منتدى الوسطية بين الفكر السليم والنهج القويم


إن ما بثلج الصدور ويطمئن النفوس إن نرى فئة مؤمنة أخذت على عاتقها حمل الأمانة وإيصال رسالة الوسطية والاعتدال إلى الناس ، هذه الرسالة النبيلة التي تم تشويهها بقصد أو بدون قصد ، حتى غابت خلف ظلام التشدد والتطرف ، لكنها سنة الله في هذا الكون إن يسخر لدينه من يقومون على خدمته والذود عن حياضه ، امتثالا لقوله عليه السلام ( الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة ) ، فقد أراد الله سبحانه وتعالى للاردن إن يكون له شرف الريادة في كشف ظلام التشدد وبيان الحقيقة الوسطية المعتدلة لهذا الدين من خلال مؤسسة إسلامية عالمية موجودة على أراضيه ألا وهو المنتدى العالمي للوسطية ، هذا المنتدى الذي يضم بين جنباته العديد من علماء الأمة ومثقفيها البارزين من شتى أنحاء البلاد الإسلامية بالإضافة إلى العشرات من علماء الشريعة في الجامعات الأردنية والعربية ، كل هؤلاء اجتمعوا على هدف واحد وهو نشر صورة الدين الإسلامي كما أرادها الله تعالى في قوله ( وكذلك جعلناكم امة وسطا ) ،صورة الوسطية في الفكر والوسطية في التعامل بل الوسطية في كل مناحي الحياة ، باذلين الغالي والنفيس في سبيل إعادة الأمة إلى جادة الصواب ، وتنقيتها من الأفكار المتطرفة ذات النظرة الجزئية القاتمة التي لا تأخذ من الإسلام ألا ما يناسبها ، والتي أوغلت في الغلو والتشدد حتى قادت الأمة إلى حافة الهاوية مبتعدة بها عن الصراط المستقيم الذي أراده الله لها بقوله تعالى{وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ، وفي سبيل حمايتها من التفريط في القيم التي ربانا عليها ديننا الحنيف ، فشعار القائمين على هذا المنتدى هو لا إفراط ولا تفريط ، بل الوسطية والاعتدال ، ولقد كانت نشاطات التي أقامها في الفترة الأخيرة ناجحة بكل المقاييس ، سواء من حيث اختيار الشخصيات الدعوية التي استضافها والتي لها شعبية كبيرة وتأثير كبير لدى الناس من أمثال الداعية عمرو خالد ، والعلامة الدكتور محمد راتب النابلسي ، والدكتور امجد قورشة وغيرهم من أعلام الفكر الوسطي ، بالإضافة إلى المواقف الشجاعة حيال بعض القضايا التي تهم الأمة كاتفاقية سيداو ، والتي تم عقد ندوات عديدة لبيان موقف الإسلام منها و وخطرها المستقبلي على المجتمع الأردني ، هذه النجاحات جعلت من المنتدى العالمي للوسطية وبالرغم من حداثة عهده رائد القوم في مجال الدعوة الوسطية المعتدلة البعيدة عن التشدد ، حتى انه سبق جماعة الإخوان المسلمين ذات الستين عاما والتي على ما يبدوا أنها قد شاخت وان بعض رموزها وقادتها قد ابتعدوا عن الطريق الذي رسمه لهم الإمام المؤسس حسن البنا وبدءوا يميلون إلى التشدد من خلال تصريحاتهم النارية ، و يعود سبب هذا السبق والتقدم إلى الطريقة التي انتهجها المنتدى من دعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ومخاطبة لعقول الناس لا لعواطفهم ، وتقديم الدعاة الذين لا يكتفون بتشخيص أمراض الأمة بل يتعدون ذلك إلى وصف الدواء لها ، والوقوف في وجه التحديات الحضارية لا الهروب منها إلى الماضي والتغني بأمجاده ، فالإنسان الواعي هو الذي ينظر إلى الماضي ليأخذ منه العبر ويستخلص منه الدروس ويجعل منه قنديل يضيء له الحاضر والمستقبل ، إن من أهم مبادئ الوسطية هي عدم التخندق خلف أفكار معينة والبحث عن دليل شرعي لها ، فهذا احد أوجه التعصب ، بل يجب علينا بناء أفكارنا على الأدلة الموجودة لا إن نأول هذه الأدلة ونثني أعناقها لتناسب أفكارنا ، وان من أهم مبادئ الوسطية أيضا هو الحوار مع الأخر ، فنحن أصحاب رسالة سماوية عظيمة مبنية على الحوار والإقناع ، وينبغي لهذا الحوار إن يكون حوارا بناءا يراد به الوصول إلى الحقيقة ، لأنه إذا أريد به غير ذلك انقلب إلى حوار بيزنطي أو حوار المرائين المجادلين و الذي ينتهي بتوسيع شقة الخلاف بين المسلمين بدلا من تضييقها ، إن الاعتدال الذي ينادي به المنتدى هو الاعتدال في التفكير والاعتدال في التوجه والاعتدال في الرأي والاعتدال في التعامل بل حتى الاعتدال في المشاعر والعواطف. الاعتدال في كل شؤون الحياة مع الاستقامة على الثوابت , فينبغي إن يكون للمسلم خطاباً معتدلاً يسهم في تفكيك الخطاب المتشدد ويحذر من خطورة البعد عن الدين.. خطاباً معتدلاً يكرس مفاهيم أساسية في عقيدتنا مثل التسامح والحوار والقبول بالرأي الآخر وغيرها من مفاهيم يتطلبها العصر ولا تتعارض مع جوهر الدين .

إن توقيع اتفاقية التعاون بين المنتدى العالمي للوسطية في الأردن وبين الديوان الثقافي للوسطية والاعتدال في العراق يحمل بين ثناياه دلالات عظيمة يمكن اختصارها بالاتي

أولا : هذا الاتفاق هو ثمرة من ثمار العمل الدءوب الذي يقوم به المنتدى العالمي للوسطية والذي يسعى من خلاله إلى نشر هذا الفكر فهو نجاح يستحق عليه كل الشكر والعرفان .

ثانيا : اختيار الأشقاء في العراق لمنتدى الوسطية لعقد مثل هذه الاتفاقية معه يدل على الثقة الكبيرة التي أصبح المنتدى يحظى بها داخل وخارج الأردن ، وهذا يعود إلى الإخلاص في النية والاستمرارية في العمل بعيدا عن الفتور و الإحباط اللذان يمثلان الفيروس الذي يصيب العاملين في المجال الدعوي ويقعدهم عن غاياتهم النبيلة .

ثالثا : هذه الاتفاقية تمثل نجاحا للفكر الوسطي المعتدل أمام الأفكار المتشددة والمتطرفة والمنحرفة ، فالأردن في نظر العالم أصبح يمثل الفكر الصحيح والنهج القويم ويعكس الصورة المشرقة عن الإسلام .

وفي النهاية نقول انه كما قام المنتدى العالمي للوسطية بدوره في هداية الأمة وإرشادها ، يجب على الجميع من مؤسسات وأفراد تقديم كل أنواع الدعم المادي والمعنوي له ليستمر في طريقه ويؤدي رسالته السامية من دون معوقات ، جزي الله القائمين على هذا المنتدى كل خير ووفقهم إلى خدمة هذه الأمة ، مخلصين لله تعالى النية مبتغين الأجر من الله سبحانه وتعالى

Fd25_25@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات