هل سيعود مرسي للسلطة؟



جاءت قرارات مرسي الذي حقق الفوز الساحق في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ، وبالرغم من أن مرسي وفريقه اعترفوا بوجود أزمة اقتصادية في البلاد، ولكنه كان واثقا من أنه يستطيع ألا يفعل شيئا، لأن قوى خارجية، مثل الولايات المتحدة ومشيخات الخليج سوف تعمل على انتشال هذا الفريق من أعماق الهاوية، ما اعتبر أن فشله إن لم يكن المسمار الأخير في نعش "الإسلام السياسي" فهو كفنه المقبل.
تدل التحركات الدولية وخصوصا الأمريكية منها على قلق دولي متزايد من تطور الأحداث في مصر ودل ذلك على زيارة وليم بيرنز مساعد وزير الخارجية الأمريكي بحثا عن خريطة طريق تحمي المصالح الأمريكية في المنطقة بأسرها، أي في الاطمئنان على أمن إسرائيل واستمرارها دولة قوية مهيمنة في المنطقة وعلى استمرار تدفق براميل النفط إلى الغرب الصناعي، ولكن الأمر المؤكد أيضا أنه عاد إلى واشنطن أكثر قلقا بعد أن لمس بطريقة مباشرة أن حالة اللا إستقرار التي تعيشها مصر حاليا، ومنذ الانقلاب العسكري، مرشحة للتفاقم وغير قابلة للاحتواء ويمكن أن تمتد ألسنة لهبها إلى المنطقة بأسرها.
كما أن دخول العسكر مجددا إلى الساحة السياسية قد يحدث أثرا عكسيا، أي المزيد من الفوضى غير الخلاقة، فإسرائيل والغرب من خلفها، تعتبر حالة الفوضى العدو الأكبر لوجودها، لأنها تستطيع أن تهزم دولا بسهولة بفضل تفوقها العسكري، ولكنها لا تستطيع هزيمة الفوضى وما يمكن أن تفرزه من جماعات ليس لديها ما تخسره إذا ما قررت توجيه صواريخها إلى تل أبيب، وهذا أمر قابل الحدوث عاجلا أم آجلا.
عملية اغتيال مرسى تتم بالفعل وفق عدة مراحل، بدأت باغتياله أدبيًا ومعنويًا، بتوجيه البذاءات إليه، وتشويه سمعته وسمعة أسرته، والتطاول عليه بشكل متعمد، وإسقاط صورة مبارك عليه بما فى ذلك من دلالات حتى يتم حرقه شعبيًا، على أن يتبعها خطة ممنهجة لنزع الشرعية عنه إعلاميًا، وترديد النغمة بشكل مكثف تدفع المصريين إلى الرضا بمنطق "ارحل .. ارحل"، فى محاولة لإعادة استنساخ الـ 18 يومًا الأخيرة فى عمر مبارك.
الخطير فى الأمر أن الإخوان قدموا فرصة ذهبية لمعارضى مرسى لاحتلال التحرير والاتحادية، ومن أكبر الأخطاء الاستراتيجية التى وقعوا فيها أنهم تركوا محيط قصر الاتحادية مرتين، الأولى بعد مليونية الجمعة بجوار القصر وانصرفوا عائدين إلى بيوتهم دون أن يدركوا قيمة هذا المكان الذى سيكون محط أنظار الجميع خلال أيام، والثانى بعدما استشهد منهم 8 وأصيب ألف، لكنهم كرروا الخطأ وعادوا لبيوتهم.

كذلك من الخطأ أن تترك للمعارضين التحرير والاتحادية.. هذه مواقع استراتيجية تجتذب أضواء الإعلام والمجتمع الدولى، وليس الذهاب أمام جامعة القاهرة، واللعبة الآن لعبة ميادين واستقواء بالشارع والإعلام، بحسب الشرط الأمريكى الذى وضعته السفيرة الأمريكية آن باترسون لصباحى والبرادعى وموسى "احشدوا أكثر ونحن سنتدخل".

أذكى سياسى حتى الآن من وجهة نظرى، ويجيد اللعب مع خصومه بنفس الأوراق، هو الشيخ حازم أبو إسماعيل، الذى اتخذ قرارًا استراتيجيًا سريعًا ولافتًا بحصار مدينة الإنتاج الاعلامى، قد يتطور فى حال الاحتياج إلى ذلك، إلى قطع البث ومنع قنوات الفلول من بث أخبار مضللة وتغطيات موجهة، مما يفقدهم مدفعية التوك شو التى تؤمن تحركاتهم، ويحجب أخبارهم عن الشارع، ما يحول على الأقل دون اغتيال مرسى إعلاميًا، من كتيبة الإبراشى والميرازى وفودة وبكرى والجلاد وأديب وسعد وريم وخيرى وتامر وسيد والدمرداش ولميس وجيهان، وغيرهم من مرتزقة المارينز الذين ينفذون عملية الانقلاب والاغتيال "إعلاميًا" ضد الرئيس.
إن كل هذه العوامل الظاهرة والمعروفة لنا جميعا وغير الظاهرة على السطح والتي تتم بهدوء من قبل من يرفضون مبدأ انتقال السلطة من الإخوان قبل انتهاء مدتهم وإجراء انتخابات رئاسية بعد (3) سنوات من الآن..
بالرغم من كل هذا.. فإن أغلبية الشعب التي فرضت التغيير على القوات المسلحة لا تبدو مستعدة للتضحية بالمنجز الذي حققته بإنهاء حكم الإخوان بعد سنة يعتبرونها مريرة.. وتجسدت فيها كل أشكال الإقصاء وتكريس «الأخونة» وبثها في كل مفاصل الدولة بعد إنتاج دستور فصل تفصيلا دقيقا على جسم الإخوان وتبنى كل توجهاتهم وآيدلوجيتهم ومنهجهم في العمل السياسي.. جنبا إلى جنب انتقاص الحريات كما يقول الثوار.. ويتهمهم «التغييريون» علنا.. هذه الأغلبية تبدو مصممة على التمسك بالمنجز الذي حققته.. ولن تسمح بالتفريط فيه..

لذلك فإن فرص نجاح هذا الاحتشاد «الإخواني» في الشوارع والميادين في القاهرة أو في المدن والنجوع المصرية الأخرى لا تبدو كبيرة.. وسوف لن تؤدي إلا إلى مزيد من «الاحتقان» وقتل المواطنين وتعطيل حركة الحياة الطبيعية وإشغال القوات المسلحة وجهاز الأمن عن النهوض بمهامهم الأساسية لترسيخ قواعد النظام.. وتأمين الوطن من الأخطار.. وتهيئة البلاد لمرحلة إعادة البناء.. وهي ولا شك كلفة باهظة على الوطن المصري.. لكنها سوف تدفع وإن تأجلت مرحلة الانتقال بالبلاد إلى حالة الاستقرار التام لبعض الوقت.. وهذا التعطيل.. قد يكون هو الحد الأدنى مما يسعى الإخوان إلى تحقيقه لئلا تتمكن السلطة الجديدة من تحقيق ما لم يحققوه خلال سنة الحكم الإخواني الأولى..

.. ومع ذلك فإن الوضع الراهن سوف يصمد ويستمر وإن كان بقاؤه ونجاحه واستمراره يتوقف على مدى سرعة الإنجازات التي سيحققها على الأرض بمزيد من تعاون المصريين في الداخل والخارج معه.. بالرغم من محاولات الإخوان للحيلولة دونه.
إن مصر تنجرف الآن نحو العنف والفوضى الدموية، والوضع الامني فيها بات يخرج عن السيطرة، ومن كان يتصور ان الجيش المصري الذي قام بالانقلاب تحت عنوان الحفاظ على الامن القومي، قادر على ضبط الاوضاع واهم، ولا يستطيع قراءة المشهد المصري الحالي قراءة صحيحة ومعمقة.
إن المشهد المصري يحترق وينجرف الى حرب اهلية دموية، والانشغال بالتشائم وتبادل الاتهامات هو ذروة انعدام المسؤولية، والتمترس في المواقف لن يزيد الامور الا تعقيدا، وقطعا لن يكون هناك منتصر، وانما خاسر واحد وهو الشعب المصري، واسألوا أهل الجزائر والعراق واخيرا سورية.
إذا ما اجتمع حكماء الأمتين العربية والإسلامية للخروج بقرار صائب في عودة المياه إلى مجاريها فسوف يزيد الشرخ وتتفتق الجراح ومن الصعب والعسير أن نتحدث عن عودة الأمن والأستقرار إلى أرض الكنانة .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات