الجباية الحكومية الفاحشة في الأردن


يعودالتحصيل الضريبي في الأردن لزيادة التحصيل الضريبي من نفس الوعاء كماً ونوعاً ونسبةً، وليس لزيادة الدخل الوطني، وتظهر بيانات وزارة المالية نفسها أن المعدل السنوي لتزايد التحصيل الضريبي أعلى بكثير من معدلات نمو الاقتصاد لنفس الفترة.

تعود معظم الزيادة في التحصيل الضريبي للولوغ أكثر في جيب المواطن، فالجباية الحكومية في الأردن أصبحت من أهم عوامل ارتفاع متوسط الأسعار أو التضخم، وهي حالة فريدة من نوعها عالمياً، تضيف معاناة إلى معاناة المواطن، وهو يرى قوته الشرائية المحدودة تتآكل بسبب ارتفاع أسعار السلع والخدمات، جزئياً بسبب الزيادة المنتظمة للضرائب نسبةً وكماً ونوعاً مع العلم أن مجلة الإيكونومست البريطانية صنفت عمان كأغلى عاصمة عربية، تليها دبي.

تتمثل الضرائب في الأردن على كل سلعة أو بضاعة وعلى المعاملات المحلية، أي الضریبة العامة على المبیعات وضریبة مغادرة الأردن وضریبة بیع العقار وضریبة تذاكر السفر بالجو، والاتصالات والكهرباء والماء ومن المعروف أن ضريبة المبيعات هي ضريبة تناقصية، أي أنها تشكل نسبة أكبر من دخل الفقراء مما تشكل من دخل الأغنياء، وهي تُدفع عند الاستهلاك فقط ولذلك، فإنها تقل كنسبة من الدخل كلما ازدادت نسبة الادخار، باعتبار الدخل الفردي المتاح إما أن يستهلك وإما أن يُدخر، والنسبة المدخرة تزداد طبعاً كلما ازداد دخل المواطن، وتقل بالضرورة كلما قل دخله، ولذلك تشكل ضريبة المبيعات، كضريبة استهلاك، نسبة أكبر من دخل الفقير وكل من يستهلك نسبة أكبر من دخله، وقد باتت اليوم العنصر الأهم في الإيرادات الضريبية في الأردن.

يفترض أن يزداد مجموع الإيرادات المحلية للدولة من أكثر من مليار ونصف مليار دينار عام 2002 إلى ثلاثة مليارات دينار ونصف المليار مقدرة لعام 2007.

وهذا طبعاً غير المنح والمساعدات والنوافل!

وبالنسبة لدولة تتبنى مفهوم الاقتصاد الحر وتروج له، وتفتح الأبواب على مصراعيها للشركات الكبرى الأجنبية لتتملك القطاع العام، ودولة تتيح لحفنة من المحتكرين المحليين أن يهيمنوا على استيراد عدد من المواد الأساسية، تحت عنوان عدم تدخل الدولة بالاقتصاد طبعاً، فإن زيادة الضرائب نوعاً ونسبةً تتناقض مع مفهوم الاقتصاد الحر نفسه، لأن الضريبة تمثل أحد أبرز أشكال التدخل الحكومي في الاقتصاد!!

وبالنسبة لدولة خضعت لبرنامج تصحيح اقتصادي صارم على مدى عقد ونصف تقريباً، بهدف إزالة الاختلال الهيكلي، أي الدعم الحكومي للسلع والخدمات، وتتهيأ حالياً لإزالة بقية الدعم عن النفط ومشتقاته، فإنه من غير المفهوم أن تتم إزالة الدعم وزيادة العبء الضريبي في آنٍ معاً.

ولو كان الجباية الحكومية الفاحشة في الأردن مترافقةً مع خدمات اجتماعية مماثلة لتلك التي تقدمها الدول الإسكندنافية لمواطنيها مثلاً، لو كان التعليم الجامعي مجانياً مثلاً، ولو كانت هناك تعويضات بطالة للمواطن، ولو... ولو...، لأصبحت الجباية الحكومية مبررة، ولكن الدولة قامت بحملات إعلانية واسعة النطاق في الشوارع منذ سنوات لتفهم الناس أن عليهم أن يتكلوا على أنفسهم، بعد الله، الجباية لا يمكن تبريرها بتبني مفهوم دولة الرفاه الذي يتم التخلي عنه تدريجياً في ظل العولمة!

ولو كان هناك مشروع تنمية اقتصادية شاملة، كتصنيع وتكنولوجيا مثلاً ترعاهما الدولة وتشغل فيهما الشباب، لأصبح هناك مبرر للجباية المتصاعدة، ولكن الدولة تخلت منذ أمد عن المشروع التنموي للقطاع الخاص كما تقول!

ولو تم استخدام العائدات الحكومية من المواطن - بالإضافة لعوائد خصخصة القطاع العام - في تخفيض الدين العام، باعتبار الدين العام ضرائب مستقبلية على المواطن ، لأصبح هناك ما يبرر تزايد الجباية المسعورة، ولكن النشرات الشهرية لوزارة المالية الأردنية نفسها تظهر أن الدين العام قد ازداد.. وقد ازداد الدين العام الخارجي ،ولو كان الأردن يخوض حرباً، ضد العدو الصهيوني مثلاً، لاعتبرنا الجباية ضريبة جهاد، ولكن الأردن لم يدخل حرباً منذ عام 1973...

باختصار، لا مبرر سياسي أو اقتصادي أو عقائدي لسياسة الجباية المتصاعدة من عامة المواطنين، خاصة من متوسطي الدخل والفقراء، ولكن الدولة ستستمر باعتصار المواطن ضريبياً بسبب غياب أي معارضة جدية ومؤثرة للجباية، وليس لأي سبب أخر. فالجباية ستستمر بالتصاعد طالما هي ممكنة، وليس لأن هناك ما يبررها، أو لأنها منسجمة مع فلسفة الاقتصاد الحر، أو أي فلسفة على الإطلاق، غير فلسفة القدرة على الجباية، إن لم يفكر الناس بطرق جماعية فعالة لإيقاف التصاعد العشوائي واليومي للجباية الضريبية المجنونة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات