المتغيرات المتعددة: هل تعزز خيار انتفاضة فلسطينية جديدة؟


في ظل تأزم الأمور في فلسطين مع وجود حكومة يمينية متطرفة عززت جمود المفاوضات، ومع ترسخ الانقسام الفلسطيني/ الفلسطيني وتزايد شعور الاحباط تجاهه، تظهر بوادر في الأفق تدفع نحو عنف قد يلزم العالم، قبل إسرائيل، على إعادة النظر في طرق التعامل مع الشعب الفلسطيني. فمن جهة أولى، لا يجد المرء في مواقف الحكومة الإسرائيلية، سواء فيما يتعلق بعدم الاعتراف بحل الدولتين، أو بالاتفاقات الموقعة وخصوصا تفاهمات أنابولس، أية غرابة. فتصريحات الحكومة ليست بالجديدة على أحزابها المؤتلفة.

ومع أن حكومات إسرائيلية سبق واعترفت بـ حل الدولتين، إلا أنه اعتراف لفظي فحسب، تم توظيفه مع الحديث عن التسوية كغطاء لأكبر عمليات الاستعمار/ الاستيطان والتهويد للضفة الغربية والقدس وتسهيل تنفيذ مخطط فصل الضفة عن القطاع من جهة، وعزل القدس وإحاطتها بمستعمرات/ مستوطنات من جهة أخرى. والآن معلوم أن عملية المفاوضات متوقفة حاليا، وإلى أمد غير معروف، مادامت حكومة (بنيامين نتنياهو) في الحكم.

وحتى لو عادت تلك العملية إلى الحياة فهي لن تخرج عن كونها عبثية ستمنح إسرائيل الغطاء لمواصلة سياستها الاستيطانية والتهويدية. فقبل أيام، أنهت لجنة خاصة من وزارة الاسكان الاسرائيلية خطة لتوسيع مستعمرة معالي ادوميم بهدف ربط غربي القدس بشرقها، والتي تعتبر من أكبر المستعمرات في الضفة. وبموجب الخطة سيتم ضم مستعمرة كيدار الى معالي ادوميم أي ضم جميع الاراضي التي تفصل المستعمرتين (12 الف دونم).

كما كشفت الصحافة العبرية عن مخطط لبناء أكثر من مستوطنة جديدة لاستكمال سوار المستعمرات حول المدينة المقدسة. فيما كشفت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث عن قيام إسرائيل ببناء أكثر من خمسين كنيسا تطوق بها المسجد الأقصى علاوة على عدد آخر قيد الإنشاء، في مسعى من الاحتلال لإحداث تغييرات جذرية في محيط المسجد، تمهيدا لبناء الهيكل الثالث المزعوم.

وما تشهده زهرة المدائن يؤكد كارثية سياسة التدمير الهادىء للبيوت والأحياء والمواقع العربية في المدينة ومحيطها. والنداءات الأخيرة التي تطلق كانت أحدث التعبيرات عن الاستياء والغليان وإمكانية تفجر مشاعر الغضب في وجه مخططات التهويد.

على صعيد ثان، بات الموقف الأميركي يشي بتزايد في بوادر أزمة قد تنشب بين إدارة (باراك أوباما) وحكومة (نتنياهو). بل إن صحيفة لوس انجليس تايمز ذكرت مؤخرا أن ادارة الرئيس (اوباما) طلبت من الكونغرس السماح بمواصلة تقديم المساعدة للفلسطينيين حتى اذا انضم مسؤولون مرتبطون بحركة حماس للحكومة المتوقع أن تشكل في حوار القاهرة.

ورغم وقوع مبالغة في تقييم التغيير المرجو في الإدارة الأميركية (على قاعدة نسيان الاستراتيجية الأميركية التي تعتبر التحالف مع إسرائيل استراتيجي لا ينتفي مع تغير الإدارات) فإن التغيير في السياسية الأميركية حاصل فعلا وقد يصبح ملحوظا أكثر لاحقا.

وفي ظل التراجع الذي تشهده المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، وإمكانية التوصل لهدنة توقف العنف المتبادل في قطاع غزة، فإن الضفة شهدت العديد من العمليات الفردية تراوحت أدواتها بين عمليات الدهس والطعن بالسكاكين والضرب بالفؤوس كما في عملية مستعمرة بات عين بالقرب من الخليل والتي قتل فيها مستوطن/ مستعمر وجرح آخر.
 
ورغم محدودية العمليات الفردية في مقاومة الاحتلال وعدم تحولها لظاهرة، ومع تعاظم انموذج (بلعين) و(نعلين) وغيرهما من قرى الضفة، فإن ذلك بات يعني الكثير على المستوى الوطني الفلسطيني، وبالذات تأكيد قدرة الفلسطينيين على مواجهة الاحتلال بأبسط السبل والوسائل المتاحة لهم وبخاصة مع تفاقم الظروف الموضوعية الظالمة التي تحض على ذلك. بل إن هذه الظروف تفتح الشهية على اندلاع المقاومة السلمية ضد العنصرية الاسرائيلية وجرائمها المتعددة.

وتشير هذه الارهاصات المتراكمة إلى إمكانية انبثاق لحظة انتفاضية جديدة تتفاعل لتعبر عن ذاتها عبر هبات جماهيرية تتوالى في سلسلة من ردات الفعل على الاعتداءات الإرهابية الاستيطانية الإسرائيلية وعلى الإجراءات العسكرية الاحتلالية وأيضا على الانقسام الداخلي والأداء الهابط للقيادات الفلسطينية.

وهذه الهبات قد تتفاعل باتجاه التطور والتحول إلى انتفاضة جماهيرية حضارية ثالثة ضد الاحتلال، إذ لا يمكن تغييب البعد الشعبي المنظم في المواجهة أو الإنابة عنه أو اختزاله. بل إن ذلك البعد هو الذي قد يعزز أو يكنس (إلى مزبلة التاريخ) الفصائل و/أو الغسائل التي لا تقوم بدورها في العمل الشعبي.

وقد تعلمنا من التاريخ الانتفاضي للشعب الفلسطيني إن من الصعب على الاحتلال التكيف مع يوميات وتداعيات الانتفاضة الشعبية الواسعة وبخاصة عندما تكون غير عنيفة وحضارية أسوة بما حدث في الانتفاضة الكبرى الأولى (1987 - 1993) ناهيك عن كون الاحتلال (وبالذات في ظل حكومة إسرائيلية غير مهضومة دوليا) سيكون عاجزا أمام أسرة دولية حانقة من المماطلات الاسرائيلية، وبالذات حين تتشجع أوروبا، ومعها دول العالم الكبرى بزخم سياسة أميركية جديدة تقودها إدارة جديدة وعدت بالتغيير وبالعودة إلى المبادئ الأميركية الأصيلة.

د. اسعد عبدالرحمن



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات