الثقافة العربية الى اين؟


تواجه العالم العربي هذه الأيام مشكلة الانبهار بحضارة الغرب وثقافته، ومما فاقم حجم المشكلة وقوف العرب عاجزين عن الدفاع عن فكرهم وثقافتهم المستمدة من أهم تشريع سماوي وأعظم ثورة دينية على مر التاريخ. و سيبقى الانبهار طالما شغلنا عقولنا بحضارة غربية لمجرد أنها غربية، والانقياد الأعمى الذي اثر في عقولنا واتجهنا فقط نبحث عن الموضة والتقليد ونحن العرب من أرسينا قواعد الحضارة في أهم فترة من فتراتها. 

إن التفاعل مع التجربة الإنسانية في مجال الثقافة والحضارة في ضوء الوعي وعدم التقليد الأعمى، في ظل هذه الأزمة التي نعيشها في هذه الأيام، فنحن بحاجة ماسة إلى خلفية ثقافية واعية في مختلف المجالات، سواء الثقافية أو السياسية أو الاقتصادية والاجتماعية، والتي تحتاج إلى تكاتف النخبة المثقفة الواعية لما يحيط بها من أحداث عالمية لتحديد أبعاد القرار والرأي السديد، في إطار جدية القرارات واستقلالية النهج واحترام الآخر من اجل صياغة واعية للواقع الثقافي العربي، في ظل أزمة الفكر التي نمر بها في هذه الأيام، والتي من متطلباتها نضوج فكرة الهوية العربية وما يلتصق بها من أساسيات مهمة تعمل بمثابة إناء لصهر الحضارة العربية بمتطلبات الوحدة والتي تشمل على التاريخ المشترك، ووحدة الدين، واللغة والعادات والتقاليد. وكل هذه المقومات تحتاج إلى وعي واضح بعيد عن لغة التجزئة وإطلاق التبعية لعالمية لفكر ولقرار عشوائي نستطيع حينها أن نرسم السياسات الواضحة للفكر الثقافي العربي في ظل علم واسع الثقافة، مختلط الرؤى نغلب عليه لغة المصالح والغايات من وراء الأفعال المختلفة والتي في بعضها تضر بالهوية العربية والفكر العربي الوحدوي.
إنَّ مظاهر التخلف في ميدان الثقافة العربية متشعِّبة وعلى درجات متفاوتة من الأهمية، ذلك أن بعضها يتعلق بالبناء التحتي في ميدان القوى المنتجة وبعضها يتعلق بالبناء المجتمعي من حيث الوعي، فهي بذلك ذات طابع محلي وإقليمي سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي، والاهم في المجال الثقافي والذي يعد الإطار الأمثل للجوانب الأخرى.
و من الطبيعي أن تنتهي هذه المسيرة الحضارية إلى صيغتها الحالية، مما جعلها تتميز بخصائص تتجه إلى تحرير الفرد من عبودية الفكر الديني وعبودية الاستبداد السياسي( كما يعتقدون). وقد استطاع الغرب بهذه الثقافة أن يراكم المعرفة العلمية في كافة المجالات ويصل مع عصر التطور والازدهار، مما جعله يتقدم على المجتمعات العربية في مختلف المجالات. وتبرز هنا إشكالية أخرى يطرحها مفهوم التأخر( التخلف) في الحضارة والثقافة في البلدان العربية، هي إشكالية مزدوجة، سواء في الجانب النسبي بالقياس والمقارنة مع البلدان المتطورة والمتقدمة. أو بالمعنى المطلق باعتباره ظاهرة مرفوضة بحد ذاتها وبغض النظر عن وجود أو عدم وجود البلدان المتطورة، و جاء ذلك من إن بنية الواقع الثقافي العربي مختلة في أصولها، بفعل الانتقال في فترات مهمة من تاريخ الواقع العربي بين الاستعمار المباشر تارة إلى ما يسمى الاستعمار بالوكالة إن جاز لي التعبير. وجاءت أهمية النظر إلى ظواهر التحولات الثقافية في عدم اقتصارها على الواقع الثقافي بل تعداه إلى المستوى النفسي للإنسان المعرض لمثل تلك التأثيرات الثقافية .
إن تداعيات الثقافة العربية واحتوائها على موروث حديث من ثقافة الغرب والتي لا تتناسب والمجتمع العربي، جعلها تقف عائقا وسدا منيعا في وجه التحول الثقافي والاجتماعي العربي. في معظم الأحيان، فانعدم التناسق ما بين فكرة الثقافة العربية وتحويل القطاعات الإبداعية العربية إلى سلع مستوردة من الخارج، إضافة إلى خضوعها لشروط المجتمع الغربي، ونشأت بذلك ثقافات عربية مسلوبة الهوية ومفرغة من معناها ومدلولاتها التي يجب أن تكون عليها. وهذا الاختلاف ولد شعورا دائما باليأس والإحباط من الواقع العربي لدى الكثير من مثقفي ومفكري العرب، وحتى لدى المواطن العادي. مما قلل الطموح من إمكانات الرؤى المستقبلية لتطور الثقافة العربي



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات