استدراج .. فحكم .. فانقلاب


ما حصل بمصر هو انقلاب واضح لا يختلف عليه عاقلين غير مغرضين .. ولم يأتي وليد ساعة أو أيام معدودة .. بل بدأ العمل عليه منذ الساعات الأولى من تنحي محمد حسني مبارك بضغط من الجيش المصري.. ( الذي هو بالأساس يتلقى دعمه السنوي من أمريكا والذي يقارب المليار والنصف مليار دولار سنويا .. وبالتالي ومن البديهي سيكون انتمائه وولائه لمن يدفع ويمول .. ومن المعروف أن امريكا لا تدفع شيئا لوجه الله تعالى أي دون مقابل .. ودون شروط مقابل ما تدفع .. ومن جهة أخرى أن قيادات الجيش المصري العليا وباستمرار هم حملة الشهادات الدراسية الأمريكية .. ودوراتهم العسكرية المكثفة يتلقونها أيضا بأمريكا ) .. حيث تخلت أمريكا عن رجلها الذي خرج الشعب مطالبا بإسقاطه وأسقاط نظامه .. فأجبرته على التنحي عن طريق الضغط عليه بقيادة الجيش .. وأوهمت الثوار أن النظام قد سقط بناءً على رغبته .. في حين أن الذي سقط هو شخص مبارك وبقي النظام متحكما بكل مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية .. وانطلى هذا السناريو على الثوار بما فيهم الجماعات الإسلامية وعلى رأسها جماعة الأخوان المسلمون .. ( الذين ركبوا موجة الثوار في وقت متأخر ) وتركوا ميدان التحرير فرحين بنصرهم الموهوم والمزعوم .

بدأت التحضيرات لخوض معركة الإنتخابات .. وبدأت المشاورات تطفو على الساحة السياسية .. وبدأ العمل على تكتل التنظيمات والأحزاب السياسية والدينية .. بحضور واضح للسفارات الغربية بهذا الدور .. ثم برزت أسماء الأحزاب التي سترشح نفسها .. وكذلك الأحزاب والجماعات التي أعلنت عن عدم خوضها الإنتخابات ومنها جماعة الأخوان الذين تعهدوا بعدم خوض الإنتخابات بهذه الفترة تحديدا .. ومن ثم تراجعوا عن هذا القرار وقرروا خوضها .. بعدما ( استشعروا ) أن أمريكا لن تقف بوجههم في حال تم لهم الفوز بالإنتخابات .. وانطلت عليهم حيلة أمريكا والغرب ومن يقف الى جانبهم وينفذ قراراتهم من دول الشرق والشرق الأوسط .. ولم يدرك الأخوان مع كل أسف أنها مكيدة لهم .. واستدراج بما أطلقوا عليه " الإسلام السياسي " للوصول لسدة الحكم .. في مرحلة حرجة تحتاج لذكاءٍ ودهاءٍ سياسي منقطع النظير لتخطيها وبصعوبة بالغة .. كما تحتاج أيضا الى توافق جماعيّ من مختلف التيارات لتخطيها .. ومن ثم القضاء عليهم باسقاطهم شعبيا ويكون بهذا تخلصوا من قناعة الشعوب العربية الإسلامية المنتفضة بالمطالبة أو حتى تأييد أي حزب أو حركة إسلامية تريد الوصول للحكم .. حيث تكون هناك تجربة حكم الاخوان بمصر خير دليل على ذلك .

تمت الإنتخابات وانتظر الجميع بفارغ الصبر نتائج الإنتخابات التي تم التفاوض عليها قبل خروجها للعلن دون أدنى شك ولعدة أيام .. ولا يعلم أحد ما جرى من مفاوضات عليها غير المعنيين بها ومن قاموا بالتفاوض مع الطرفين .. وجاءت النتيجة بفوز جماعة الأخوان برئاسة الدكتور محمد مرسي .. وبفارق لا يكاد يذكر .. وبمعنى اخر كانت نتيجة الإنتخابات أن الشعب المصري منقسم نصفين بالتمام .. ودلالة هذا الإنقسام الشعبي المتوازي كان له مؤشر خطير لم تدركه جماعة الإخوان ولا معظم سياسيو العرب .. حيث كان المقصود منه أن شعبية الإسلاميين ليست بالأكثرية بمصر وأنها متكافئة مع مؤيدو الإسلاميين بل وقابلة للزيادة في الأيام المقبلة في حال فشل الاخوان في إدارة الدولة ومؤسساتها.. وبناءً عليه إن أي خلل ببنود المفاوضات السرية التي تمت قبل الإعلان عن نتائج الإنتخابات .. أو إختلاق خلل ما في حال نجاح الجماعة بإدارة الدولة ومؤسساتها .. فإنهم سيقومون بإسقاط حكمهم بشرعية شعبية يخرجونهم الى الميادين بغض النظر عن عددهم .. فقد أسلفت أن العدد الذي سيخرج للمطالبة بإسقاط حكمهم سيكون نصف الشعب وربما ازداد قليلا عن نصفه إعلاميا منذ اللحظة الأولى لإعلان نتائج الإنتخابات .. ( وهذا ما شاهدناه عبر وسائل الإعلام التي دعمت الإنقلاب العسكري الأخير ) رغم أن الصورة الحقيقيةكانت مغايرة بالفعل عما يبثون وينشرون .

الأخطاء المهمة التي أرتكبتها جماعة الأخوان خلال مرحلة الثورة وما بعدها وخلال فترة حكمهم :

1- عدم وضوح موقفهم من الثورة منذ بداياتها ثم ركوبهم موجة الثورة حين بدأت وضوح معالم انتصاراتها . مما جعل الكثيرون يتهمونهم بسرقة الثورة من شباب مصر .

2- خوضهم الإنتخابات بعد إعلانهم وتعهدهم بعدم خوضها بالمرحلة الانية حينها .. مما شكك في مصداقيتهم وأعطوا إنطباع عن أنفسهم أنهم مراوغون ونزعوا ثقة الكثيرين بهم أو على الأقل تزعزعت الثقة بهم .

3- خاضوا الإنتخابات دون أن يكون لهم برنامج نظام أو دستور ليحكموا به الدولة في حال فوزهم .. ودليل ذلك كلام واعتراف القيادي بجماعة الاخوان عصام العريان على شاشة قناة الجزيرة في الفترة التي كانوا معلنين فيها عدم خوضهم الإنتخابات وردا على سؤال الإعلامي أحمد منصور .. ( لو إفترضنا أنكم نزلتم للإنتخابات وقدر لكم الفوز بها ، ما هو النظام الذي ستحكمون به مصر ؟ فأجاب العريان : ليس لدينا نظام معد للحكم . كنت أنا شخصيا أتابع اللقاء وشاهدت علامات التعجب والإستغراب والمفاجأة على وجه أحمد منصور لسماعه جواب العريان سأله منصور باستغراب : كيف ذلك وأنتم جماعة منظمة منذ عام 1928 وليس لديكم نظام حكم معد ؟ واستطرد منصور : يعني عاوزين تحكموا بأي نظام لو استلمتم الحكم ؟ وكان رد العريان صاعقا : نحكم بأي حكم . منصور : إيه يعني أي حكم ، حتحكمو بنفس النظام الحالي ؟ العريان : ولما لا نحكم به ؟ منصور ضاحكا ومستهجنا جواب العريان : يعني عندكم استعداد تحكمو بنظام علماني أو نظام كفر حسبما تطلقون عليه ؟ العريان وبسذاجة : نحكم بيه مع تغيير بعض الذي نختلف عليه . منصور : يعني مش حتخلوها دولة اسلامية ؟؟ العريان : لالالا سنحكم بما يرضى به الشعب ).

والتسجيل موجود على النت لما أراد أن يستزيد .

كان هذا اللقاء حسب اعتقادي وسذاجة إجابات العريان أعطى الأمريكان دعما منقطع النظير لاستدراجهم للوصول للحكم .. وبدأت بعدها مباشرة إشارات التناغم الأمريكية تبث أنهم يطالبون بإنتخابات نزيهة في مصر واحترام إرادة الشعب وأنهم سيدعمون نزاهة الإنتخابات وأي جهة تفوز .. احتراماً لرغبة الشعب والحرية .. ( وهذا ما حصل بالفعل صوريا ومخططهم يسير بخطى ثابتة لليوم الموعود ).

4- اعترافهم بالديموقراطية التي تنافي مبادئ الشريعة الإسلامية وقبولهم بها تحت بند التدرج من خلال قبولهم خوض الإنتخابات تحت مسمى الديموقراطية .

5- رفع شعار ( الإسلام هو الحل ) أثناء حملتهم الإنتخابية موهمين الشعب أنهم سيحكمون بنظام الإسلام .. وتخليهم عنه في اليمين الدستوري الذي أقسمه الرئيس محمد مرسي لمرتين بعد توليه منصب الرئاسة .. حيث أقسم على محافظته على النظام والدستور والمعاهدات الدولية .. ناسيا بهذا القسم عدة أمور أهمها :

أ - أن النظام والدستور الذي أقسم عليه الدكتور مرسي هو نظام علماني كافر حسب رأي جماعته .

ب - أن النظام والدستور الذي أقسم عليه كانت جماعة الاخوان يهتفون مع الثوار في ميدان التحرير بإسقاطه فكيف تقسم بالمحافظة عليه بعد توليك المنصب ؟

ج - أن المعاهدات الدولية التي أقسمت بالمحافظة عليها وأبرزها معاهدة كام ديفيد وهي معاهدة السلام بين مصر السادات والصهاينة والتي قمتم بموجبها بتكفير السادات لابرامه هذه المعاهدة ومن ثم اغتياله على أيدي رجالكم .. وكذلك اتفاقية بيع الغاز للصهاينة أبقيتم عليها .. والسماح بعودة السفير الصهيوني لأرض مصر الذي ضحيتم بعدة شباب من خيرة شبابكم بالعديد من المظاهرات التي كنتم تقيموها أمام سفارة العدو والمطالبة بطرده .

وكان هذا الخطأ من أعظم أخطائهم حيث غيب الحكم بالشريعة الإسلامية التي كانوا يوعدون بها الشعب منذ تأسيس جماعتهم عام 1928.

6- انطلاء الحيلة عليهم كما انطلت على باقي الثوار أن النظام سقط في حين أن الذين سقطوا هم أشخاص وليس النظام وبقي النظام يتحكم بكل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية .. وتركهم لميدان التحرير معتقدين أن الثورة انتصرت . في حين كان عليهم البقاء في الميدان دعما لرئيسهم المنتخب لحين اتمام ما تبقى من مطالب الثورة وتحقيقها بالكامل .

7- إستعداء وإقصاء الجماعات الأخرى وعلى رأسها جماعة الأزهر ومؤسسة القضاء وغيرها الكثير وعدم مقدرتهم على إقناع الاخرين داخليا وخارجيا بنهجهم .. وعدم سماعهم لرأي الاخرين ونصحهم خصوصا الجماعات الاسلامية الأخرى .

8- إثبات أنهم غير مؤهلين سياسيا لقيادة البلاد .. حتى وإن تامروا عليهم الجماعات الأخرى .. فقد كان باستطاعتهم مكاشفة الشعب أولا بأول بكل ما يجري ومطالبة الشعب وباستمرار بحماية الشرعية .. إن كان بالطبع اكتشفوا المؤامرة وإن كانت مرت من تحت أقدامهم وهم لا يعلمون بها فالمصيبة أعظم وأرجح الأخيرة .

9- عدم مقدرتهم على كسب الجيش وقوى الأمن لصفهم وتغيير قياداتهم برجال ينتمون الى أرض مصر وشعبه بالفعل ولا يشترط أن يكونوا إخوانيين .. خصوصا أن تامر الجيش وقوى الأمن كان واضحا للعيان وما يجري الان خير دليل على هذا.

10- كان واضحا من كلمة الرئيس الأخيرة والمسجلة أنه على علم بما يجري وسيجري فكان عليه أن يحضر عدة ملايين من مؤيديه لحماية مكان تواجده مع طاقم إعلامي كامل ليبقى على تواصل مع الشعب واتخاذ القرارات المناسبة بكل لحظة تطور .. أو الخروج من مكانه والتواجد في ميدان رابعة العدوية بين مؤيديه . بل كان على جماعته احتلال كل الميادين قبل الاخرين بأيام خصوصا أن تاريخ ويوم تجمع فلول النظام الذي لم يسقط بالأصل بات معلوما لدى الجميع .

ما حدث بمصر هو انقلاب على شرعية تؤمن بها دول العالم وتدعي احترامها للديموقراطية الزائفة والباطلة أصلا .. وبما أن الاخوان قبلوا أن يضعوا أنفسهم بهذا الخندق الذي تؤمن به معظم دول العالم .. وفازوا بانتخابات اعترف بها العالم بما فيه أغلب خصومهم .. فعلى العالم قاطبة أن يحترم هذه الشرعية .. وحسب الأنظمة والقوانين العالمية والمتعارف عليها بينهم .. فإن الدكتور محمد مرسي هو الرئيس الشرعي والمنتخب لمصر الى حين إنتهاء ولايته . وباتت الأمور واضحة وضوح الشمس أنها مفبركة ومخطط لها وبتامر تام بين كل القوى التي اجتمعت مع السيسي لحظة اعلانه خارطة الطريق .. وبعلم وتخطيط من القوى الدولية المؤثرة بالقرار بتأييد دول تتبعها بالشرق والشرق الأوسط تحديدا .. وكان الكل يعلم بساعة الصفر وينتظر ( كبسة الزر ) ليقوم كل واحد بعمله الموكل اليه .. كما تابعنا ونتابع عبر وسائل الاعلام .

وأؤكد هنا أن من وصل الى سدة الحكم بمصر وعبر الأنظمة الدولية وشرعيتها هم جماعة مسلمة .. ولم يصل الإسلام الى سدة الحكم .

أما مطالب الشعوب الإسلامية من جماعة الاخوان عموما وحسب قرائتي للعديد من الاراء والطروحات عبر الكثير من وسائل الإعلام وشبكات التواصل الإجتماعي لمناصرتهم والوقوف معهم جنبا الى جنب لإعانتهم للعودة الى سدة الحكم فتتلخص بما يلي :

1- إعلانهم ومن الان بتطبيق شرع الله بحكمهم وان يحكموا بكتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام .. وأن يطبقوا شعارهم على أرض الواقع ( الإسلام هو الحل ) بكل ما تعنيه العبارة من معانٍ عظيمة .

2- أن يتوكلوا على الله ويستعينوا به في حكمهم وعدم الإتكال على العبيد واسترضاء أعداء الإسلام بحجة التدرج .

3- لا يطالبهم أحد باستعداء الأعداء .. والمحافظة على المواثيق والمعاهدات الدولية التي لا تخالف شرع الله .. ولا تضر بالمصالح العليا للدولة.

4- عليهم الإستعانة بقيادات إسلامية ذات حنكة سياسية من خارج جماعتهم على أن يعملوا بقلب رجل واحد لإدارة شؤون البلاد .. ونستذكر هنا مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله ).

أخيرا أرجو أن يتسع صدر أخوتنا في الجماعة للنقد ويكونوا بهذا حققوا مطلبا اخيرا لاخوانهم الذين يناصروهم بعيدا عن التعددية الحزبية والفئوية .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات