الفساد التعليمي في الأردن


بصورة عامة تعتبر ظاهرة الفساد أو الانحراف والبطلان والتي تعطي مفاهيم أدق عند ارتباطها بموضوع أو مجال معين كالفساد الإداري عند ارتباطه بسوء العمل الإداري أو الفساد المالي عند ارتباطه بالسرقات والرشاوى المالية أو المادية ، أو الفساد السياسي عند ارتباطه بطبقة رجال السياسة والإدارات العليا في البلاد ، أو الفساد الأخلاقي عند ارتباطه بمنظومة القيم الأخلاقية التي يحملها مجتمع من المجتمعات وهلم جرا...

لو نظرنا إلى الدول النامية مثل الأردن على سبيل المثال سنرى ان هذا الداء القاتل قد نشأ وترعرع في أحضانها حتى تمكن من السيطرة والنخر والفتك بكل مقدراتها ، وباستمراره تنعدم القيم الأخلاقية والإنسانية والدينية، والفساد هو سبب كل المشاكل والأخطاء التي تواجه الإنسان والمجتمع على حد سواء، الأنظمة التي ينخرها الفساد لا تملك السيادة الوطنية لنفسها فتصبح دولة هامشية، تعيش دائما على الاستجداء وشحت المعونات والهبات والقروض التي تذهب في اغلبها إلى جيوب رموز الفساد ولا تستفيد منها الشعب، والفساد يضعف هيبة الدولة ويقلل من مكانتها السيادية واحترامها من الآخرين وتصبح متطفلة تعتمد على الغير لعلها تستطيع البقاء والاستمرار في سياساتها، هناك إشكال مختلفة من الملوثات الاجتماعية التي تعصف بالأمم والشعوب وتشل حرمة الإبداع والتطور وتضعفها، والتجارب التاريخية ماثلة للعيان وشاهدة على ذلك .

إن أخطر أنواع الفساد هو الفساد التعليمي للمجتمع وهو تلوث التربية والتعليم، وإصلاحه يحتاج وقت، وثماره تؤتي بعد حين، وليست مبالغة إن التعليم هو شريان الحياة وعقل الأمة ومصباحها، ومن قُطع شريانه مات، ومن فقد عقله أو أصيب جزء منه تاه ومن اطفىء مصباحه عاش في ظلام دامس، التعليم (التعليم بشكل عام- الأساسي، الثانوي، التقني والفني، والمتوسط والجامعي) يلعب دور أساسي في إكساب الإنسان المعارف والعلوم التي يحتاجها في حياته العملية لتوسيع وعيه وإدراكه ويطور فكره لدخول معترك الحياة متسلح بالمفاهيم والمبادئ والقيم الصحيحة التي سيحتاج إليها الفرد في مشوار حياته الطويل، لهذا ربنا سبحانه وتعالى قد حثنا على التعلم لما له من قدسية ومنزلة عظيمة ويتجلى ذلك في نزول أول آية قرآنية على الرسول الأعظم (اقرأ باسم ربك الاكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم) وهذا يقودنا إلى التعليم والتعلم حتى نستطيع تدبر وتنظيم أمور حياتنا أفرادا وجماعات.

التجربة السنغافورية شاهدة على ذلك:

حققت سنغافورة إنجازات هائلة جعلت منها دولة متقدمة، إلا أن الإنجاز الحقيقي الذي حققته هذه الجزيرة الصغيرة هو تطوير نظام تعليمي يعتبر أحدَ أرقى أنظمة التعليم في العالم بلا نزاع، حيث مكنها نظامها التعليمي من تكوين كفاءات وخبرات ساهمت في بناء اقتصاد البلد، لقد فهمت سنغافورة أنها لا تملك أية موارد طبيعية تساعدها على تحقيق نموّ اقتصادي، فهي دولة في مدينة واحدة، مع جزر صغيرة جدا من جوانبها، فاختارت سنغافورة أن تركز على رأس المال الحقيقي الذي تملكه، والذي اعتمدت عليه في تحقيق معجزتها الاقتصادية وهي الإنسان.

ويعد الفقر ورواتب المدرسين المنخفضة من بين العوامل الرئيسية التي تؤدي إلى الفساد، وبالتالي فإنه كلما زادت الدولة فقرًاَ، زاد فيها معدل الفساد الأصغر، وهو الذي يمكن تعريفه على أنه فساد يصغر فيه حجم التعامل المالي وحجم ما يشتريه.

ففي الأردن يعتبر الفقر أحياناً نوع من الفساد تصرفاً طبيعيًّا أو طريقة متوقعة للحصول على الخدمات التدريسة الغير مسئولة، على عكس الصور الكبيرة من الفساد التي يمكن رؤيتها في أي مكان، والتي توجد في الطبقات العليا من صناعة القرار في تركيبة القوى في المجتمعات المختلفة، ولكن الأبحاث الموجودة في هذا المجال توضح أن للفساد أيضاً علاقات باستقرار النظم السياسية والأطر القانونية الموجودة وشفافية المعلومات المنشورة ومعدل مسئولية الأفراد والمؤسسات وكفاءة طرق الحكم المطبقة.

يجب اعتبار الحرب ضد الفساد في دائرة التعليم أولوية قصوى لأنها لا تؤثر فقط على حجم الخدمات التعليمية وجودتها وكفاءتها، وبالتالي نتائجها، ولكنها تؤثر أيضاً على العدالة في التعليم وثقة الجمهور في نظم التعليم، وبالإضافة إلى ذلك، فإن عبء الفساد المالي الذي يقاس بنسبة الدخل التي تستقطع من المواطن في هيئة رشاوى أو تكلفة غير شرعية هي أكبر بكثير بالنسبة للأسر الأكثر فقراً من غيرها، وفي هذا الصدد يواجه المخططون التعليميون تحدياً كبيراً يتمثل في تطوير طرق مبتكرة لبناء نظم مؤثرة ومسئولة وشفافة قادرة على تقديم الخدمات بطريقة تتميز بالكفاءة والعدالة.

فإذا أردنا جيل متعلم قادر على تحديات والمصاعب فيجب علينا الأهتمام بالركيزة الاساسية وهي المعلم وقد صدق الشاعر عندما قال..قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم ان يكون رسولا اللبنة الأولى لتصحيح هي المعلم فإذا صلح المعلم صلح جميع الجسد وتغلبنا على عثرات الزمان متسلحين بالعلم والإيمان.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات