النواب ومناقشات قانون الضمان ..


• موسى الصبيحي
بدا جلياً أن قانون الضمان الاجتماعي يستحوذ على اهتمام الغالبية العظمى من الشعب الأردني، فقد دخل الضمان إلى كل بيت من بيوت الأردنيين، وها هم الناس ينتظرون بفارغ الصبر صدور قانون ضمان دائم بعد أكثر من ثلاث سنوات من حالة الشد والجذب التي أعقبت صدور القانون المؤقت رقم 7 لسنة 2010. ففي ظل المناقشات التي تدور حالياً تحت القبة، يبدو أن معظم التوافقات التي توصلت إليها اللجنة المشتركة للعمل والمالية تحظى بموافقة النواب وتقديرهم، وليس هذا غريباً، فالذين اطلعوا على حجم الجهد الذي بُذل في اجتماعات اللجنة وبمشاركة كل الأطراف ذات العلاقة، يدرك تماماً أن مشروع القانون المعروض على المجلس يتسم بدرجة عالية من التوافقية والتوازن والموضوعية، ونستطيع أن نطلق عليه أنه قانون توافقي إصلاحي، استطاع أن يقدّم نموذجاً جيداً للمواءمة بين مصالح مختلف الأطراف، ولم تكن هذه المهمة سهلة على الإطلاق، بل كانت شاقّة، لكن إدارة الحوار في اجتماعات اللجنة استطاعت أن تتغلّب على الصعوبات وتتحمل الكثير من المتاعب، ليخرج هذا المُنجَز، الذي أعتقد أنه سيكون مرضياً للجميع بنسبة عالية من الرضا.
التعديلات التي أُدخلت على القانون المؤقت، مهمة من أكثر من جانب، فهي مهمة لتعزيز مبدأ الحماية الاجتماعية، وهو المبدأ الذي يحقق جوهر الضمان الاجتماعي وأساس وجوده، ويتحقق هذا المبدأ من خلال ترسيخ القناعة بأهمية الضمان للطبقة العاملة ولأصحاب العمل، الأمر الذي سيرفع من حجم الإقبال على الضمان ويحدّ من ظاهرة التهرب التأميني التي تعاني منها مؤسسة الضمان، لا سيّما إذا واكب صدور هذا القانون وتزامن معه إعادة نظر في بعض التشريعات الأخرى والقرارات الرسمية غير المؤسّسة على أبعاد العدالة والشمولية والإنسجام والحماية، ويتحقق هذا المبدأ أيضاً من خلال تمكين مؤسسة الضمان من بذل جهود أكبر في خدمة الاقتصاد الوطني، شريطة ضمان الحصانة والحصافة والحاكمية الرشيدة في هيكلة المؤسسة، بما يضمن تحديد المسؤوليات وتحديد أُطُر المساءلة والشفافية والإفصاح.
من جانب آخر، فإن التعديلات التي توافقت عليها اللجنة النيابية مهمة من زاوية انحيازها الواضح للضعفاء والفقراء من ذوي الرواتب التقاعدية والأجور المتدنية، ولعل وضع سقف للراتب الخاضع لاقتطاع للضمان، هو اللبنة الأولى والأهم لوضع حد للرواتب التقاعدية العالية والحيلولة دون حصول البعض على رواتب باهظة بآلاف الدنانير، مما لا يدخل قط في دور الضمان ولا يحقق رسالته في توجيه دفة الحماية الاجتماعية للضعفاء والفقراء من ذوي الأجور المحدودة والمتدنية.. كما أن السماح لذوي الرواتب التقاعدية المبكّرة المنخفضة، وبخاصة تلك التي تقل عن (300) دينار، بالجمع بين جزء لا يقل عن ستين بالمائة منها مع أجورهم من العمل في حال عودتهم إلى العمل المشمول بالضمان، يُعبّر عن انحياز واضح للضعفاء والفقراء، بهدف تمكينهم من الخروج من دائرة الفقر وتخفيف ضغوط الحياة المعيشية عليهم وعلى أُسرهم، وبالتالي الإسهام في بث الاستقرار في سوق العمل، وتخفيف الضغوط والأعباء على أجهزة الدولة..
أما ما تضمنه مشروع القانون من مراعاة للمهن الخطرة، والنص على تعريفها، فهو أمر يصب في حماية العاملين في هذا المهن، وبالتالي تمكين كل من يعمل في مهنة خطرة من المحافظة على وضعه الصحي وسلامته من خلال تمكينه من الخروج من العمل مبكَراً والحصول على راتب التقاعد المبكّر بشروط ميسّرة، وهو ما ينطوي على تعزيز للحماية في المجتمع، وتعزيز للتنمية واقتصاد الدولة. وكذلك الأمر بالنسبة لإعادة العمل بالتقاعد المبكر بالنسبة للمشتركين الجدد، مع وضع ضوابط لذلك، مما يحول دون خروج البعض مرغماً من سوق العمل في سن دون الستين للذكور أو الخامسة والخمسين للإناث دون تمكينه من الحصول على راتب تقاعدي من الضمان ولو كان راتباً مخفّضاً، وهو ما يصب بالتالي في الحماية والحفاظ على وتيرة الإنفاق للأفراد والأسر، والحيلولة دون انزلاق البعض لدائرة الفقر.
جوانب كثيرة مهمة في التعديلات على قانون الضمان، قد يكون لبعضها آثار سلبية إذا لم يُحسن المشتركون والمنتفعون استخدام حقوقهم التي نصت عليها أحكامه، لكنها بالمجمل تُحقق المزيد من العدالة والمزيد من الحماية، والمزيد من المواءمة، وبالتالي المزيد من الرضا والقبول في المجتمع.
ومع تسارع وتيرة التنامي في أعداد المشتركين في الضمان والمتقاعدين والمنتفعين، وارتفاع فاتورة الرواتب التقاعدية والمنافع التأمينية الأخرى، يغدو من الواجب أن تحظى مؤسسة الضمان باهتمام أكبر من الدولة على مختلف الصُعُد، وأن يتم تمكينها من القيام بدورها بصورة أفضل، وأن يُسمح لها بالعمل في إطار من الاستقلالية المالية والإدارية التي توفر لها المرونة الكافية لأداء رسالتها المتعاظمة، وأن يتم تحصينها بنظام إداري تنظيمي مُحكم، يضمن أفضل ممارسات المساءلة والمحاسبة وتحديد المسؤوليات..
تفهّم دور مؤسسة الضمان الاجتماعي ورسالتها في المجتمع، وإدراك الأعباء التي تحملها الآن لتخفّف عن كاهل الحكومات والدولة بشكل عام، وهي أعباء إلى تزايد مستمر، لا بد أن يشكّل وقفة أمام أصحاب القرار والمشرّع تحديداً لوضع الإطار العام الذي يساعد على تحقيق هذا الهدف، وتعزيز قدرات المؤسسة للاضطلاع بدورها بنجاح وريادة.. وعلى نواب الشعب نعلق الآمال بأن لا يذعنوا لأي تأثيرات أو ضغوط من جاهل أو حقود، قد يذهب به جهله أو حقده إلى ما لا يحمد عقباه، ولو كان الجهل والحقد سيذهب بصاحبه وحده هنا، لقلنا فليكن وإلى الجحيم، لكنه قد يودي بالمجتمع إلى مفاسد كثيرة وخسائر مريرة..!!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات