استانا عاصمة السلم والوفاق والطراز المعماري الفريد


الرحلة الى أستانا طويلة ومرهقة اذ قع هذه العاصمة في اسيا الوسطى ولا يوجد طيران مباشر اليها من عمان . انتظرت لساعات في نقطة العبور في مطارابو ظبي ، الا ان هذا التعب سرعان ما ينتهي بمجرد الوصول الى استانا الفتية التي ظهرت على الخارطة قبل خمسة عشر عاما فقط بقرار من الرئيس الكازاخستاني نور سلطان نزارباييف لتصبح عام 1998عاصمة البلاد الجديدة بعد ان كانت الماتا عاصمة كازاخستان على مدى سبعين عاما. عرفت استانا العديد من الاسماء عبر التاريخ وكان اخرها " اكمولا " الى ان انتهى الى هذا الاسم والذي يعني باللغة الكازاخية " العاصمة" . بمجرد الوصول الى استانا ينبهر الزائر بهندستها المعمارية التي تجمع بين مختلف الحضارات الغربية والشرقية الاسيوية الاصيلة. وأستانا مثل سكانها تتقد شبابا وحيوية ، كيف لا وهي تحتفل اليوم بعيد ميلادها الخامس عشر ففيها الحيوية والابتكار ليس فقط في مبانيها المعمارية وانما في حياة الناس فيها والذين يتجاوز عددهم اليوم 700 الف نسمة . واستانا اليوم تعد حكاية نجاح ونموذج للتعايش والوفاق وحلم يتحقق لكازاخستان التي تحتل المركز السادس في الاحتياطي من الثروات الطبيعية عالميا ، لتصبح بحق نموذجا يحتذى به ، حاربت التطرف بالتعليم فانتشرت الجامعات ودور العلم فيها لعل ابرزها ما شاهدناه في جامعة نزارباييف في أستانا والتي تعتبر الاولى في البلاد وتحتل مكانة عالمية مرموقة ، وواجهت الفقر بالنجاح الاقتصادي والقمع بالحريات والفتنة الطائفية بالمشاركة ورسخت مبادىء العدالة الاجتماعية لنجد التعدد العرقي والديني والتآخي بين الجميع وحب الكل للحاكم والوقوف الى جانبه ، يعشق الكازاخيون كل حبة رمل ويتفننون في اداء الواجب والعمل الوطني . وانت تتجول في ثنايا هذه العاصمة المعجزة تروي لك شوارعها حكاية نجاح وقصة نهوض سريع ، حيث تحولت المدينة الغامضة في السهوب الشمالية النائية الى " ميغابوليس" المستقبل اقتصاديا وعمرانيا ففيها المثال على تطور احد اكثر الاقتصاديات ديناميكية وشعب كثير التفاؤل بالمستقبل ، ينبثق ذلك من شخصية الرئيس نزارباييف المتعطش للمعرفة والقدير على استيعاب الافكار الجديدة الخلاقة بحماس السياسي الشاب ، فوفر للشعب اسباب الحياة الكريمة من تعليم على نفقة الدولة والسكن الكريم والعناية الصحية والسعي لتطوير البلاد وفقا للمعايير العالمية ، وما زاد من حب الشعب لقائده قربه منهم واهتمامه بقضاياهم وهي الطباع التي وجدتها في نجلته داريغا رئيسة المنتدى الاورواسيوي للاعلام خلال مشاركتي باعمال المنتدى العام الماضي ، فتجدها قريبة من الجميع تسير بالشوارع بعيدا عن البروتوكولات وتلبس كباقي الناس من غير بهرجة ولا يحيط بها عدد كبير من الحرس الشخصي وتشارك في الاحتفالات والمناسبات اضافة الى كونها عضو مجلس النواب. 
الزائر الى استانا لا يستطيع المكوث طويلا قبل البدء بالتعرف على معالمها وهو ما قام به مرافقي من وزارة الخارجية بختيار ، حيث وفر لي السيارة لاقوم بجولة في روعة التصاميم الهندسية في أستانا لتبدأ الرحلة من اكثر المعالم اثارة للانتباه وهو " البيطرق" بحجمه الكبير وموقعه المتوسط في قلب المدينة والذي يعرف لدى السكان المحليين باسم (شوبس شوبا) ويمثل رمز التحول والتغيير الذي تشهده العاصمة منذ عام 1997 وكازاخستان بشكل عام منذ الاستقلال والبرج من تصميم المهندس المعماري نورمان فوستر. لا بد من القاء نظرة خلال الجولة على اليد المطبوعة لاول رئيس لجمهورية كازاخستان المستقلة نزارباييف وهي من الذهب الخالص لان الكازاخ يؤمنون بان العظماء يخلدون بافعالهم وانجازاتهم العظيمة كما فعل نزارباييف ، وتستمر الجولة وعلى مدى ايام ثلاث لنمر بهرم السلام المعروف باسم " قصر السلام والمصالحة " وهو من تصميم فوستر افتتح عام 2006 ليكون ملتقى ممثلي الديانات الكبرى يلتقون فيه لمناقشة كيفية نشر السلام والوئام والتعايش الديني ، فالبرغم من ان 70بالمائة من الكازاخيين الذين يشكلون 58بالمائة من السكان اضافة الى اكثر من 30 بالمائة من الروس والباقون من الاوكران واليهود والالمان وغيرهم الا ان كازاخستان تعتبر من الدول العلمانية يعيش فيها الجميع بوئام ومحبة وسلام ، شعب كازاخستاني موحد، ما يجمعهم اكثر بكثير مما يفرقهم . وفي جولتنا في شوارع العاصمة الفتية النظيفة الهادئة الوادعة نعرج على مبنى " اوردا آك" وهو مقر الرئاسة ويشبه البيت الابيض في الولايات المتحدة ولكنه اكبر حجما ، تمت اشادته عام 2004 ، حيث هنا توضع السياسات وتتخذ القرارات ويلتقي قيه نزارباييف بالزعماء والقادة من اجل تعزيز علاقات بلاده مع دول العالم ، واستمر موكبنا يجول الشوارع فمررنا على الساحة الرئيسية لاحتفالات أستانا بعيدها وعيد ميلاد الرئيس نزارباييف والذي كان من المتوقع له حضور الاحتفال الشعبي الذي خرجت اليه جموع غفيرة تقدر بالالاف في لوحة فنية باهرة ، حيث هناك الصقور والخيول والاطفال والنساء والشيوخ الكل التقى هنا احتفاء بعاصمتهم أستانا ، وانتظرنا قدوم الرئيس حيث خصص للصحفيين مكان بارز ولكن لم نحظ باللقاء ولكن شاركنا اللوحة الشعبية الجميلة التي عبرت عن حب الكازاخيين لعاصمتهم ورئيسهم ، حفلات رقص وفرح طيلة يوم السبت السادس من تموز شهدتها شوارع العاصمة ، وفي الجهة المقابلة لموقع الاحتفال ووسط سلة كبيرة من الاشجار والورود يقف " مسجد نور استانا" شامخا في دلالة على الاصول الاسلامية لهذا الشعب الطيب اذ يبلغ طوله 40 مترا ليمثل عمر النبي محمد عليه الصلاة والسلام عندما انزل علية الوحي لاول مرة وطول المآذن 63 مترا وهو عمر نبينا محمد حين توفي . كازاخستان كما قلت دولة علمانية تستقطب الفعاليات الثقافية من جميع انحاء العالم بما فيها الاردن وذلك في "مركز الثقافة" وهو مبنى مصمم بطريقة حديثة تعكس التقاليد التركية ومعروف " بالقبة الزرقاء" الكبيرة ويضم مجموعة واسعة من الاثار والتحف الفنية الكازخية عبر العصور ، وبالقرب من مبنى " اوردا آك" تقبع قاعة الحفلات الموسيقية التي افتتحت عام 2011 وصممها المهندس الايطالي مانفريد نيكوليتي على شكل بتلات الزهور ، اضف الى ذلك مسرح الاوبرا الشهير ، اما الفنادق في أستانا فهي فخمة وراقية ابرزها فندق " تريمف أستانا" الشهير كما يشدك مبنى مكاتب " كازموناي" والتي هي مصدر ثراء العاصمة الجديدة وهو المبنى الحكومي للغاز والنفط.
استطاعت كازاخستان بفضل الحكمة السياسية لقيادتها المخضرمة ان تحقق الكثير من النجاحات وهو ما ساعدها في ان تتبوءا مكانة مميزة بين دول الاقليم فابتعدت عن التحالفات الدولية والاقليمية ووقفت من الجميع على مسافة واحدة ، الامر الذي ساهم بشكل كبير في الاستقرار والامن وان تحظى باحترام الجميع اقليميا ودوليا لتصبح لاعبا رئيسيا بين دول اسيا الوسطى وعلى الصعيد الدولي كذلك ، حيث احتضنت استانا العديد من المؤتمرات الدولية السياسية والاقتصادية والدينية والمنتديات الاعلامية والسياحية والتاريخية وارتبطت كازاخستان بعلاقات صداقة مع دول العالم وفي مقدمتها الدول الاسلامية والعربية ، حيث تميزت العلاقات الاردنية الكازاخية في السنوات الست الاخيرة لتشهد نموا سريعا بدأ بافتتاح السفارات وتبادل الزيارات بين جلالة الملك عبدالله الثاني وفخامة الرئيس نزارباييف والاتفاقيات التي تم التوقيع عليها على هامش الزيارات والايام الثقافية الاردنية في كازاخستان ، حيث حدثنا مدير المركز التجاري الاردني في استانا الدكتور احمد داودية قائلا بان علاقات البلدين مرتبط بشكل وثيق بالعلاقات الوطيدة بين قادة البلدين الصديقين والتي اعطت دفعا كبيرا للعلاقات السياسية والاقتصادية . كما ويتحدث المسوؤلون الكازاخ عن العلاقات المتميزة بين بلدينا ،ففي اللقاء مع نائب وزير الثقافة اكد على اهمية هذه العلاقات خاصة في المجالات الثقافية مشددا على ضرورة زيادة الزيارات بين الفرق الفنية والفعاليات الثقافية لترسيخ عرى الصداقة التي اسس لها جلالة الملك عبدالله الثاني واخوه فخامة الرئيس نور سلطان نزارباييف .
وفي اليوم الاخير ونحن نودع العاصمة استانا شعرنا جميعا بالحزن على فراقها ووقفت على سلم الطائرة مودعا بالقول كل عيد وانت بخير يا استانا Happy Birthday to you.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات