كوكتيل رمضاني


قبل الإفطار بدقائق ونتيجة لمحاولة الهروب من النظر لصحون الطعام وأكواب العصير أمسكت بالريموكنترول كمحاولة للبحث عن ما يغطي العشرين دقيقة المتبقية لوقت إعلان إنتهاء اليوم العاشر من الشهر الفضيل ، ورغم إصرار الحجة أطال الله في عمرها على أنه الأفضل لي أن أستغفر الله وأقوم بالدعاء لأن الدعاء مستجاب قبل الإطار إلا أنني أصريت على تقليب محطات التلفاز بناء على الحروف الأبجدية لأسماء المحطات التي يبلغ عددها على جهاز الرسيفر الخاص ببيتي أكثر من ثمانمائة محطة .

وكان المشهد يمثل كوكتيل رمضاني غريب عجيب وخصوصا أن فارق التوقيت في الإفطار بين الدول العربية من الخليج للمحيط هي اربع ساعات ، عُمان تفطر قبل كازبلانكا بأربع ساعات وشاشات التلفاز تؤكد لك على هذا الكوكتيل الرمضاني الاسلامي الغريب .

أنت تجلس في منتصف المسافة بين الإفطارين وساعة إفطارك تدنوا من موعدها وشاشة التلفزيون الرسمي تعج بالبرامج الدينية والمواعظ والحكم والمساجد التي تمتلء بالمصلين ، وفي عُمان تشتعل برامجهم بالمسابقات والاغاني والمسلسلات وفي كازبلانكا برامج الطبخ هي المسيطر على شاشتهم لأن موعد الإفطار يبتعد عنهم ساعات تكفي لإعداد طبق الإفطار .

وأنا أجلس في البيت وإنتظر إنطلاق أذان المغرب كي أتناول كاس العصير وحبة التمر وأمي تصر على أنني قد خسرت ساعة رحمة ومغفرة تتمثل بساعة قبل الإفطار ، والحقيقة الواضحة لي أن ما يحدث بين المشرق والمغرب العربي من فارق توقيت في الإفطار وفي نوعية البرامج التي تبث في لحظة واحدة عبر شاشة تلفازي تمثل حقيقة أننا نتوهم أن المحيط إلى الخليج كما كما منذ ثلاثنون عاما ماضية ، وأن هذه المسافة هي حلم عروبي من خلاله يمكن لنا أن نحقق وحدة واحدة تطغى على إقليمتنا الجغرافية .

وفي النهاية رضخت لدعاء أمي لي بأن أترك الريموكنترول وأكتفي بشاشة تلفزيون صماء وأن استغفر الله على أصابع يدي وأن أدعوا لذريتي بالصلاح والمغفرة ، لأنها وجدتني أتنقل مابين لحظة الخشوع الديني ولحظة الفنتازيا الرمضانية التي تبدأ بعد الإفطار ولحظة إعداد طعام يعجز 90% من الشعب العربي من الخليج للمحيط في الحصول عليه .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات