الشرق الاوسط وبيئة التطرف الخصبة


احدثت ثورات الربيع العربي في المنطقة أفول بعض الانظمة الدكتاتورية التي قمعت واستغلت شعوبها لعقود عدة , الشعوب المنتفضة عاشت في بيئة انعدمت فيها اسس الديمقراطية والعدالة والتنمية الحقيقية وسط استغلال مقدرات الدول لصالح العائلات الحاكمة وبعض المتنفذين والفاسدين في اروقة الدول , فتونس على سبيل المثال عانت الامرين ابان حكم الرئيس المخلوع بن علي حيث التنكيل والتعذيب في المكاتب الامنية وامتهان حقوق المواطن وسلب حقوقه كانسان على اقدر تقدير , اضافة الى ارتفاع شديد في معدلات الفقر والبطالة الامر الذي دفع التونسيين لاضرام شعلة الربيع العربي بتاريخ 17 ديسمبر 2010 في اول تجربة حضارية وانسانية عربية حديثة لدفع الظلم واسقاط النظام المستبد الذي حكم تونس لعقود , نفس الاسباب اعطت الدافع للشعب المصري للقيام بثورته المجيدة والانتفاض بوجه نظام " المخلوع " مبارك واشعال الثورة الثانية في وجه نظام مرسي الذي لم يحمل في جعبته اي تغييرات ملموسة للشعب المصري ولم يكن ذا فرق عن سابقه .. , السيناريو نفسه دفع اليمنيين لاشعال ثورتهم التي اطاحت بالرئيس المخلوع علي عبدالله صالح .

اما ليبيا فقد اخذت الامور منحا عسكريا وصداما مسلحا بين قوات معمر القذافي والمعارضة التي دعمها الغرب عبر تقديم الدعم اللوجستي وامداد قوات المعارضة بالعتاد والعدة حتى اطاحت الثورة الليبية بالرئيس معمر القذافي بعد مواجهات دامية راح ضحيتها الالاف من الليبيين بين قتيل وجريح ومشرد .

الازمة السورية التي بدأت على نحو مطالبات شعبية بالاصلاح تطورت لتأسيس ما بات يعرف بالجيش الحر واعلانها ثورة مسلحة في وجه النظام السوري بدعم غربي وتواطؤ خليجي وتركي لانهاك الجيش السوري والاطاحة بالنظام السوري .

ما جرى في المنطقة ادى الى تصاعد القوى والجماعات الارهابية المتطرفة , لتسرق المطالب الشعبية الواحدة في دول ما يعرف بـ " الربيع العربي " والتي انتفضت شعوبها بشعار واحد " خبز – حرية – عدالة اجتماعية " وتحولها نحو اقامة مشروع " الخلافة الاسلامية " ودول " الجهاد " المقدس , انا لن اتحدث كثيرا عن المعنى الحقيقي للدولة الاسلامية او الجهاد التي لا يختلف على عدالتهما شخصين ذوا عقل ورشد , لكن المشروع الارهابي الجديد يسعى الى تدمير الدول العربية واعلان دولة " الخلافة " التي باخلاقها لا تمت باي صلة للمشروع والاخلاقيات الاسلامية المعتدلة والسمحة .

بداية نشوء التيارات الاسلامية المتطرفة كانت على ايدي مناوئي الاتحاد السوفياتي ومنهم الولايات المتحدة والسعودية وباكستان والصين , ابان الحرب السوفياتية الافغانية , حيث غررت تلك القوى الامبريالية ببعض من الاسلاميين ودفعتهم نحو الجهاد المقدس ضد الاتحاد السوفياتي والحكومة الافغانية حيث صنعت بيديها ما عرف لاحقا بحركة طالبان وتنظيم القاعدة وجعلت منها اداة لتضرب بها الاتحاد السوفياتي المنافس القوي والوحيد تلك الفترة للولايات المتحدة واتباعها .

المسلحون في افغانستان وبدعم لوجستي من الولايات المتحدة أنجزوا المهمة التي وجدوا لاجلها على اكمل وجه , وقد اعتدنا من اجهزة المخابرات الغربية حينما تستنزف عملائها وتنهي متطلباتها منهم ان تقوم بتصفيتهم وانهاء وجودهم خوفا من فضح الحقائق وستر السياسيات المخابراتية القذرة للامبريالية الغربية , هنا بدأت مرحلة التصفية لطالبان افغانستان واصتناع الحجة الكافية لضرب معاقلهم وانهاء وجودهم , الا ان الجغرافيا الافغانية ووعورة الجبال ادت الى صعوبة انهاء المهمة الانجلواميريكية على اكمل وجه .

تنظيم القاعدة الذي كان يوما اداة ووسيلة بيد الولايات المتحدة , اصبح بعد حملة اعلامية شرسة العدو الاول للانسانية والحضارة و " الديمقراطية الغربية " التي اعطت نفس المبررات للولايات المتحدة لغزو العراق والاطاحة بنظام " الرئيس صدام حسين " الذي كان يشكل تهديدا لمصالح الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في المنطقة , علما بان الولايات المتحدة ودولا غيرها كبريطانيا والسعودية وباكستان وقطر كانت داعمة ومؤيدة لرئيس للنظام العراقي في زمن الحرب العراقية – الايرانية , وهذا ليس من باب المصادفة فالتاريخ دوما يعيد نفسه !!

الحال العراقية بعد الغزو الاميريكي وسط بيئة من انعدام الامن والاستقرار شكل مناخا خصبا لظهور بعض التيارات الارهابية والتكفيرية من شاكلة تنظيم القاعدة التي خلقت لنفسا ذراعا في العراق بحجة مقاومة الغزو الاميريكي , لتحول اهادفها فيما بعد لاقامة ما يسمى بدولة العراق الاسلامية واتخذت لذلك شتى السبل من قتل المدنيين وترويع الامنين وارسال السيارات المفخخة والعبوات الناسفة التي استهدفت ضحايا من ابناء الشعب العراقي في مجملها .

الحال هو نفس الحال في سوريا , البئية والمناخ الخصب , والدافع القوي !! الذي جمع المغفلين بحجة الجهاد ونصرة اهل الشام في ثورتهم المسلحة الدمعومة اميريكيا وخليجيا , هنا تأسست ما تعرف بجبهة النصرة والجهاد والتي سمعنا كثيرا من الروايات التي تؤكد ان الايديولوجيا التي تتبعها تلك التنظيمات تنافي الاخلاق والقيم الاسلامية , الدافع والدعم واقامة المشروع , واخيرا اعطاء الحجة للغرب لغزو اخر معاقل القومية العربية وانهاك الجيش العربي السوري .

في هذه الفترة تحديدا يواجه ما يسمى بـ " الجيش الحر " استهدافا من تلك القوى الارهابية المتطرفة التي بدأت حملتها عليه عبر قتل احد قيادات الجيش الجر بايدي اعضاء في تنظيم " دولة العراق والشام الاسلامية " على اثر خلاف بين الجانبين حول السيطرة على نقطة تفتيش استراتيجية في مدينة اللاذقية وتوطورت الامور لدرجة ابلاغ مقاتلي " الجيش الحر " بانه لا مكان لهم في اللاذقية ..

اذن فنحن مقبلون على محاولة من التنظيمات الارهابية المتطرفة للاستيلاء على " منجزات " الحر , واقامة مشروعهم التكفيري والارهابي .. هنا يجب علينا قرائة التاريخ الذي ما زال يعيد نفسه دون ان نتعلم من اخطائنا السابقة , وجب علينا التعاطي مع الامور بعقلانية اكثر والتحقيق في مجريات الاحداث بشكل اعمق , لنطرح تساؤلات عدة ابرزها ..

هل تصاعد التيارات الارهابية في الشرق الاوسط من مصلحة العرب والمسلمين ؟

ما هي الاجندة التي تسعى تلك الجماعات لتنفيذها على ارض الواقع بعيدا عن الشعارات العاطفية الكاذبة ؟

كيف لنا ان نقف كمسلمين متحضرين في وجه التكفيريين والمشروع الارهابي الذي يعطي الحجة للامبريالية لاكتساح وغزو المنطقة ؟

واجب ان نحذر ونعيد طرح المعطيات التاريخية وطرح السلوك الاميريكي والوهابي المتئآمر في التعامل مع قضايا امتنا واترك الجواب لكل ذي عقل ورأي رشيد ..



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات