عالم خنازير .. خنازير!


لا بد انك أصبت بالملل مثلي من جراء مشاهدة التلفزيون، منذ اكتشاف انفلونزا الخنازير، كل القنوات التلفزيونية تشبه بعضها، لا فرق بين " الجزيرة" وقناة " مصر الإخبارية"، ولا بين " الإخبارية" السعودية والـ " بي بي سي".. يقع الاختلاف عندما يكون الأمر خاصا بحزب الله، أوعند معالجة الشأن العراقي، أو إذا وقع اعتداء من قبل قوات الاحتلال على الفلسطينيين!.

قبل أيام ألقى زعيم حزب الله السيد حسن نصر الله بيانا عبر قناة " المنار"، اهتمت به القنوات الإخبارية، وبعضها نقلته على الهواء مباشرة، حتى قناة "العربية" فعلت ذلك، لكن المعالجة تباينت، فبينما استضافت " الجزيرة" محللاً ضده وآخر من شيعته، وكذلك فعلت الـ " بي بي سي"، فان "العربية" استضافت ثلاثة ضده على طول الخط، احدهم تخصص في شتيمة الرجل، وبشكل يليق بـ " خناقات الشوارع"، ولان بضاعته مطلوبة مصريا وسعوديا، فقد أصبح ضيفا مقررا على المحطات التلفزيونية هذه الأيام، وهو يؤدي لحزب الله، نفس ما يؤديه صاحب برنامج " حالة حوار" لجماعة الإخوان، حيث تزداد شعبيتها بمجرد أن يهاجمها.!

" العربية" معذورة، فأصحابها يقفون في مواجهة المد الشيعي "بالباع والذراع"، باعتبارهم الممثلين الشرعيين لأهل السنة والجماعة، وهذا السعي الإيراني لبسط النفوذ على المنطقة سيبدأ بدول الخليج، وهم يقدمون أنفسهم لسكان البيت الأبيض على أنهم أولياء أمور هذه الدول، وبالتالي فان حالهم إذا وقع ما لا نتمناه، سيكون كحال (الفتوات) السابقين في روايات نجيب محفوظ، عندما تزول دولهم بتجرؤ (الحرافيش) عليهم!.

اذا كان ثمة حضور لإيران في الشارع العربي، فان هذا بسبب الدعم الإيراني لحزب الله، ثم الانحياز الإيراني لحركة حماس، وفي حرب الابادة الإعلامية ضد الحزب المذكور، والتي لم تبدأ بالمناسبة منذ اكتشاف خلية الحزب في مصر، والتي مثل وجودها اختراقا للسيادة المصرية، وإنما بدأت منذ حرب تموز..في هذه الحرب بدا ان هناك شيئا ما في اعلى الرأس قد توقف، ولهذا فقد كان القصف الإعلامي يبدأ وينتهي بأن إيران تمول حزب الله.. منحوا أوسمة ونياشين لقادة طهران وهم يظنون أنهم يشنعون عليهم.

في موقعة حزب الله حدث التباين في المعالجة، وإنما في موقعة الخنازير بدأنا كما لو كنا نشاهد قناة واحدة، وكما لو كانت كل القنوات الإخبارية قد توحدت، كما يحدث عندما تنضم الإذاعة المصرية، مع عدد من القنوات التلفزيونية، ويحدث الانتقال لنقل شعائر صلاة الجمعة، حيث ينتصب المذيع معلنا حضور السيد المحافظ، والسيد مدير الأمن، والسيد مدير جهاز مباحث امن الدولة بالمحافظة، والسيد الأمين العام للحزب الحاكم، والسادة أعضاء مجلسي الشعب والشورى، من الحزب الحاكم أيضا.. كل هؤلاء بالاسم، دون مراعاة لقدسية المكان!.

لا بأس ففي بث مباشر لصلاة الجمعة، شاهدنا طفلا يجلس في الصف الأول بجانب القيادات الأمنية والسياسية بالبلاد، والكاميرا تحط عليه بين الحين والآخر، وباهتمام لا تخطئ العين دلالته، كأنه وريث العرش الملكي، ليتبين ان الجالس والمحتفى به هو ابن احد الوزراء.. والله نسأل ان يزيد ويبارك. وقد ذكرني هذا باليوم التاريخي الذي كان يصطحب فيه السيد ناظر المدرسة، (السيد ابنه) الى المدرسة، ليتبارى المدرسون في الاحتفاء به، وتتعطل الدراسة.. كنت من الذين يتمنون ان تتعطل الدراسة مدى الحياة!.

منتج واحد

ما علينا، فالتلفزيونات بدت في موقعة الخنازير، مستهلكة لمنتج واحد، هو ما تبثه وكالات الأنباء، لذا لم يكن يشعر المشاهد بجديد إذا انتقل من محطة الى أخرى، هناك عشرات الدراسات الانثروبولوجية في الجامعات العربية التي أجريت حول حظائر الخنازير، لكن لا احد يهتم، وقد اطلعت على واحدة من هذه الدراسات، ووقفت على ان الإثارة المطلوبة إعلاميا لا تنقصها.. لكنه الاستسهال!.

ملحوظة: " جمانة نمور" مذيعة قناة " الجزيرة"، حاصلة على دبلوم الدراسات العليا في الانثروبولوجيا من الجامعة اللبنانية، وهي ملحوظة اذكرها من باب ان الشيء بالشيء يذكر، واكتفي بهذا القدر نزولا عند رغبة الجماهير و" القاعدة العريضة" من القراء، الذين يمارسون القمع ضدي.. يبدو انني جئت الى هذا العالم لكي اقمع، كأنه لا يكفي قمع السلطات المحلية والمنزلية، ولهذا فانا ضد خدمة تعليق القراء بالمواقع الالكترونية، إلا إذا جاء فيها ما يدغدغ مشاعري الجياشة. في كتابي " شر البلية.. في السياسة والذي منه"، الذي صدر قبل أكثر من شهر، حرصت على كتابة عبارة نصها: "يسعد المؤلف تلقي رسائل القراء المؤيدة على البريد الالكتروني التالي..... أما أصحاب الرسائل المعارضة فعلى أصحابها ان يحتفظوا بها لأنفسهم".. بداخلي جينات ديكتاتور، ومن كرم الله على البشرية انه لم يجعل رقابها في متناول يدي!.

أيضا ما علينا، فقد كان التباين بين فضائية وأخرى في تناول موقعة الخنازير لا يُرى بالعين المجردة، وان كنت قد علمت من خلال تقرير لمراسل "الجزيرة" في القاهرة، ان هناك محال جزارة لبيع لحوم الخنازير، تحرص على ان تؤكد على ذلك، وظننت أنها شفافية من صاحب المحل، لما رأيت اللافتة عبر الشاشة، لكني علمت ان لحم الخنزير اغلى سعرا من اللحوم الاخرى، قد يزيد عن الضعف.. معلومة جديدة أخرى!.

لا أخفيكم سرا انه إزاء الفزع الذي انتاب العالم من ظهور وباء أنفلونزا الخنازير، فان حالة من الشماتة في الحكومة المصرية تملكتني، ومنذ اليوم الأول، فعندما ظهرت أنفلونزا الطيور استأسد القوم على الثروة الداجنة، وقاموا بهبات على البيوت، وعلى أسطح البنايات في الريف، وعلى الحظائر، حتى تخلصوا منها، ولم يهتموا بأن بعض الأسر الفقيرة، قد تمثل لها بضع دجاجات ثروة قومية، تمثل ما تنتجه من بيض مصدر دخلها الوحيد. لكن أمام حرص الحكومة على صحة الشعب لم يقل احد: بم؟.

لكن "جاءك الموت يا تارك الصلاة"، هذا ما نطق به لساني، عقب الحديث عن وباء أنفلونزا الخنازير ليقيني ان أهل الحكم في حالة لا يحسدون عليها، حيث يبدو ان تجارة الخنازير يقف خلفها أباطرة، الى درجة العجز الحكومي عن نقل حظائرها الى خارج التجمعات السكانية.

اختبار للحكومة في غدوه ورواحه، من منزله في مدينة السادس من أكتوبر الى مجلس الوزراء والعكس، يشتم رئيس الحكومة رائحة نفاذة في بداية الطريق الدائري، ولا بد انه سأل فقيل له إنها تنبعث من حظائر الخنازير في المنطقة، ومؤكد انه سكت، ولم يسأل مرة اخرى!.

وها هو الاختبار، مجلس الشعب احتشد وأوصى بإعدام الخنازير، ونائبة مسيحية في الشعب وأخرى في الشورى، قالتا ان الإنجيل لا يحث المسيحيين على أكل لحمه، ونفس الكلام قاله البابا شنودة، وما فهمته انه قد يكون لحم الخنازير مباحا عندهم، لكن لا يتقربون الى الله بأكله، على عكس السائد عن ذلك، ربما لان أكثر من يعملون في هذه التجارة هم من المسيحيين. لقد رفع المسيحيون الحرج عن الحكومة التي اضطربت لهذه التوصية الحماسية، وفي اليوم التالي تحايلت عليها بقرار ذبح الخنازير وليس إعدامها، وقدمت لأصحاب المزارع تعويضات مناسبة، لم تفعلها في غزوة الدواجن!.

بداية اختبار قوة الحكومة كانت في منطقة " منشأة ناصر"، ففي بداية التنفيذ، كنت بالمصادفة هناك، وشاهدت عملية قطع الطريق المتجه الى منطقة المقطم، التي قام بها التجار وأشبالهم، إذ جرى الاعتداء على قوات الشرطة التي لم تكن مستعدة لذلك، وكان يتم منع المواطنين من المرور بالقوة، لدرجة حصار ضيوف برنامج " الأجندة" على قناة " النيل الثقافية"، واعتذر البرنامج لأنه لم يتمكن من تقديم كل فقراته!.

في عودتي كان مدير امن العاصمة اللواء إسماعيل الشاعر يقف في الميدان ومعه قوات امن تكفي لسد عين الشمس، وتم إلقاء القبض على عدد من مثيري الشغب، وتمت السيطرة على الموقف، وكانت واحدة من المرات النادرة في تاريخ البوليس العربي، الذي انحاز له في تصرف.
عدد من المحطات التلفزيونية أشارت الى ما جرى مع أصحاب مزارع الخنازير بـ " منشأة ناصر"، لكن الـ " بي بي سي" تفوقت على الجميع، فقد انفردت بنقل صورة حية من عملية قطع الطريق، واستخدام الحجارة في الاعتداء على الشرطة والمواطنين.

الحكومة المصرية دخلت الاختبار، ومؤكد انها ستسقط بالثُلث، فليس أصحاب الخنازير.. كأصحاب الطيور، ولا الخنازير كالدجاج.
ومهما يكن الأمر فقد مللنا من التلفزيونات والخنازير والأنفلونزا والحكومات!.

أرض جو

" ا ب ا ب اب ا ب ا ب. !.
" ا ب !.
" ا ب .. . .
صحافي من مصر

القدس العربي
azouz1966@gmail.com



تعليقات القراء

بيطري
فعلا عالم خنازير
09-05-2009 01:10 PM
تنبيه
الاستاذ عزوز
اسمها قناة العبرية
وليست العربية
09-05-2009 01:11 PM
؟
ماذا يعني ختام المقال
اب اب اب ؟
09-05-2009 01:15 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات