحكومة بداية العام متوقعا ،وكانت كما قيل حينها مجرد حركة استعراض بهلوانية مرتبطة بالخيال، وقد أكد هذه الحقيقة مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، وأعلن قبل أيام أن معدلات البطالة بين الشباب الأردني هي الأعلى في العالم، وفق أحدث المؤشرات الإحصائية المحلية والدولية للعام 2013.

واعتبر المركز، في ورقة "تقدير موقف" بعنوان "الشباب الأردني: أحلام كبيرة في مواجهة اغتراب السياسات الوطنية "، أن ضعف السياسات الاقتصادية والتعليمية وسياسات العمل، وعدم مواءمتها لواقع وحاجات المجتمع ومتطلبات تطوره، ساهمت في تفاقم المشكلة ورأت الورقة ان هذه السياسات خلقت بيئة عمل طاردة في غالبية القطاعات الاقتصادية، والتي يشكل الانخفاض الملموس في مستويات الأجور أبرز سماتها.

ولدت المبادرة ميتة ،ولقد اشرنا لتلك الولادة في مقال سابق بعنوان (مبادرة التشغيل مجرد أوهام يا دولة الرئيس ) وانتشر انتشارا واسعا عبر المواقع الالكترونية فور الإعلان المفاجئ عن المبادرة، وتضمن المقال التوقعات التي أثبتتها الدراسة العلمية التي أجراها مركز الفينيق ، فقد كانت وزارة العمل تقدم البراهين والأدلة القاطعة لإثبات حقيقة واحده ،وهي أنها سخرت ،،وتسخر، وستسخر في المستقبل كل إمكانياتها وطاقاتها لتشغيل العاطلين عن العمل ،ومع ذلك كانت تشكو من حالة اكتئاب نتيجة الحصول على نتائج متواضعة لتامين فرص عمل جديدة في ظل وقف التعيينات في الجهاز الحكومي ،وانكماش القطاع الخاص بسبب الأحوال المالية والاقتصادية الصعبة ،ما كان يؤكد بأن المشكلة صلبة وستبقى تراوح مكانها في المدى المنظور.

فجأة وبلا مقدمات انقلبت الأوضاع من حال إلى حال ،وإذا بنا أمام لغز إعلان وزارة العمل عن قدرتها على توفير 18 ألف فرصة عمل بالتعاون مع القطاع الخاص ،دون أن تقول لنا كيف يمكن لها خلق هذه الفرص الزائدة عن المعدل السنوي للتوظيف وطريقة إظهارها إلى حيز الوجود، وأعلن الوزير انه استطاع بمبادرته الوهمية تخليص الأردنيين من ثقافة العيب المزمنة بهذه الخطة الطارئة، وانه بصدد طرد العمالة الوافدة المخالفة التي تعمل في المهن التي يأبى الأردنيون العمل بها.

بطبيعة الحال لم تأت المبادرة بجديد ،وهذه حقيقة أخرى أثبتها مركز الفينيق كذلك ،موضحا ان غياب الاستقرار الوظيفي وسهولة عمليات الفصل من العمل، وحرمان الأغلبية الساحقة من القوى العاملة من حق التنظيم النقابي بموجب نصوص قانونية "متخلفة" عن الدستور الأردني ومعايير العمل الدولية، الأمر الذي أدى إلى تعميق التراجع في شروط العمل ،ولهذا استمرت عمليات التشغيل ضمن سياقها الطبيعي الهزيل قبل المبادرة ودون إضافات جديدة .

كانت فقاعة ال18 ألف فرصة عمل جديدة قد تمت دون الإعلان عن مشاريع وتوسعات جديدة في القطاع الخاص ،وهذا في العرف الاقتصادي حلم يقظة على الطريقة البدائية لا يظهر له في العادة اثر، ونحن أصحاب شركات التوظيف أدرى بشعاب التشغيل ،وكنا نعرف (ألبير ونعرف غطاه )،وشككنا بثلاثة أرباع ما ورد بمضمون المبادرة على اقل حال ...لأنه بكل صراحة ووضوح لا صلة له بالواقع. وليس هذا من قبيل التنظير ،وإنما نقرره كخبراء مختصون في مجال العمل ، ولو سمح لنا بالمشاركة في حفل المبادرة الذي جرى تحت الرعاية الملكية، لكشفنا لصاحب الجلالة عن هذه الحقيقة ،ولأسمعناها له بصوت واضح وبمليء الفم ، وكانت المخاوف من البوح بهذه الحقيقة سببا مباشرا وحيدا لاستبعادنا عن الحفل .

لم تتدفق مؤسسات القطاع الخاص على أبواب المبادرة لإنقاذ العاطلين عن العمل من حالة اليأس والبؤس ، فالقطاع الخاص ليس في قبضة الوزارة ،وليس رهنا لإشارتها كما أوحت ألينا الحملة التي عمل لها منظموها طنه ورنه ،واستدعوا إليها بكل أسف كبار المسئولين ورموز الدولة . ذلك ان وزارة العمل هي جهة ترابط عمالية تقتصر مهمتها على تسهيل الاتصال بين الباحثين عن عمل والقطاع الخاص وعلى نطاق ضيق، أما أغلبية الشواغر المهنية والوظيفية التي تتوفر في القطاع الخاص ،فيجري ملئها بالإعلان عبر وسائل الإعلام دون تدخل او وساطة الوزارة .

مما تجدر الإشارة إليه ان وزارة العمل استغاثت بشركات التوظيف ،وطلبت منها النجدة لإنقاذ المبادرة عندما ظهور أعراض الفشل ،لكن بعد فوات الأوان ، وعقد اجتماع متشنج في مبني الوزارة لم يفض إلى تفاهم او نتيجة ،وهكذا تصاعدت مشكلة البطالة، التي صنفها المركز بأنها "أكبر مشكلة تواجه الشباب في الأردن راهناً .

مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية مؤسسة بحثية علمية مستقلة مرخصة ، تأسس عام (2003)، ويعمل على المساهمة في تطوير وتحديث المجتمع الأردني من خلال إعداد الدراسات والأبحاث والتقارير التي تتناول مختلف مجالات التنمية في الأردن في إطار محيطه العربي والإقليمي والدولي.

وعلى ذلك فأننا نثق بالدراسة ا ونطمأن إلى نتائجها ،باعتبار المركز جهة علمية محايدة ،وقد توصلت إلى أن مجمل العوامل أدت إلى تضييق الخيارات أمام الشباب الأردنيين و"تقزيم أحلامهم الكبيرة التي يحملونها، وتحول الكثير من هذه الأحلام عند الكثير منهم إلى سلوكيات تمردية على القوانين،وممارسة مختلف أشكال العنف الذي نشهده يوميا في مختلف أنحاء المملكة.

لكن المشكلة رغم كل هذا وذاك ليست هنا ...المشكلة هناك... في وزارة العمل التي تحاول بلا جدوى تغطية الشمس بغربال ،وترفض الاعتراف بهذه النتائج العلمية القاطعة ،وان المبادرة لم تمكث في الأرض، ولا زالت تصر على نجاحها مئة بالمائة ولكن دون قرينة أو دليل .



تعليقات القراء

حسن المومني
كل الشكر والاحترام للكاتب والاستاذ فايز الدعجة ....
للاسف انك انت الوحيد الذي طرح هذا الموضوع بصراحة وشفافية وموضوعية
احترم كلامك بشدة واقدره وخصوصا انه مدعم بالدراسات والحقائق
ادعو لك بالتوفيق ونتمنى منك المزيد
وشكرا
14-08-2013 09:57 AM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات